تتباين مؤشرات موقف موسكو وشكل وطبيعة ردها على حسم كل من السويد وفنلندا أمرهما وتقدمهما سوية، بطلب الانضمام رسميا لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويرى محللون أن التصريحات والمواقف الرسمية الروسية من هذه المسألة، تبدو كما ولو أنها يكتنفها الغموض بعض الشيء، وتتباين من باب توزيع أدوار دبلوماسية وإرسال رسائل مختلفة، والتلويح تارة بالعصا وتارة بالجزرة، فيما يخص التعاطي مع ملف تحول هلسنكي وستوكهولم لعاصمتين أطلسيتين، لدرجة أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تحدثت عن أن الرد الروسي سيكون مفاجأة، فاتحة الباب على مصراعيه لتأويلات المراقبين وتوقعاتهم.
ويحذر مراقبون من أن تسهم هذه الخطوة في جرّ منطقة أوروبا الشمالية التي لطالما كانت معروفة تاريخيا بحيادية معظم دولها، وببعدها عن سباقات التسلح والعسكرة والاصطفاف ضمن المحاور العسكرية والأمنية، إلى أتون صراعات النفوذ والفضاءات الحيوية بين القوى العالمية الكبرى.
ويشير المراقبون إلى أن طول الحدود الفنلندية الروسية، يزيد من فرص الاحتكاك وربما حتى اندلاع المواجهة العسكرية بين روسيا وحلف الناتو، الذي ستضاف لحدوده مع روسيا في حال انضمام فنلندا له، نحو 1300 كيلومترا إضافية، ما قد يقود ربما لتكرار السيناريو الأوكراني.
مراقبون آخرون يرون أن ثمة اختلافات بين الحالتين الأوكرانية والإسكندنافية، وأنه لا يمكن إسقاط ما يحدث في أوكرانيا على شمال أوروبا، فالروس يركزون على تأمين حديقتهم الخلفية الأوكرانية، وليسوا معنيين بنفس الدرجة من الأهمية، بمنع ضم جاريهما الإسكندنافيتين للناتو وتخليهما عن سياسة الحياد.
ويعتقد هؤلاء أن قراءة ما بين سطور المواقف الروسية من عملية انضمام هلسنكي وستوكهولم للناتو، تشير إلى عدم التهويل وعدم إعطاء المسألة حجما أكبر منها. بدلالة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أكد أن روسيا ليس لديها مشكلات مع فنلندا والسويد، وانضمامهما إلى الناتو لن يشكل تهديدا، لكنه سيثير ردا روسيا، وذلك خلال كلمته أمام قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي حيث قال: "فيما يتعلق بتوسع الناتو، بما في ذلك الأعضاء الجدد في الحلف، فنلندا والسويد، ليس لدى روسيا مشاكل معهما، وهذا يعني أن التوسع من خلالهما لا يخلق تهديدا مباشرا لروسيا، لكن توسيع البنى التحتية العسكرية في هذه المناطق، سيؤدي بالتأكيد إلى إجراءات وذلك بناء على التهديدات التي ستنشأ لنا".
وتعليقا على الموقف الروسي، يقول جمال آريز، الكاتب والباحث السياسي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "موسكو تدرك أن موضوع انضمام جاريها الإسكندنافيتين لحلف الناتو بات تحصيل حاصل، ولهذا فالمقاربة الروسية تتركز على تخفيف وطأة هذا الانضمام، وضمان تلبية أكبر قدر ممكن من شروط موسكو التي تحاول إيصالها للأطراف المعنية، وأهمها ألا يتم نصب قواعد عسكرية أطلسية ولا ترسانات ومنصات صاروخية داخل السويد وفنلندا، ولا سيما قرب المناطق الحدودية لهما المتاخمة للروس والقريبة منها".
وأضاف آريز: "تتوالى الإشارات الروسية التي تلمح إلى أن هذه المسألة تختلف عن الأزمة مع أوكرانيا، وهذا يعني أن الأمور لن تذهب لحد إشعال حرب من قبل روسيا مع البلدين، وأن باب التفاهمات الدبلوماسية ليس موصدا، حتى أن بوتن أعتبر أن دخولهما حلف الناتو ليس تهديدا مباشرا لبلاده".
بدوره يقول رامي القليوبي، الأستاذ في كلية الاستشراق بمدرسة موسكو العليا للاقتصاد، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "صحيح أن تقديم طلب انضمام كل من السويد وبصفة خاصة فنلندا إلى الناتو أثار خيبة آمال روسيا، بسبب امتداد الحدود الروسية الفنلندية لـ1300 كيلومتر كاملة، وقربها من العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ، ولكن في الوقت نفسه لا تزال لدى روسيا آمال في أن يكون هذا الانضمام إجرائيا للاستفادة فقط من المادة الخامسة من معاهدة الناتو الخاصة بالدفاع الجماعي، من دون نشر قواعد عسكرية أجنبية أو أسلحة نووية على أراضي البلدين، وفق نموذج الدنمارك والنرويج اللتين انضمتا إلى حلف الناتو في عام 1949".
كما أن روسيا، يضيف الخبير في الشؤون الروسية: "لا تعتبر أن انضمام فنلندا والسويد للناتو نتيجة مباشرة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بل يندرج ضمن الحملة الأميركية واسعة النطاق لحشد الحلفاء ضد روسيا، وقطع الطريق أمامها إلى منطقة القطب الشمالي ذات الأهمية الاستراتيجية والغنية بالموارد والثروات الطبيعية والبحرية، وأكدت روسيا مرارا في هذا الاتجاه أنها لا تشكل تهديدا لفنلندا والسويد، وبأي حال من الأحوال لا يمكن النظر لهذين البلدين على أنهما منطقة للنفوذ الروسي المباشر، مثل أوكرانيا حتى تتدخل موسكو فيهما عسكريا".
وفي ذات السياق، تقول لانا بدفان، الباحثة الروسية في العلاقات الدولية والأوروبية، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "روسيا عانت طيلة العقد السابق من محاولات التدخل الخارجية الأطلسية ضدها، فالأزمة الأوكرانية والحال هذه ليست وليدة اللحظة، بل هي تعود لما قبل 8 سنوات، رغم حرص موسكو على الحل السلمي والدبلوماسي عبر عقد اتفاقية مينسك وبضمانات أوروبية والتي لم تلتزم بها كييف، وقبلها كانت هناك أزمات مماثلة في جورجيا ومولدوفا وبيلاروسيا، حيث أن الدول الغربية لطالما حاولت تطويق روسيا خاصة عبر الجمهوريات المنضوية ضمن الاتحاد السوفييتي السابق، ولهذا تتوقع روسيا دوما وجود محاولات استفزازية ضدها، وهي هذه المرة تتم عبر السويد وفنلندا لضرب استقرار روسيا وزعزعة أمنها القومي، وتهديد واستنزاف مواردها الطبيعية الهائلة، ولا سيما تحت شعار العقوبات".
فانضمام البلدين للناتو سيكون له أضرار كبيرة عليهما بالدرجة الأولى اقتصاديا وأمنيا، كما توضح الباحثة بالعلاقات الأوروبية، متابعة: "فنلندا مثلا تستورد بكثافة الغاز والنفط الروسيين علاوة على اعتمادها الكبير على إمدادات الكهرباء الروسية، ورغم موافقتها على سياسة العقوبات الغربية على موسكو، لكنها لا تستطيع عمليا الاستغناء عن واردات الطاقة الروسية لها".