قام نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" بزيارة غير معلنة لإقليم كردستان العراق، اليوم، هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي رفيع المستوى منذ أن أمر الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا قبل شهرين، في زيارة رأى مراقبون أنها تهدف إلى طمأنة أكراد العراق، حلفاء الأمريكان في الحرب ضد داعش، وجاءت في وقت تحاول إيران تقديم نفسها للزعماء العراقيين كشريك أكثر اتساقًا من الأمريكيين، خاصة في ظل كفاح الحكومة العراقية للتعامل مع الاحتجاجات التي تضرب البلاد، وهي ثاني رحلة لـ"بنس" إلى المنطقة بعد زيارة سابقة إلى العاصمة التركية أنقرة غداة الغزو التركي لمناطق سيطرة أكراد سوريا في الشمال الشرقي للبلاد.
وبعد استقلاله طائرة شحن عسكرية من طراز C-17، هبط نائب الرئيس الأمريكي في مدينة "أربيل"، عاصمة إقليم كردستان العراق، للقاء رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، في زيارة تهدف إلى طمأنة حلفاء الأمريكان في القتال ضد داعش، بعد أن عانى الأكراد السوريون من هجوم تركي دموي الشهر الماضي بعد سحب ترامب لقواته من شمال شرق البلاد.
تلقى "بنس" أيضًا إحاطة سرية في قاعدة الأسد الجوية العراقية، والتي أطلقت منها القوات الأمريكية العملية التي أسفرت عن مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي في سوريا الشهر الماضي، وتحدث هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.
كانت هذه ثاني رحلة يقوم بها نائب الرئيس الأمريكي إلى المنطقة خلال خمسة أسابيع؛ حيث كلفه ترامب، أكتوبر الماضي، برحلة إلى العاصمة التركية أنقرة للتفاوض على وقف لإطلاق النار بعد أن استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانسحاب الأمريكي لشن هجوم على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، في خطوة دفعت المشرعين الأمريكان في كلا الحزبين إلى اتهام الرئيس بالتخلي عن حلفاء منذ فترة طويلة وتمهيد الطريق لروسيا وإيران إلى السيطرة بشكل أكبر على المنطقة.
وقال "بنس" إنه يرحب بهذه "الفرصة نيابة عن الرئيس ترامب لتأكيد الروابط القوية، التي نشأت تحت نيران الحرب، بين الشعبين الأمريكي والكردي في هذه المنطقة".
إلى ذلك، اعتبر مسؤول أمريكي رفيع أن زيارة نائب الرئيس تهدف إلى طمأنة أكراد العراق الذين ما زالوا متحالفين مع الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، وكذلك الأمريكيين الذين دعموا القضية الكردية منذ زمن طويل، بأن إدارة ترامب تظل ملتزمة بالتحالف معهم، مضيفا أن هذه الزيارة كانت أيضًا لإظهار تركيز "بنس" على السياسة الخارجية في الوقت الذي تعاني واشنطن من إجراءات مساءلة الرئيس تمهيدًا لعزله. وذلك وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
بعد أسابيع من إعلان الانسحاب شبه الكامل للقوات الأمريكية من سوريا، قرر ترامب بقاء حوالي 800 عنصر من مقاتليه لمنع عودة حقول النفط السورية الشرقية إلى أيدي "داعش". ووافق ترامب أيضًا على إبقاء حوالي 150 جنديًا أمريكيًا في قاعدة في جنوب سوريا لمراقبة النفوذ الإيراني.
وبينما زعم "ترامب" أن الولايات المتحدة "تحافظ" الآن على النفط، أشار مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إلى أن الوجود الأمريكي يهدف إلى إبقاء المنشآت النفطية في أيدي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد.
وقال "بنس" إن التحالف بين أمريكا والأكراد كان يهدف إلى ضمان أن "داعش" أو جماعة متطرفة أخرى "لن تكون قادرة على كسب موطئ قدم في هذه المنطقة مرة أخرى"، مضيفا أن إدارة ترامب تعمل على تأمين زيادة أخرى في رواتب القوات المسلحة، مشيرا إلى أن التحقيق في عزل ترامب يبطئها، لافتا إلى أن "السياسة الحزبية والتحقيقات التي لا نهاية لها أدت إلى تباطؤ الأمور في العاصمة".
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن هذه الرحلة جاءت بعد 11 شهرًا من قيام ترامب بزيارة مماثلة غير مسبوقة إلى ذات القاعدة، "الأسد"، بعد أيام فقط من إعلانه سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان.
وأفادت الصحيفة الأمريكية بأن توقيت الرحلة التي قام بها "بنس"- وهو ثاني أهم مسؤول في الحكومة الأمريكية- كان تأكيدا على استمرار مشاركة الولايات المتحدة في العراق، وكانت أيضا بمثابة ردة فعل ضمنية على إيران، التي حاولت في كثير من الأحيان تقديم نفسها للزعماء العراقيين كشريك أكثر اتساقًا من الأمريكيين؛ حيث سبق أن أرسلت إيران الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وهو أهم ذراع للحرس الثوري الإيراني، لمساعدة العراقيين في التخطيط للرد.
كما جاءت الزيارة في وقت كافحت فيه الحكومة العراقية للتعامل مع الاحتجاجات، التي شهدتها مناطق وسط وجنوب البلاد فضلا عن العاصمة بغداد، والتي قال مسؤولون عراقيون اليوم إن شخصا قتل بالرصاص وأصيب عشرات آخرون مع استمرار الاحتجاجات في العاصمة.
اقرأ أيضاً: أمريكا تدعو العراق إلى الوفاء بتعهداتها وإجراء انتخابات مبكرة
إيران، التي ترى أن الانتفاضة في العراق بمثابة تهديد أثار تحرك مماثل في الداخل، دعت إلى رد فعل صارم. ولكن أمريكا عارضت هذا النهج، وشجعت العراق على العمل مع المحتجين السلميين. وفقا لـ"نيويورك تايمز".
اقرأ أيضاً: أمريكا تندد بـ"القوة المميتة" والقيود الصارمة على الاتصالات خلال مظاهرات إيران
وتعتقد قيادة كلا البلدين-أمريكا وإيران- أنه ينبغي أن يظل رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في السلطة في الوقت الحالي، لأنه إذا تم عزله- كما يريد بعض المحتجين- فقد يؤدي ذلك إلى وضع فوضوي يفتح الباب أمام سفك الدماء أو حتى اندلاع حرب أهلية مجددا.
كان نائب الرئيس الأمريكي سافر إلى أفغانستان عام 2017، في زيارة للقوات الأمريكية في أول رحلة له إلى هذا البلد كنائب للرئيس. وعادة ما تبقى خطط هذه الرحلات الخارجية إلى مناطق الحرب سرية لأسباب أمنية.