اندلعت احتجاجات واسعة بمحافظة ميندوزا الأرجنتينية الشهيرة بزراعة العنب الذي يستخدم في انتاج النبيذ الذي يُشتهر بنوعه الأحمر الداكن، وذلك على خلفية الإلغاء المفاجئ لقانون حماية المياه لعام 2007 الذي نجح في إبعاد مشاريع التعدين التي تَستخدم المياه بكثافة عن المحافظة، وتخللت هذه الاحتجاجات أعمال شغب وعنف من جراء الاشتباك مع قوات الشرطة التي أطلقت الرصاص المطاطي على المتظاهرين الذين واصلوا رشق القوات بالحجارة، وأثار إلغاء القانون أيضا غضب حماة البيئة الذين اعتبروه تهديدا لمصادر المياه في المحافظة وعامل أساسي في تلويثها بالمركبات الكيميائية السامة من جراء أعمال التعدين الضخمة المزمع تدشينها، وكل ذلك وسط إصرار من الرئيس الجديد على المضي قدما في تنفيذ مشروعاته، ما يعقد الأزمة ويطيل أمدها.
ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن الآلاف من الناس انضموا إلى المظاهرات، اليوم الاثنين، خارج مكتب المحافظ، رودولفو سواريز، في عاصمة المحافظة، والتي تسمى أيضًا ميندوزا، بعد أن ألغى القانون، المعروف باسم 7722 نهاية الأسبوع الماضي.
وتحول الاحتجاج السلمي إلى أعمال عنف بعد ظهر اليوم، بعدما أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين رداً على رشقهم عناصر الشرطة بالحجارة.
كان "سواريز" أغضب المتظاهرين الأحد الماضي، عندما أعلن عن 19 مشروعاً تعدينيا لاستخراج اليورانيوم، والنحاس، والذهب، والرصاص، والفضة، والزنك، والحديد. وقال إن هذه المشاريع ستخلق عشرات الآلاف من فرص العمل الجديدة، ووعد باستخدام عائداتها في مشاريع الري الجديدة.
لكن حماة البيئة حذروا من أن هذه المشروعات الضخمة يمكن أن تهدد مصادر المياه التي يعتمد عليها المزارعون ومزارعو النبيذ، في محافظة شبه قاحلة تعاني بالفعل من أسوأ موجة جفاف في تاريخها.
وكان الكثير من المتظاهرين انطلقوا من مدينة سان كارلوس، حيث ساروا لمسافة 86 ميلًا خلال حرارة الصيف الحارقة في أمريكا الجنوبية، بعد أن ألغى "سواريز" القانون، الجمعة الماضية. وعلت هتافات المتظاهرين خارج مكتب المحافظ اليوم بعبارة: "لا تلمسوا الماء!"
وقالت منظمة "جرين بيس" (السلام الأخضر) بالأرجنتين، في بيان، إن "تعديل القانون 7722 سيسمح باستخدام حمض الكبريتيك والسيانيد والمواد الكيميائية السامة الأخرى في تطوير مشاريع التعدين الضخمة، الأمر الذي سيؤدي إلى تلوث مياه المحافظة".
وأكد وزير البيئة في ميندوزا، هامبرتو مينجورانس، اليوم، على أن القانون سيوقعه المحافظ "سواريز" رغم الاحتجاج، وقال، عقب اجتماع مع أربعة ممثلين عن المتظاهرين، "هناك إجماع على القانون، ولن يخلف سواريز وعده باستخراج المعادن في ميندوزا".
وتحدث الرئيس الأرجنتيني الذي تم تنصيبه حديثًا، البرتو فرنانديز، وهو سياسي معتدل ومقرب من رجال الأعمال في الحزب البيروني (حركة سياسية تقوم على فكر الرئيس الأرجنتيني السابق خوان دومينجو بيرون وزوجته الثانية إيفا بيرون) ذي الميول اليسارية، مؤيدًا لمشاريع التعدين التي يقول إنها حيوية لانتشال الأرجنتين من معاناتها الاقتصادية الدائمة.
وأضاف الرئيس الجديد للأرجنتين، خلال مأدبة غداء مع كبار رجال الأعمال الأسبوع الماضي، إن "التعدين نشاط أساسي".
ولكن، بحسب "الجارديان"، هناك بعض الأصوات في حزبه التي تختلف معه؛ فقال السناتور بينو سولاناس، سفير الرئيس المعين حديثًا بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في نيويورك: "إن قانون ميندوزا 7722 يحمي المياه عن طريق حظر استخدام المواد السامة في التعدين"، مضيفا "ويعد تعديله خطوة بيئية إلى الوراء تهدد مستقبل المنطقة".
ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن ميندوزا، أكبر منطقة منتجة للنبيذ في أمريكا اللاتينية، هي صحراء شبه قاحلة تحصل على المياه الضرورية لمزارع العنب من القبعات الثلجية في سلسلة جبال الأنديز القريبة، والتي تتضاءل بالفعل بسبب الاحتباس الحراري.
وتعد المحافظة، التي تنتج 80٪ من النبيذ الأرجنتيني، وجهة سياحية مزدهرة للزوار من جميع أنحاء العالم الذين يصلون لاستكشاف أكثر من 1000 مصنع نبيذ على طول طريق "Wine Wine" الشهير في الأرجنتين.
ويتمتع شعب ميندوزا بتاريخ طويل من الوعي البيئي. وكان القانون الذي تم إلغائه الجمعة الماضية نتيجة لمطلب عام متواصل؛ وقال السيناتور سولاناس: "وُلد هذا القانون في الشوارع".
من جانبها، قالت لورا فيدال، من منظمة السلام الأخضر في الأرجنتين: "من الغريب أنه خلال أسوأ موجة جفاف على الإطلاق، قررت المحافظة تفضيل صناعة التعدين الملوثة، بدلاً من حماية موارد المياه التي لديها، مضيفة "لا شك في أن هذا القرار لا يساعد في مكافحة آثار تغير المناخ التي تؤثر بالفعل على المحافظة".