توصلت الصين وأمريكا إلى اتفاق مبدئي لإنهاء الحرب التجارية بينهما، وذلك بالتوافق حول مرحلة أولى من اتفاق تجاري طالت المفاوضات حوله، بينما تساءل خبراء إلى أي مدى قد يعالج هذا الاتفاق التوترات الطويلة الأمد بين البلدين، والتي استمرت فترة عام ونصف خاضت بكين وواشنطن خلالها حرباً تجارية متبادلة تسببت في ألم في كلا الاقتصادين، وتسببت كذلك في حالة من عدم اليقين في السوق، وتباطؤ في النمو العالمي، وكل ذلك وسط توقعات بأن هذا التوافق الأخير قد لا يشمل الإلغاء الضروري للتعريفات الذي من شأنه أن يساعد على التوصل لاتفاق أوسع حول القضايا الأكثر أهمية.
وقال نائب وزير التجارة الصيني "وانج شوين" في مؤتمر صحفي في وقت متأخر من مساء اليوم الجمعة، إن الولايات المتحدة وافقت على إلغاء بعض التعريفات الحالية على البضائع الصينية، في حين غرّد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن البلدين قد توصلا إلى اتفاق حول "المرحلة الأولى من الاتفاقية" التجارية التي طالت المفاوضات حولها بين البلدين.
ووصف "ترامب" الاتفاقية بأنها "صفقة مذهلة للجميع"، وقال إن الصين وافقت على "العديد من التغييرات الهيكلية والمشتريات الضخمة" من "المنتجات الزراعية والطاقة والسلع المصنعة، وغير ذلك الكثير"، مضيفا أن التعريفة الجمركية البالغة 25٪ ستبقى، وأن التعريفة السابقة البالغة 15٪ ستنخفض إلى النصف عند 7.5٪.
وأكد أيضًا أن التعريفات التي كان من المقرر دخولها حيز التنفيذ في 15 ديسمبر الجاري، ستلغى "بسبب حقيقة أننا توصلنا إلى صفقة"، مشيرا إلى أن المفاوضات حول المرحلة الثانية من الصفقة ستبدأ "على الفور، ولن ننتظر حتى بعد انتخابات 2020".
ووفقا لتقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن هذه التصريحات جاءت بعد يوم صمت من بكين، في أعقاب تقارير وسائل الإعلام الأمريكية التي تفيد بأنه تم التوصل إلى اتفاق "من حيث المبدأ" من شأنه أن يدفع أمريكا إلى التراجع عن بعض الرسوم على 360 مليار دولار من البضائع الصينية مقابل التزامات صينية بشراء المنتجات الزراعية من الولايات المتحدة، وغيرها من التنازلات.
وتأتي هذه الأخبار قبل أيام من فرض البيت الأبيض الشريحة الجديدة من التعريفات على السلع الاستهلاكية الصينية بقيمة 160 مليار دولار يوم الأحد المقبل، والتي يقول الخبراء إنها كانت ستصعد التوترات التجارية أكثر. وذكرت التقارير أن الصين وافقت على شراء سلع زراعية أمريكية بقيمة 50 مليار دولار بينما عرضت الولايات المتحدة خفض التعريفات الحالية على البضائع الصينية بنسبة تصل إلى 50٪.
ولكن المسؤولين الصينيين لم يؤكدوا التزاماتهم بشراء المنتجات الزراعية الأمريكية، مشيرين فقط إلى أن البلاد "ستشتري المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية عالية الجودة" ولكن سيتم الكشف عن التفاصيل ذات الصلة لاحقًا.
وأفاد مسؤولون، بحسب "الجارديان"، بأن الجانبين اتفقا على نص اتفاق من تسعة فصول يغطي مسائل الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والمنتجات الزراعية وتسوية المنازعات، وموضوعات أخرى. وقال "وانج" إن كلا الجانبين سيحتاجان إلى مراجعة الشيكات القانونية والترجمات والترتيبات الخاصة بحفل توقيع رسمي.
من جانبه، قال "لياو مين"، وزير المالية الصينية، إن بكين ستفكر أيضًا في عدم تطبيق التعريفات المقررة مسبقًا على المنتجات الأمريكية، والتي ستدخل حيز التنفيذ في 15 ديسمبر الجاري، مضيفا أن الصين تأمل أن تفي الولايات المتحدة بالتزامها، مؤكدا على أن إزالة التعريفات الجمركية هي الشاغل الأساسي للصين.
وتساءل الخبراء إلى أي مدى يحل هذا الاتفاق التوترات الطويلة الأمد بين البلدين؛ وقال "شهزاد قاضي" من مركز "تشاينا بيج بوك" الصيني: "سيتم في النهاية تقييم الصفقة من حيث حجمها لمعالجة القضايا الهيكلية مثل الملكية الفكرية والوصول إلى الأسواق، بالإضافة إلى الانفصال المالي وبالطبع المنافسة التكنولوجية الأكبر"، لافتا إلى أنه "ربما كانت حرب ترامب التجارية بمثابة نقطة الانطلاق لصراع طويل الأمد".
ووفقا لـ"الجارديان"، فإنه مع تعرض الصين لضغوط أكبر لدعم اقتصادها المتباطئ، فإن التغييرات الهيكلية الرئيسية تكون أقل احتمالًا.
وقالت "دان وانج"، المحلل الصيني في "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" في بريطانيا: "لقد أضرت الحرب التجارية حتى الآن بالعلاقات الثنائية بين البلدين بكل أبعادها"، مضيفة "بعيدًا عن نهاية المحادثات التجارية.. ستواصل الصين الاعتماد على السياسات الصناعية وقطاع الدولة لقيادة النمو، مؤكدة على أن دور الشركات المملوكة للدولة يتعزز، ولا يضعف خلال هذا الركود الاقتصادي، كما أن سياسات الانفتاح محدودة إلى حد ما.
أثارت استجابة بكين الصامتة لهذه التطورات، في وقت سابق أمس الجمعة، تساؤلات حول ما إذا كان قد تم التوصل إلى اتفاق؛ فلم يشر "وانج يي"، وزير الشؤون الخارجية الصيني، متحدثاً في ندوة في بكين، إلى المفاوضات. وبدلاً من ذلك، انتهز هذه المناسبة لانتقاد أمريكا لأنها "أضرت بشدة بالثقة المتبادلة التي تم تحقيقها بشق الأنفس" بين البلدين. وقال "وانج" إن الولايات المتحدة "شوهت" صورة الصين من خلال انتقاد سياسات بكين في إقليمي هونج كونج وشينجيانج، مضيفا "لن نقبل أبداً العقوبات المزعومة من جانب واحد وأعمال التنمر هذه".
وكتب "هو شيجين"، رئيس تحرير صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، على تويتر: "السلطات الصينية ووسائل الإعلام الرسمية حتى الآن لم تقدم أي معلومات عن أن الصين والولايات المتحدة على وشك التوصل إلى اتفاق؛ فعندما أصدر الجانب الأمريكي معلومات متفائلة من خلال قنوات مختلفة، فإن الجانب الصيني بقى صامتًا. وهذا وضع دقيق".
وخلال العام ونصف الماضي، تخوض بكين وواشنطن حرباً تجارية متبادلة تسببت في ألم في كلا الاقتصادين، وتسببت كذلك في حالة من عدم اليقين في السوق، وتباطؤ النمو العالمي.
وفي أكتوبر الماضي، قال البيت الأبيض إنه تم التوصل إلى اتفاق على "المرحلة الأولى" من الاتفاقية وأن الجانبين يتفاوضان بشأن التفاصيل منذ ذلك الحين.
يقول خبراء التجارة إن عدم تعليق تعريفات الأحد على السلع الاستهلاكية الصينية، من ألعاب الفيديو إلى الأحذية وشاشات الكمبيوتر، كان من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التعريفات الانتقامية من جانب بكين.
اقرأ أيضاً: ترامب يعلن التوصل إلى المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري مع الصين
وفي سبتمبر الماضي، فرضت الصين تعريفة على البضائع الأمريكية بما في ذلك فول الصويا ولحم الخنزير ولحم البقر والمواد الكيميائية، بالإضافة إلى شريحة أخرى تبدأ في 15 ديسمبر الجاري، يبلغ مجموعها 75 مليار دولار. وكانت الصين تخطط أيضًا لإعادة فرض التعريفات على السيارات الأمريكية وقطع غيارها، التي كانت قد علقتها من قبل.
ويقول النقاد إن إبرام صفقة ينهي عام ونصف من الضغط على الصين لتغيير الممارسات التي تمنح شركاتها ميزة غير عادلة.
اقرأ أيضاً: بعد حرب تجارية لمدة 17 شهرًا.. أمريكا تتوصل لاتفاق تجارة مع الصين
وكتب السناتور الأمريكي "ماركو روبيو" على موقع "تويتر" أن الصفقة "لن تشمل الإلغاء الضروري للتعريفات الذي من شأنه أن يساعد على التوصل لاتفاق أوسع حول القضايا الأكثر أهمية مثل الإعانات للشركات المحلية، ونقل التكنولوجيا القسري، ومنع الشركات الأمريكية من الوصول إلى القطاعات الرئيسية".
اقرأ أيضاً: وكالة: أمريكا والصين تتوصلان لـ اتفاقيات مبدئية حول الصفقة التجارية المرتقبة
كانت الحرب التجارية جزءًا رئيسيًا من تدهور العلاقات بين بكين وواشنطن ووصولها لأدنى المستويات منذ عقود، فيما يعتقد بعض المراقبين أن التوصل إلى صفقة تجارية سيساعد على منع تدهور العلاقات أكثر. ويقول الخبراء إن بكين حريصة على التوصل إلى هذه الصفقة؛ لأن الاقتصاد الصيني ينمو بأدنى مستوياته خلال عدة عقود، وقد يتباطأ أكثر.