اتهامات متبادلة وشد وجذب.. تفاصيل اليوم الأول لقمة "الناتو".. ماكرون: تركيا تتعاون مع الإرهاب.. وأردوغان: سنعترض على خطة دول البلطيق.. وترامب: الرئيس الفرنسي أهان دول الحلف

اتهامات متبادلة، وتصريحات استفزازية، وشد وجذب.. هذا ما شهده اليوم الأول من قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي انعقدت بالعاصمة البريطانية لندن؛ حيث اتهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تركيا بالتواطؤ مع عملاء "داعش"، بينما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات ماكرون بشأن "الموت الدماغي" للناتو بأنها "مهينة وسيئة للغاية"، فيما هدد الرئيس التركي، بدوره، باستخدام حق النقض ضد خطة الناتو الدفاعية الخاصة بدول البلطيق. ليدخل بذلك الجميع في سجال مطول ومعركة كلامية لم تفضِ إلى شيء سوى تعميق الهوة بين دول الحلف القائم منذ عقود والذي يرى بعض أعضائه أنه يمر بحالة ضعف نتيجة عدم التنسيق بين دوله في بعض القرارات المهمة.

وهدد أردوغان مرة أخرى باستخدام حق النقض ضد خطة الناتو الدفاعية الخاصة بدول البلطيق ما لم يصنف الحلف وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا والمتواجدة على حدود تركيا، كإرهابيين، وهو الوصف الذي رفضه الرئيس الفرنسي، بالإضافة إلى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون".

كما أكد ترامب على ضرورة أن تزيد دول الناتو إنفاقها الدفاعي، محذرا إذا لم يفعلوا ذلك فإنه سيفكر في فرض عقوبات تجارية أمريكية عليهم.

وبرز الشعور بالفوضى، الذي يعكس الاختلافات الأوسع حول هدف "الناتو" في المستقبل بعد الحرب الباردة، من خلال سلسلة من المؤتمرات الصحفية التي استضافها "ترامب" على هامش القمة.

من جهته، تحفظ رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مضيف القمة البريطانية، بدرجة كبيرة، لكنه عقد اجتماعًا في داونينج ستريت في محاولة لصياغة مقاربة أوروبية تركية مشتركة للأزمة في شمال شرق سوريا حيث تم تهجير عشرات الآلاف من أكراد سوريا بسبب العدوان الذي شنه الأتراك والجماعات المسلحة المتحالفة معهم في أكتوبر الماضي.

وتنبع تصريحات "ماكرون" حول "الموت الدماغي" للناتو من غضبه من عدم وجود أي تعاون تركي مع بقية دول "الناتو" بشأن هذا العدوان، باستثناء استشارة ترامب فقط، والذي بدوره أعطى الضوء الأخضر للأتراك لبدء هذا الغزو الذي أدى إلى رد فعل سياسي هائل في الولايات المتحدة.

وحذر الرئيس الفرنسي اليوم مرارًا وتكرارًا من عودة داعش إلى سوريا بسبب الغزو التركي الذي أضعف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذات الأغلبية الكردية، بما في ذلك مقاتلي وحدات حماية الشعب، التي شكلت العمود الفقري في القتال ضد تنظيم داعش. وفي مرحلة ما، اتهم الرئيس الفرنسي تركيا بالعمل في بعض الأحيان مع وكلاء التنظيم الإرهابي.

وقال ماكرون إنه يؤيد تطوير حلف الناتو لأهداف أوسع بما في ذلك محاربة الإرهاب، لكنه أضاف: "أنا آسف لأننا لا نملك نفس التعريف للإرهاب حول هذه الطاولة؛ فعندما أنظر إلى تركيا، أجد أنهم يقاتلون الآن ضد أولئك الذين يقاتلوننا، والذين قاتلوا معنا، جنبا إلى جنب، ضد داعش، وأحيانًا يعملون مع وكلاء داعش"، مضيفا أن "على تركيا أن تنهي غموضها تجاه هذه الجماعات".

وتابع: "أنا أفهم أنهم يريدون الآن رفض جميع مخرجات هذه القمة ما لم نتفق على تعريفهم هم للإرهاب و ليس تعريفنا نحن"، متسائلا "كيف كان من الممكن أن تكون تركيا عضوا في حلف الناتو وفي نفس الوقت تشتري نظام الدفاع الصاروخي الروسي "S-400"، قائلا "من الناحية الفنية، لا يمكن ذلك".

ويشدد الرئيس الفرنسي، جنبا إلى جنب مع معظم قادة دول الناتو، أن وجود نظام الدفاع الروسي داخل دولة عضو في الناتو سوف يكشف معدات الحلف العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز F-35، لصالح المخابرات العسكرية الروسية.

بدوره، قال ترامب، ردا على سؤال أحد المراسلين حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعاقب تركيا على شراء "S-400" كما يطالب الكونجرس الأمريكي، إنه لا يزال يبحث هذه القضية. ثم ادعى، وبشكل خاطئ، أن تركيا أُجبرت على النظر إلى "S-400" لأن سلفه "باراك أوباما" رفض السماح لتركيا بشراء نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "باتريوت"، قائلا: "لقد أرادت تركيا لفترة طويلة شراء نظام باتريوت، ولكن أوباما "لم يبعها لهم".

في الواقع، قدمت إدارة "أوباما" هذا النظام لتركيا مرارًا ولكن أردوغان رفض بدعوى أن الصفقة الأمريكية لم تتضمن تقنية "باتريوت" الأساسية.

وبعد دفاع "ترامب" عن الموقف التركي، تدخل "ماكرون" وقال إن هذا هو "قرار تركيا الخاص"، مستدلا على ذلك بقوله: "إن أوروبا عرضت أيضًا بيع نظام دفاع جوي خاص بها لأردوغان، مؤكدا على أنه وبالرغم من "وجود خيار أوروبي، ومتوافق تمامًا مع حلف الناتو، قرروا عدم الامتثال للحف".

ثم سأل الرئيس الأمريكي نظيره الفرنسي عما إذا كان سيتسلم أيًا من المقاتلين الأجانب الذين أسرتهم أمريكا في سوريا والعراق، قائلا: "لدينا عدد هائل من المقاتلين الأسرى في سوريا تحت القفل والمفتاح، ومعظمهم من أوروبا، فهل تريد بعض من مقاتلي داعش؟ أنا يمكن أن أعطيهم لك. يمكنك أن تأخذ كل من تريد".

وعندما أجاب "ماكرون" بشكل عام عن الوضع المستقبلي لإرهابيي داعش، قال ترامب: "هذا هو سبب كونك سياسي كبير، وهذه هي إحدى أعظم الإجابات التي سمعتها في هذا الشأن، وهذا جيد".

ومع استمرار الشد والجذب، قال ماكرون: "لنكن جادين، صحيح أن لديك مقاتلين قادمين من أوروبا، لكنها مشكلة جزئية بالنسبة للمشكلة الكلية التي لدينا؛ حيث أعتقد أن الأولوية رقم واحد والتي لم تنته بعد، هي التخلص من داعش".

وفي مؤتمر صحفي سابق، كان "ترامب" أكثر ذكاءًا بشأن ماكرون، وقال إن تصريحاته عن موت الناتو كانت "سيئة للغاية جدًا"، مضيفا "أعتقد أن هذا مهين لكثير من قوى الحلف، ولا يمكنك الالتفاف حول الإدلاء بتصريحات مثل تلك المتعلقة بحلف الناتو؛ فإنه تكتل محترم للغاية".

اقرأ أيضاً: أردوغان: التهديدات التي تواجهنا تفرض على الناتو تحديث نفسه

وكان "ماكرون" احتج منذ الغزو التركي لشمال شرق سوريا في أكتوبر الماضي بأن هذه الخطوة كانت بمثابة إلهاء كارثي عن مشكلة أولوية وهي هزيمة داعش. وكان غاضبًا أيضًا من أن الولايات المتحدة بدأت في سحب جميع قواتها الـ 500 المتبقية من المنطقة، وسلمت فعليًا القواعد الجوية إلى روسيا.

اقرأ أيضاً: الرئيس الروسي يعلن انفتاح بلاده على التعاون مع "الناتو"

وفي محاولة لإظهار تضامنه مع أكراد سوريا، استضاف ماكرون أيضًا قادة سياسيين من قوات سوريا الديمقراطية في باريس، مشيدًا بهم على التضحيات التي قدموها لهزيمة داعش.

اقرأ أيضاً: صفعة أمريكية جديدة لتركيا: وحدات حماية الشعب الكردية ليست إرهابية

وعلى الرغم من أن ترامب يمتدح أردوغان مرارًا وتكرارًا، إلا أن أعضاء إدارته الآخرين أكثر أهمية؛ ومنهم وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الذي اتفق، في مقابلة أجرتها معه "رويترز"، مع "ماكرون" على أن الناتو لا يستطيع تصنيف وحدات حماية الشعب الكردية بأنها جماعة إرهابية؛ وقال في تصريحات أدلى بها على متن طائرة متجهة إلى لندن: "إن الرسالة الموجهة إلى تركيا هي أننا بحاجة للمضي قدما في خطط الاستجابة تلك وإنها لا يمكن أن تُعلّق بفعل مخاوفهم الخاصة"، مضيفا أن "وحدة الحلف وجاهزيته تعني أن تركزوا على القضايا الأكبر، والقضية الأكبر هي جاهزية الحلف، وليس الجميع مستعدون للموافقة على أجندتهم(الأتراك)، فلا يرى الجميع التهديدات التي يرونها".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً