بعد ثمانية أشهر من بدء الجيش الوطني الليبي عملية تحرير العاصمة طرابلس من "الإرهابيين"، وبعد مناوشات متبادلة على مشارف المدينة بين قواته وميليشيات ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، المتخذة من طرابلس مقرا لها، أعطى قائد الجيش، المشير خليفة حفتر، أوامره بالزحف إلى قلب العاصمة وحسم هذه المعركة التي طال أمدها و"كسر قيد طرابلس وفك أسرها"، ولكن هل الوضع على الأرض يسمح فعلا بحسم المعركة لصالح الجيش، خاصة مع الدعم التركي غير المنقطع لميليشيات الوفاق في طرابلس، وأيضا في وقت تظهر دول أوروبا، وخاصة إيطاليا وفرنسا وألمانيا، مزاعم بالدفع باتجاه وقف التصعيد العسكري وفرض الحلول السياسية؟، وما علاقة أوامر حفتر هذه بالنشاط الروسي هناك ممثلا في جماعة شبه عسكرية قالت تقارير إنها تنشط ضمن صفوف الجنرال؟، وما تداعيات هذا القرار الذي يدفع حكومة الوفاق إلى استقطاب دعم عسكري خارجي لمواجهة هذا الزحف، ما قد ينذر بتطور الصراع إلى مواجهة مباشرة بين موسكو وأنقرة على أرض ليبيا؟.
كامل عبد الله، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمتخصص في الشأن الليبي، قال- حول ما إذا كانت الظروف على الأرض مهيأة لحسم المعركة لصالح الجيش الوطني، "رغم وجود الدعم القوي وغير المسبوق لكن الوضع ميدانيا صعب وفي غاية التعقيد؛ فلا يمكن لأي من الأطراف المتحاربة هناك حسم الموقف عسكريا لصالحها"، مضيفا أن "تصريحات حفتر صدرت رغم تحذير القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، وبدأ الجميع يفكر الآن في إطلاق عملية تفاوض جديدة مطلع العام المقبل". وذلك في إشارة إلى مبادرة "عملية برلين" التي أطلقتها الحكومة الألمانية والتي تسعى إلى دعم مساعي السلام للمبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، والتي تتعلق بتنظيم مؤتمر دولي يمكن من خلاله وضع الأطر اللازمة لعملية سياسية ليبية داخلية بوساطة الأمم المتحدة.
وأضاف "عبد الله"، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن "المشهد على الأرض معقد سياسيا وأمنيا وحتى اجتماعيا، والأزمة تطورت الآن وأصبحت اللعبة تدار من خلال الكبار مثل روسيا وأمريكا".
و بشأن الدور الروسي في هذه العملية، خاصة مع نشاط مجموعتها شبه العسكرية والتي تسمى "فاجنر"، قال الخبير في الشأن الليبي: "من الواضح أن لها دور"، مضيفا أن "هذا الدور تزايد خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت للانتباه"، مشيرا إلى أن "الصحافة الغربية كانت سلطت الضوء على هذا الوجود الروسي، وقال مسؤولون في واشنطن أن الوجود الروسي تزايد أربعة أضعاف منذ سبتمبر الماضي، فهذا يشير إلى أن هناك رغبة روسية للمضي قدما والمشاركة في الترتيبات القادمة فيما يتعلق بليبيا على غرار مساهمتها في سوريا".
وحول مستقبل المعارك الدائرة بمحيط طرابلس، رأى "عبد الله" أنه لن يكون هناك استمرارية لهذه العمليات العسكرية، معولا على مخرجات مبادرة برلين، وقال "إن مفاوضات العام المقبل قد تساهم في تخفيف حدة العنف، لكن ذلك سيتوقف على عملية المعالجة السياسية للأزمة، لأن هذه الأزمة حلها سياسي وليس حل أمني كما يروج البعض".
وفيما يتعلق بتداعيات قرار الجيش الوطني وما تبعه من استقطاب ميليشيات الوفاق لدعم عسكري من دول خارجية، وعلى رأسها تركيا، قال الخبير في الشأن الليبي "إن ذلك ما دفع القوى الكبرى للدخول على الخط"، معتبرا أن ذلك استجابة طبيعية من قوات الوفاق التي لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستسعى للرد، وقال "يبدو أن القوى الدولية ستمضي في معالجة هذه الإشكاليات القائمة في الوقت الراهن بنفسها بدلا من القوى الإقليمية التي كان يدار من خلالها المشهد".
من جهته، قال مصطفى الجمال، عضو مركز البحوث العربية والأفريقية- حول احتمالية تطور الصراع في ليبيا إلى مواجهة مباشرة بين روسيا وتركيا، إن "التفاهم الروسي التركي معقد جدا، وله علاقة بما يحدث في شمال سوريا؛ فالروس يريدون من الأتراك عدم الإقدام على تصرفات "خرقاء"، لكن لا أعتقد أن الأمور قد تتطور بينهما بسبب ليبيا"، معللا ذلك بقوله "لأن البؤرة الأساسية في المواجهة بين روسيا والغرب هي في سوريا، فليس لدى الروس استعداد لأي خلل في العلاقة مع تركيا".
وحول دوافع الروس من نشاطهم في ليبيا، قال عضو مركز البحوث العربية والأفريقية، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، إن "موسكو لديها مصالح كبيرة في ليبيا، مصالح بيع سلاح وعلاقات استراتيجية أخرى"، مضيفا أن "الروس حاليا يلومون أنفسهم بسبب تساهلهم مع دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" خلال عملية إسقاط القذافي وقتله"، موضحا أنهم "يريدون الآن قول إنهم "اتضحك عليهم"، لافتا أن روسيا أيضا "تسعى إلى استعادة مصالحها في ليبيا لأنها سبق وأن تلقت هزيمة في العراق، أيضا بسبب التدخل الأمريكي في هذا البلد العربي".