تحدثت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، في تقرير لها، حول طبيعة حياة المسلمين في بريطانيا والتغييرات التي طرأت عليها من جراء تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد على نطاق واسع، وما تبع ذلك من إجراءات احترازية اتخذتها الدولة لمنع تفشي الوباء، والتي منها فرض الحجر المنزلي على المواطنين، مما كان له بالغ الأثر على المظاهر والعادات والطقوس الرمضانية التي ارتبطت بمسلمي هذا البلد منذ زمن طويل.
وقالت الصحيفة إنه "بسبب الحظر الذي تنتهجه أغلب الدول جراء تفشي فيروس كورونا سيكون رمضان هذا العام مختلفا بلا شك".
وتابعت: "مسكي عثمان، وهي طبيبة مبتدئة من لندن، قالت إن هذا أول رمضان ستقضيه بمفردها دون عائلتها وأصدقائها. ونظرا لأنها لا تستطيع المجازفة بالعودة إلى منزلها وجلب المرض معها من المستشفى، فقد تم تكليفها بإقامة مؤقتة".
إفطار جماعي على "السوشيال ميديا"
وقالت عثمان: "أنا أعيش مع طبيبة أخرى مسلمة، وأعتقد أنني سأشارك في حفلات الإفطار الجماعية التي ستقام على وسائل التواصل الاجتماعي".
ومثل جميع المسلمين، فإن رمضان بالنسبة لمسكي عثمان يعني التجمعات العائلية، وموائد الإفطار الرمضانية، وقضاء الوقت مع الأصدقاء والأحباب. كما أنها كانت تتطوع عادة في مشروع "الخيمة الرمضانية"، وهي مؤسسة خيرية تقدم موائد إفطار للمجتمع المسلم عبر العاصمة.
رمضان في بريطانيا (أرشيفية)
وبدلا من ذلك، تأمل مسكي عثمان أن تختم القرآن هذا العام وتقول: "لا أتذكر آخر مرة قضيت فيها وقتا مع نفسي خلال شهر رمضان، لطالما كنت مشغولة مع العائلة. هذه فرصة للتأمل أكثر، للعبادة أكثر".
ومع ممارسة التباعد في جميع أنحاء المملكة المتحدة والعزلة الذاتية، فلن تكون هناك الطقوس الرمضانية المعهودة، فلن يكون هناك صلاة تراويح في المساجد، ولن تشارك طعام الإفطار مع الجيران، ولن تقوم بأعمال جماعية. كل هذه الأشياء التي تعني الكثير للمسلمين في شهر رمضان قد تم تجنبها. حتى أن شخصيات إسلامية بارزة، بما في ذلك عمدة لندن صادق خان، والممثل ريز أحمد، والمذيع التلفزيوني السابق كوني هووك، نشروا فيديو يشجعون الناس على قضاء رمضان في المنزل.
رمضان في بريطانيا (أرشيفية)
وتقول لميسا خان، وهي شريك مؤسس لمنظمة "الأخوات المسلمات"، إن أصعب جزء سيكون في رمضان هو عدم مشاركته مع المجتمع.
خان التي تعيش في جنوب غرب لندن تقول:" بالنسبة للعديد منا، فإنه من الرائع رؤية الكثير من الناس يأتون كل ليلة للصلاة، وكيف أن المجتمع أصبح منظما بشكل رائع". لكن بسبب الإغلاق المستمر والتباعد وحظر التجمعات الجماعية وإغلاق أماكن العبادة، فإن الأمر سيكون صراعا حقيقيا. "سأفتقد ذلك، فعندما تصوم مع الناس، فإن الأمر يكون أسهل".
وأصدر المجلس الإسلامي البريطاني -وهو أكبر منظمة جامعة للمسلمين في بريطانيا- نصائح بشأن أولئك الذين يفتقدون التفاعل الاجتماعي. وأشاروا إلى أنه على العائلات تنظيم إفطار رمضاني من خلال الدردشات المرئية. وتقول: "إن تعليق الخدمات في المساجد ومنع الأنشطة الاجتماعية سيجعل رمضان 2020 مختلفا تماما على المسلمين".
فوائد للإغلاق والحظر
وبالنسبة للآخرين، هناك فوائد ملموسة للإغلاق والحظر. تيز إلياس الكوميدي الذي يبلغ من العمر 38 سنة، عادة لا يكون في منزل والديه أثناء شهر رمضان؛ لأنه يقوم بجولات وحفلات، حيث يقول: "لا يتوقف العمل عادة خلال شهر رمضان، وعادة ما أقوم بأداء حفلات أثناء الصيام، ما يعني أنني سأفطر ولن أصوم"، ويضيف: "أنا سعيد لأنني في المنزل مع أمي، سأصوم وسأحصل على وجبة غذائية صحية على الأقل مرة واحدة في اليوم".
رمضان في بريطانيا (أرشيفية)
وبالطبع الكثير من آثار التباعد الاجتماعي في رمضان ستكون لوجستية، ولكن ماذا عن الروحانيات؟ إن العقيدة الإسلامية هي مهمة روحية بقدر ما هي مهمة جسدية، لذلك يتوقع المسلمون بأنهم سيشعرون بأنهم مختلفون.
يقول إلياس: "سيكون فرصة لعودة الانضباط والالتزام من خلال إقامة الصلوات الخمس اليومية، كما أنه سيكون فرصة للتأمل والتفكر وإصلاح النفس"، كما أنه يخطط لقراءة القرآن كاملا.
ماذا بشأن الاحتفال بالعيد:
بالنسبة لخان، تقول إنها تختار أن ترى الوضع الحالي على أنه "إشارة من الله لأخذ نفس وفرصة للتأمل، والامتنان على أحبائنا والوقت الذي نعيشه معهم". لكنها عندما تفكر في احتمالية تفويت حفلات العيد فإنها تحزن كثيرا.
رمضان في بريطانيا (أرشيفية)
ولا أحد يعرف ما إذا كان الإغلاق سيكون ساريا طوال شهر رمضان، وما إذا كان يجب تأجيل الاحتفالات حتى انقضاء الفترة أو ستتمكن المجتمعات من التجمع مرة أخرى في غضون أسابيع.
تحديات خاصة تواجه العاملين بالمجال الصحي:
وفيما يخص العاملين بالمجال الطبي، فإن طبيبة الأطفال كيران رحيم، تعتبر شهر رمضان هذه السنة مختلف عن السنوات السابقة، حيث تقضي ساعات طوال خلف قناع طبي خانق في قسم للعناية الفائقة، وهي تعالج مرضى (كوفيد-19).
ففي الظروف العادية، تصطحب أطفالها إلى منزل والدتها حيث يتناول أفراد العائلة الطعام سويا، أو تتناول طعام الإفطار مع صديقاتها في مطعم ما.
لكن بسبب ضغوطات العمل هذه السنة، ستعود منهكة من مستشفى جامعة هومرتون، بشمال شرق لندن، إلى زوجها وابنيهما اللذين يبلغان من العمر ست سنوات وثلاث سنوات. وسيمتد هذا الإنهاك إلى الأيام التي لن تستطيع الصيام فيها.
وتقول، وفقا لشبكة "بي بي سي" البريطانية: "كثيرون مثلي يختارون عدم الصيام أثناء العمل بقسم العناية الفائقة"، موضحة أن "الأمر شاق في معدات الوقاية الشخصية (التي يرتديها الأطباء)، في المرة الواحدة يكون بوسعك أن تعمل ساعة أو ساعتين فقط قبل أن تضطر لخلعها واحتساء مشروب ما".
وتقول رحيمي إن زملاء لها في الرابطة الطبية الإسلامية البريطانية طلبوا مشورة من علماء دين قالوا لهم إن من يعملون في قطاع حيوي وفي ظروف عمل مكثفة بإمكانهم الامتناع عن الصيام.
"هذا يجعلني أحس بالراحة، لكني حزينة، لأني أحب الصيام"، بحسب رحيمي.
وبالنسبة لعاملين آخرين في قطاع الصحة، سيكون عليهم الإفطار وحيدين بعيدا عن عائلاتهم في ورديات مدتها 12 ساعة، وذلك في مقارنة كئيبة مغايرة للأجواء المعتادة في رمضان.
أما فرصة الحصول على إجازة في شهر رمضان، كما يفعل البعض عادة، فقد تلاشت مع بدء حالة الإغلاق.
ومع توقعات ببقاء القيود مفروضة حتى 7 مايو على الأقل، تستبعد رحيمي (33 عاما) إمكانية الاحتفال بعيد الفطر على النحو المعتاد.
"رمضان يمكن أن يكون شاقا، لكنك تتطلع إلى العيد (بما يخفف المشقة). لست متأكدة إن كان بمقدورنا الاحتفال بالعيد هذه السنة".
وبالرغم من الصعوبات، ترى رحيمي أن الوضع الحالي قد يساعد في رؤية الأمور من منظور مختلف في شهر يغلب عليه طابع روحاني.
"سيكون مختلفا، لكن ربما بطرق ما سيكون رمضان أكثر إخلاصا. نعيش ما يمكن أن نصفه بالجحيم على الأرض، لكن معظمنا محظوظون حيث مازال بوسعنا أن نفعل ما نريد. ما زال بإمكاننا توفير الطعام. هناك الكثير من العاطلين وآخرون يواجهون صعوبة في تأمين مأوى".
توصيل وجبات الإفطار المجانية لعشرات الأسر
ومع إغلاق المساجد، وتباعد أفراد العائلة، أحيانا داخل المنزل نفسه، لن يتمكن المسلمون من الإفطار وأداء الصلوات معا. لكن هناك جوانب إيجابية، حيث تدعو روح رمضان لمساعدة المحتاجين.
في حي ستانمور، شمال غربي لندن، يقدم "مسجد الحُجّة" خدمة لأكثر من 150 عائلة طوال شهر رمضان بتوصيل وجبات، مطهوة في مطاعم بالمنطقة، وممولة من تبرعات خيرية، ويوزعها متطوعون.
ويقول عاصم محمد أحد مسؤولي المسجد "أظن أننا نرى الخير في الناس. حيث جاءنا 200 متطوع خلال 48 ساعة، وهذا أمر رائع. في العادة نقدم الوجبات لألف وخمسمائة شخص في مركزنا خلال الشهر، وبعض الناس يعتمدون تماما على وجباتنا".
ويأمل المنظمون الوصول إلى 200 أسرة كل ليلة من ليالي رمضان. وقد سجل 1000 شخص تقريبا اهتمامهم.
وقال محمد إن المركز وضع نفسه تحت تصرف بلدية "هارو" من أجل توزيع الطعام للمحتاجين، من التبرعات التي تصل من سكان المنطقة.
دروس دينية وأنشطة اجتماعية عبر الانترنت
وسيستمر المسجد في بث الدروس الدينية خلال رمضان عبر الإنترنت. وقد نظمت جماعة "رابطة شباب الأحمدية" الخيرية عبر الإنترنت دورات رياضية وأنشطة اجتماعية وصلوات، فيما تخطط للوصول إلى عدد أكبر من الناس في رمضان.
وقال عبد اللوضي مدير الأعمال الخيرية في الرابطة لـ بي بي سي، إنهم ينظمون في العادة تجمعات كبيرة لتناول الطعام، يُدعى إليها سكان المنطقة غير المسلمين ليتعرفوا على رمضان والإسلام. لكن هذا العام تتطلع الرابطة لإشراك الناس عبر الإنترنت.
وقال الإمام صباح أحمدي، المقيم في لندن، إن رمضان سيكون صعبا هذه السنة بسبب إجراءات العزل، لكنه سيلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل انستجرام من أجل إعطاء الدروس الدينية، وأضاف أن العزلة ربما ستمنح الصائمين فرصة للتقرب إلى الله، وهو ما ينبغي فعله في شهر رمضان.
لكن الرسالة الأهم هي أن يبقى الجميع في منازلهم وعدم زيارة العائلات أو الذهاب إلى المسجد الذي سيكون مغلقا، كما قال أحمدي.