"مراكب النجاة" مبادرة رئاسية للقضاء على الهجرة غير الشرعية بالفيوم

اندلعت شرارة هجرة شباب قرية تطون التابعة لمركز إطسا إلى "إيطاليا" في الثمانينات، حينما سافر 10 شباب ووصلوا إلى إيطاليا وبدأوا العمل هناك وخلال فترة وجيزة أرسلوا أموالًا طائلة لأسرهم الذين شيدوا بها الفلل الفخمة وافتتحوا بها العديد من المشروعات، فبدأ شباب تلك القرية الفقيرة السعي في الهجرة لإيطاليا بأعدادٍ كبيرة ومن يصل يرسل أشقائه وأقاربه ليسافرون له حتى أصبح "السفر إلى إيطاليا" هوس يطارد كل المنازل بالقرية التي كانت تبيع كل ما تملك وأحيانًا تقترض من البنوك من أجل دفع أموال الهجرة لأبنائها فحينما يصل سيعمل ويرسل لهم أموالًا كثيرة تُسدد ديونهم وتُغير مجرى حياتهم وتجعلهم من الأثرياء.

وعلى مدار 30 عامًا سافر أكثر من 13 ألف شخصًا من القرية التي يبلغ تعدادها 50 ألف نسمة إلى إيطاليا واستقروا بها، فيما لا يزال باقي الشباب يسعى إلى السفر لإيطاليا حتى الآن بالرغم من وفاة أكثر من 300 شخصًا من شباب القرية غرقًا في مياه البحر الأبيض المتوسط خلال هجرتهم غير الشرعية آخرها في حادث "غرق مركب رشيد" منذ عامين، ولم يستلم أهالي الكثيرون منهم جثث أبنائهم حيث أكلتها الأسماك ولم يتم العثور عليها، بخلاف عدد كبير من الشباب الذين تم القبض عليهم وترحيلهم إلى بلادهم مرة أخرى، إلا أنهم لا يزالون يصرون على السفر من أجل الثراء وتوفير حياة كريمة لأسرهم.

وقال "محمد.ر" في تصريح خاص لـ"أهل مصر" أنّ فكرة السفر تظل في عقل الطفل منذ 5 سنوات حتى يكبر لدرجة أنّه لا يحلم بالالتحاق بكلية معينة فقط يفكر في السفر لإيطاليا، وأنّه في الآونة الأخيرة بسبب القبض على عدد من الشباب فور وصولهم إيطاليا وإعادتهم إلى بلادهم لجأو إلى حيلة أخرى تتمثل في تسفير الأطفال بدايةً من سن (13 عامًا) لأنهم عند وصولهم لا يتم القبض عليهم وترحيلهم ولكن يتم إيداعهم في دور رعاية تقوم بتعليمهم وعندما ينتهون من الدراسة يتم إلحاقهم بسوق العمل هُناك، فأصبح الأطفال يسافرون بدلًا من الشباب.

وتابع أنّه حاول السفر إلى إيطاليا ثلاثة مرات قبل ذلك، وكل مرة كان يتم القبض عليه وترحيله إلى بلده مرة أخرى فاضطر إلى البحث عن فرصة عمل في مصر ولكنه لا يزال يفكر في السفر مرة أخرى، موضحًا أنّ الشباب وجدوا فكرة تُمكنهم من السفر دون القبض عليه وترحيلهم عن طريق شراء "فيزا سياحة" وعندما يصلون إلى هناك يبدأون في البحث فورًا عن فتاة إيطالية يتزوجون بها من أجل الحصول على الإقامة وبالفعل نجح العديد منهم في فعل ذلك والاستقرار في إيطاليا وأخذ الجنسية والإقامة، كاشفًا أنّ ظروف قريتهم أصبحت تجبرهم على السفر بسبب مطالب الزواج العالية من مهر وذهب بكميات كبيرة، بالإضافة إلى أنهم يرفضون تزويج بناتهم إلا لمن يسافر إلى إيطاليا فقط.

وكشف أنّ من يشيب ويقرر العودة من الغربة يبدأ في تشييد "برج سكني" أو فيلا فاخرة ويُنشى مشروعًا يدر عليه أموالًا كثيرة، مثل افتتاح محال تجارية للهواتف المحمولة، أو للأدوات المنزلية وتجهيز العرائس، أو "مقاهي" وكلها تحمل أسامي "إيطالية" مثل ميلانو وروما وكازابيلا وغيرها، مؤكدًا أنّ مبادرة "مراكب النجاة" التي أطلقها الرئيس في القرية جيدة ولكن الأهالي لن يستجيبوا لها لأنهم لا يزالون يسعون لتسفير أبنائهم حتى ولو كانوا يفقدون، فهناك شخص بالقرية قام بتسفير 4 من أبنائه وفي كل مرة كان يموت أحدهم ورغم ذلك أرسل البقية، فمات أربعة منهم غرقًا في المتوسط بينما وصل الخامس، وأرسل له أموالًا أنسته أبناءه الذين فقدهم في السفر، وغيره من الأسر التي فقدت إبنًا وإثنين أو حتى زوجة خسرت زوجها ورغم ذلك لا يزال هناك إصرارًا منهم على السفر.

وأشار إلى أنّ الجميع ينظر فقط إلى الأبراج السكنية الشاهقة والفلل والمنازل التي شُيدت على الطراز الإيطالي و"الأثاث" الذي بداخل كل منزل الذي يتم شرائه من إيطاليا وشحنه إلى مصر، والسيارات الفخمة والأموال، ولا أحد ينظر إلى خسارة روح ابنه، فإما يسافر ويصبحون مثل غيرهم بالقرية وإما يموت في الطريق قائلين "هو كدة كدة إحنا ميتين مش عايشين بسبب الفقر" ووفاته ستوفر عليهم أعباء زواجه ومصاريف كثيرة سواء في بناء شقة له أو مهر وشبكة، مُعبرًا عن أمله بتوفير مشروعات صغيرة للشباب بالقرية تدر عليهم أموالًا تجعلهم يعيشون في مستوى معيشي مقارب للذين يسافرون فيجعلهم يُعرضون عن فكرة السفر للخارج، أمّا غير ذلك فستظل فكرة السفر إلى إيطاليا شبح يطارد أهالي القرية دائمًا.

والأسبوع الماضي أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة "مراكب النجاة" في ختام النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، وانطلقت من قرية تطون بحضور الدكتورة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة، للقضاء على تلك الظاهرة وإنقاذ شباب القرية من الموت، لأنّها أعلى قرية بها هجرة غير شرعية على مستوى الجمهورية، وسيتم تنفيذها في 11 محافظة من بينها 4 محافظات في صعيد مصر.

وعقدت وزيرة الهجرة، ندوة وجهت حديثها خلالها لسيدات الفيوم بأن يتصدوا لمحاولات أبنائهم للهجرة غير الشرعية التي تُعرضهم لمخاطر كبيرة تصل للغرق والموت، مُضيفةً أن عليهن أن يشجعهم على العمل والسعي الآمن، دون ضغوط رغبة في مستوى معيشي أفضل، متابعة أنّ مصر في حاجة لأبنائها وقالت: "لن تقوم بلدنا إلا بسواعد أبنائها"، كاشفةً أنّ الهجرة غير الشرعية تجعل الشباب المصري فريسة للمحتالين وتجار البشر ممن يستغلون رغبتهم في البحث عن فرصة عمل أفضل أو تحسين مصدر دخله، موضحة أنّ الدولة المصرية ليست ضد الهجرة الآمنة، وإنما تقف بالمرصاد للهجرة غير الشرعية التي تهدر حقوق أبنائها وتعرض حياتهم للخطر.

وشدد الدكتور أحمد الأنصاري محافظ الفيوم، على ضرورة التأسي بالنماذج الناجحة فى تنفيذ المشروعات الصغيرة ووضع بدائل مناسبة للهجرة غير الشرعية مثل التشجيع على إقامة المشروعات الصغيرة والحرف اليدوية، مُضيفًا أنّ محافظة الفيوم تتمتع بالعديد من المقومات الزراعية والصناعية والسياحية التي تؤهلها لأن تحتل مكانة متميزة على خريطة التنمية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً