والد مريض: «اكتبوا إن المستشفى كويسة لينا عندهم مريض نخاف يؤذوه»
أهالي المرضى يفترشون الأرض وسط القاذورات
مصاب بقطع في الرقبة: بقالي 3 شهور فيها
أهل مصاب بورم على المخ: « تعبنا لحد ما عملنا عمل العملية»
رئيس جامعة القاهرة: تكلفة تطوير الطوارئ 130 مليون جنيه والانتهاء في يناير 2020
مدير إدارة التمريض بالقصر العيني: الممرضات يهربن للعمل في العيادات الخاصة
ساعات قليلة قضتها «أهل مصر» داخل مستشفى القصر العيني القديم لمتابعة العمل داخلها ولنقل صورة حيّة عن المآسي التي يتعرض لها المرضى على مدار الساعة، دون أن يلتفت أي مسئول لوقف هذه الكوارث من أجل راحة المريض.
أبواب مفتوحة عن آخرها، على كل باب ترى أفراد الأمن يلتحفون الزي الأزرق يقفون يستقبلون شتى الحالات الحرجة منها والعادية، فما إن تخطوا قدامك قرابة الـ100 متر ترى المرضى مستلقون بين الطرقات، دماء تسيل وأودية تؤخذ بين المارة، مشاهد تتخللها رائحة الموت مع بصيص من الأمل، داخل مستشفى القصر العيني القديم، مرضى مسنوّن خارت قوامهم من مقاومة المرض رجال ونساء يقفون أمام العيادات الصحية الخاصة، ينتظرون دور كل منهم لتوقيع الكشف الطبي عليه.
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
«قاعدين من الصبح مستنين دورنا»، بهذه الجملة بدأت صباح عبد المجيد، 51 سنة حديثها لـ«أهل مصر» بأنها تنتظر دورها وتجلس على الأرض لعدم وجود مقعد تجلس عليه وأن المقاعد القريبة من مبنى العيادات هي مقاعد أفراد الأمن فقط ونهت حديثها بـ «كلها شوية وهنمشي»، وبعد ذلك تم الانتقال إلى مبني آخر وهو المبني الخاص بإجراء العمليات الجراحية والأقسام المختلفة، ودخول الأهالي لزيارة ذويهم فالكل يتنقل بين مبنى إلى آخر دون أن يستوقفه أحد ليسأله عما يفعله وعند الاقتراب من المبني فوجئنا بمن يفترشون جنبات الطريق رجل وامرأة معًا وعلى بعد خطوات سيدة أخرى تنام وبجوارها ملابس وبطاطين.
عند الدخول وجدنا أعمال التطوير والعمال الموجودين والأسياخ الحديدية المتناثرة على الأرض وأصوات الدق العالية والضوضاء بكل مكان كل هذا وسط كميات كبيرة من الرمال التي يبعثرها الهواء ويجعلها تتطاير في كل مكان فالتمريض ينقل المرضى على كراسي متحركة وهم يضعون أيديهم على أنوفهم لمنع استنشاق هذا الغبار، مما جعلنا في حاجة للاستفسار عما يحدث فوجدنا عامل بالمستشفى –رفض ذكر اسمه- كشف أن كل ذلك يدخل ضمن أعمال تطوير المستشفى والمكان الذي يتم تطويره به كميات من الرمال كان عبارة عن صيدلية قديمة فتم هدمها وفقًا لأعمال التطوير لعمل طوارئ تليق بقصر العيني لخدمة المرضى، مضيفًا أن المشكلة الحقيقية تكمن في وجود العمال وعملهم طوال النهار مما يؤثر الغبار الناتج عن أعمال البناء على صحتهم وصحة المرضى.
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
وعند صعودنا إلى الدور العلوي فوجئنا بقيام عمال النظافة بسكب كميات كبيرة من الماء والصابون على الأرض وبدء أعمال التنظيف وسط حركة المرضى وذويهم ذهابًا وإيابًا خلال ساعات الظهيرة، فالمفترض هو بدء هذه الأمور قبل توافد المرضى والطاقم الطبي في الصباح الباكر أو في نهاية اليوم، كما تنتشر على الأرضيات بقع كبير من الدهان وطلاء الحائط تفقد أرضية المستشفى شكلها.
وأثناء الجولة دخلنا إلى حجرة أحد المرضى الذي خرج مؤخرًا من غرفة العمليات فوجدنا الأهل والأصدقاء والأبناء يجلسون على الأرض ومعهم برادًا من الشاي، يتسامرون والمريض على سريره لم يبالي بما يحدث ومنهم الحاج عبد التواب إبراهيم الذي قال «اكتبوا أنها المستشفى كويسة إحنا منقدرش نقول غير كده ده إحنا لينا مريض عندهم نخاف يؤذوه»
في حين وجدت «أهل مصر» رجل ستيني عجوز يقف بجوار أحد النوافذ في أحدى طرقات مستشفى قصر العيني، وعند محاولة التحدث معه وجدناه مريض يعاني من ذبح في رقبته مع تركيب قسطرة له جعلته غير قادر على الحديث وكلماته تخرج ببحة في الصوت غير مفهومة مشيرًا إلى وجوده في المستشفى منذ 3 أشهر وأهله يقومون بزيارته الجمعة من كل أسبوع ولم يشتكي من شيء وتم إنهاء الحديث معه لعدم الفهم الجيد طبقًا لحالته الصحية.
اقرأ أيضًا.. بعد حصولها على الجودة أهل مصر يكشف أهم الخدمات داخل مستشفى "دار الشفاء"
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
وفي الطابق الثالث غرفة عمليات المخ والأعصاب يجلس أمامها الكثيرون يفترشون جنبات الطريق ينتظرون مريضًا داخل العمليات، وعند الحديث مع زوجته التي تجلس مع ابنتها على بطانية خلف الغرفة في ممر ضيق صغير كشفت أنه يعاني من ورم على المخ وأنهم مروا بمتاعب وصعوبات كثيرة حتى تم دخوله مستشفى قصر العيني الذي جلس بها لمدة 10 أيام حتى تمت الموافقة أخيرًا على إدخاله العمليات.
فمن خلال الجولة وجدنا أن ساحات مستشفى قصر العيني تحولت أرضيتها إلى مقاعد للمرضى وذويهم حيث يجلس الكثيرون في كل دور صفًا بجوار بعضهم البعض منهم من يأكل ويشرب والأخر في نوم عميق غير مكترث بما يحدث حوله وعلى الجانب الآخر يجلس أهالي المرضى أمام غرفة العمليات يضعون أيديهم على وجههم والدموع في أعينهم ينتظرون انتهاء العملية للاطمئنان على المريض وحالته الصحية.
وعلى الجانب الآخر وجدنا ثلاجة في الدور الثالث تحتوي على زجاجات من المياه والمياه الغازية أمام السلالم مباشرة حتى يمكن للأهالي شراء كل ما يحتاجونه منها، ولاحظنا تجول أحد الباعة الجائلين في المستشفى بين أهالي المرضى الذين يجلسون في الطرقات.
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
رئيس جامعة القاهرة: تطوير طوارئ قصر العيني بتكلفة 130 ملايين جنيه.. والانتهاء في يناير المقبل
تشهد طوارئ مستشفى قصر العيني عملية تطوير شاملة خاصة تنفيذًا لمشروع تطوير قصر العيني 2020، والذي تعمل عليه جامعة القاهرة منذ شهور، وتمكنت من إنجاز جزء كبير منه بتكلفة 130 مليون جنيه من التمويل الذاتي، حيث إن العمل يسير على قدم وساق لتطوير وحدة الطوارئ، طبقا لأحدث المواصفات العالمية.
كما أعلن الدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إن تطوير طوارئ قصر العيني سوف يغير مفهوم وحدة الطوارئ، مؤكدا أنه تطوير حقيقي وليس مجرد تجديد، وأنه من المقرر أن تنتهي أعمال تطوير قصر العيني خلال ٣ أشهر أي في شهر يناير المقبل، بهدف تحسين مستوى الخدمات التعليمية والتدريبية، إلى جانب تقديم خدمات الرعاية الصحية وخدمة المجتمع الملقاة على عاتقه في هذا المجال.
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
طبيب أمراض النسا والتوليد: سلبيات القصر العيني تظهر بسبب زيادة أعداد المرضى ومحاولة تقديم الخدمات الطبية لهم
ومن جانبه، أوضح الدكتور أمير عربي، أستاذ مساعد في التوليد وأمراض النسا بقصر العيني، أن المستشفى متكاملة الخدمات ومتوفرة للمرضى بأسعار جيدة، مؤكدًا أنه يمكن زيادة الخدمات طبقا لزيادة أعداد المرضى مشيرًا إلى أن الحضانات في قصر العيني معروف أنها قليلة وتحتاج إلى زيادة أعدادها رغم أن كل هذا مرتبط بعدد تمريض وأطباء وغيره، فالفكرة ليست في زيادة أجهزة أو افتتاح أقسام طبية جديدة تخدم المرضى، ولكن بوجه عام الخدمة جيدة ولكن كونه سنتر يتم توزيع معظم المرضى عليه يحتاج إلى مساحات وأعداد كبيرة.
واقترح عربي في حديثه لـ«أهل مصر»، فتح فروع مستشفيات مرتبطة بقصر العيني تكون في المدن الجديدة كمدينة 6 أكتوبر والعاصمة الجديدة وغيرها، فمثلا عين شمس لها فرع في مدينة العبور وغيرها، كل هذا لتقديم خدمات تليق بالمرضى، مضيفًا أن الحديث عن قسم النسا والولادة في القصر العيني يعتبر في تطوير دائم.
وعلق طبيب التوليد وأمراض النسا في قصر العيني، على حديث البعض عن الأعداد الكبيرة للمرضى وجلوسهم على الأرض والحديث عن نقص الدواء، بأن أعداد المرضى كبيرة جدًا فالمكان يسد أعلى من طاقته فمثلا مكان يخدم 100 مريض كيف يتحمل 1000 مريض ويقدم لهم خدمات الرعاية الكاملة فمن هنا تبدأ المشكلات في الظهور بشكل يخرج عن إرادة الإدارة فالمكان مربوط بالمساحة والخدمات المقدمة ولذا تضطر المستشفى لإدخال حالات زيادة من المرضى وتبدأ مشكلات عدم وجود أسرة كافية ونتغاضى عنها بدلا من الدخول في مشكلات.
مرضى القصر العيني يفترشون الطرقات
وأشار أستاذ مساعد في التوليد وأمراض النسا في القصر العيني، إلى أن هدف الإعلام الجديد تسليط الضوء على ايجابيات قصر العيني في نفس وقت إظهار السلبيات كمشكلة أفراد الأمن الذين قاموا بسكب بقع من الزيت على مقاعد المرضى لمنع جلوسهم عليها لافتًا إلى أن هذا لا يعني أن جميع أفراد الأمن سيئين فهي أفعال شخصية، ففعل سيء واحد لا يجب تعميمه على الجميع، مضيفًا أن هناك ألاف العاملين سواء كانوا طاقم طبي أو تمريض أو عاملات أو موظفين إداريين فجميعهم يعملون جيدًا، قائلًا «مش معنى ظهور مشكلة من شخص أو حتى عشرة يبقى الكل وحش لأ طبعا قدامهم آلاف كويسين، ويجب أن يتم تسليط الضوء على ايجابيات قصر العيني حتى يمكن للأطباء القيام بعملهم جيدا
ولم تكن مشكلات القصر العيني متعلقة بالمرضى فقط، بل هناك معاناة الأطباء الذي لا تنتهي على حد وصفهم، وتكثر في المستشفيات الحكومية عن المستشفيات الخاصة، لذا ذكرت مها جعفر، الأستاذ بكلية طب قصر العيني، إن لائحة قانون المستشفيات الجامعية وعلى رأسهما القصر العيني بها العديد من نقاط الضعف والتي تنعكس بشكل أساسي على مستوى الطبيب والتدريب وتؤثر على أدائه لمهنته، معلقة «اللائحة لا تتحدث نهائي عن سيرة المريض المجاني بالرغم من أنها تعالج ثلثي الحالات في المستشفيات الحكومية».
وأضافت «أعضاء هيئة التدريس يتحملون العمل داخل المستشفيات الجامعية بالمجان، ورغم كده مفيش أي فرق في الرواتب بينا وبين أي هيئة التدريس في أي جامعة أخرى»
العيادات والمستشفيات الخاصة تسحب الممرضات من الحكومية رواتب التمريض متدنية والحل زيادة وحوافز تشجيعية
ابتسام عبد الفتاح: الممرضات يهربن إلى العيادات الخاصة
نقيب التمريض: الدعم المالي سبب عجز الممرضات
وفي ظل الحديث عن مشكلات القصر العيني، كان يجب عرض أزمة التمريض الذي يشكل جزء أساسي في الكيان، بعد أن اشتكى عددًا من الممرضات عن ضعف الرواتب والتي تبلغ 1200وعدم اهتمام المستشفيات في توفير بدلات لهن أو حضانات لأطفالهن، فضلاً عن طول ساعات العمل والتي تصل إلى 12ساعة، بالإضافة إلى جودة الوجبات سيئة.
وأوضحوا أن «شيفت النوبيتجية الليلية يصل إلى 16ساعة، والجهاز المركزي والإدارة تلزمها بالتواجد الصبح حتى الساعة 2 الظهر».
وأضافوا غياب التأمين الكافي للممرضات، فهن يتعرضن لإهانة شديدة في بعض الأحيان من قبل أهالي المرضى والتي قد تصل إلى حد المشاجرات والضرب.
وفي السياق ذاته أكدت الدكتورة كوثر محمود نقيب التمريض أن الكثير من الممرضات يهربن من المهنة بسبب نقص الدعم المالي لوزارة الصحة والسكان، مشيرة إلى أنَّ النقابة تسعى لزيادته للقضاء على العجز خلال عامين.
قالت كوثر إنَّ التمريض يقدِّم أكثر من 50 % من الخدمات الطبية والعلاجية في المستشفيات، مطالبةً بضرورة الاهتمام بالتمريض لما يمثله من قوة ضاربة في المنظومة الصحية، ودعمه من قبل وزارة المالية.
وحول معاناة قطاع التمريض، قالت ابتسام عبد الفتاح مدير إدارة التمريض بالقصر العيني تعاني المهنة من النقص في النوبيتجية الليلية بسبب اعتراض عددٍ من الممرضات على المبيت بالمستشفى لما لديها من التزامات منزلية.
وأضافت أن التمريض يعد مهنة طاردة، فالعديد من العاملين يرغب في السفر للخارج لما يحظى به من تقدير مادي يرتفع كثيرًا عما يوجد في مصر، بالإضافة إلى تقدير المواطنين لسمو هذه المهنة.
وعبرت عن استيائها من خريجي التمريض الجدد وعدم قدرتهن على تحمل المسئولية على عكس الذين يعملوا بالمهنة منذ سنوات خبرة كبيرة، مشيرة إلى توجه حديثي التخرج من الممرضات إلى العيادات الخاصة التي يصل راتب الفترة اليومية «الشيفت» فيها إلى 200جنيه والتعامل مع المستشفيات الحكومية بمبدأ تقضية واجب نظرًا لتراوح يومهن فيها بين 50 و60 جنيهًا، على حد قولها.
وتابعت:«على الرغم من وجود كشوفات غياب وحضور وتحقيقات شئون قانونية فهم جيل غير قادر على تحمل المسئولية على عكس زمان كانت تخاف على وظيفتها، المستشفيات الخاصة سحبت كل الممرضات وبتدفعلهم فلوس مقابل ضغط شغل بيخلها تيجي الحكومية عاوزة ترتاح ومعندهاش طاقة تشتغل».
وأشادت بزيادة حوافز المهن الطبية الأخيرة، والتي تصل إلى 400% للممرضة و500% للمشرفة إلا أنه مهما بلغ قدرها فتقارن بالعيادات الخاصة، معلقة «في ظل غياب الضمير عاوزين ياخدوا من المكانين».
وانتقدت تصرفات الممرضات صغار السن وتعاملهن مع المرضى، قائلة: «فقدوا معنى ملائكة الرحمة.. عملية تجارية ومساومة هتدفعي كام عشان أقعد الشيفت.
وأشارت إلى أن العجز في التمريض العام، يرجع لعدم قدرة الممرضات على تحمل أعباء العمل وليس غيابهن بشكل كلى «هما موجودين بس معندهمش طاقة للشغل وينقصهم التأهيل والسلوكيات».
وأفادت بأن حل أزمة التمريض يكمن بضرورة التركيز على تخريج دفعات تعي أهمية المهنة وسلوكياتها، مطالبة بضرورة تخصيص مادة حول أخلاقيات مهنة التمريض.