طالب بعض من يزعمون اشتغالهم بالفكر والفلسفة تأجيل صيام شهر رمضان المبارك لعموم المسلمين لما بعد انتهاء جائحة كورونا، وبنى هؤلاء مزاعمهم على أن التوقف عن الطعام والشراب في شهر رمضان يضعف مناعة جسم الإنسان ويعرضه للإصابة بفيروس كورونا. فهل يجوز تأجيل صوم شهر رمضان لما بعد انتهاء جائحة كورونا ؟ وما هى رأى الفقه في ذلك ؟ حول هذه القضية ذهب جمهور من العلماء إلى أن الله سبحانه وتعالى قد فرض الصيام في شهر معلوم وهو شهر رمضان. قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وقد جاءت السنّة النبويّة في أحاديث كثيرة مؤكّدة توقيت الصيام في شهر رمضان، ومن ذلك الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” متفق عليه.
واستند الرأى الفقهي في هذا الصدد إلى أن أنّ عبادة الصيام المفروض مُؤقّتة بشهر رمضان، وذلك مصداقا للحديث النبوي الشريف عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ» صحيح البخاري (3/ 28)، ومما يمكن استفادته من هذا الحديث، التنبيه إلى منع التداخل بين صوم النفل في شعبان وصوم الفريضة في رمضان؛ فصوم رمضان يبدأ مع بداية شهر رمضان ولا ينبغي أن يختلط بغيره من أيام شهورٍ أخرى قبله أو بعده، ولذلك ورد النهي عن صوم يوم الشكّ، وكذا صيام يوم العيد؛ حتى يكون صوم الفريضة محدّدًا بدءًا وانتهاءً في شهر واحد، هو شهر رمضان، لا يُنقص منه ولا يُزاد عليه.