يتواصل انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، بعد أن وصلت إلى 35 ألف اليوم الخميس، للمرّة الأولى منذ بدء مسار تدهور العملة في خريف 2019.
وترافق هذا الانهيار مع تحليق أسعار المحروقات، بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بما يهدد الأمن الغذائي للبنانيين، فيما أمنهم الصحي في حال أسوأ ويضطر المريض لتطبيب نفسه مع ما توفّر من دواء في ظل اتّجاه القطاع الاستشفائي إلى حصر الاستقبال بالحالات الطارئة والحَرِجة وعدم قدرة الجهات الضامنة على دفع كلفة الاستشفاء.
ولعل "اللافت" في هذا المسار أنه أتى عقب الانتخابات النيابية بعد أن ظن اللبنانيون أن فسحة أكمل قد فتحت بعد خسارة مجموعة حزب الله الأكثرية في البرلمان.
تعليقاً على هذا المشهد القاتم، اعتبرت الخبيرة في الاقتصاد النقدي والمالي والأستاذة الجامعية ليال منصور أن البلاد "سنترحّم" على سعر 34 ألف ليرة للدولار الواحد، لأن لا أفق محدداً للدولار، وتراجعه في الفترات السابقة كان وهمياً"، نتيجة الإجراءات التي اتّخذها مصرف لبنان".
كما أكدت في حديث للعربية.نت "أن الدولار سيواصل الارتفاع سواء تم تشكيل حكومة جديدة تتمتّع بثقة الخارج والداخل ونفّذت الإصلاحات المطلوبة أم لا، لأن الليرة اللبنانية تُعاني من مشكلة أساسية داخلية وهي الدَولرة. فنسبة الدَولرة في لبنان مرتفعة جداً، ما يعني أن حلّ الأزمة القائمة بتغيير نظام سعر الصرف وإلغاء الليرة وإقرار عملة جديدة".
إلى ذلك، أوضحت "أن الليرة فقدت الثقة بها ولا يُمكن أن تسترجعها، والحلّ بإقرار عملة جديدة بدل الليرة".
من جهته، وأوضح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان "أن خطة التعافي المالي، التي أقرتها الحكومة، ولدت ميّتة بعد رفض المصارف لها"، مضيفاً أن "مصرف لبنان يُنازع ويعتمد سياسة التقنين للتدخل لتخفيض سعر الدولار".
كما لفت إلى "عوامل عدة ساهمت بتصاعد سعر الدولار في الأيام الأخيرة، منها المضاربة والتلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء غير المُنظّم، بالإضافة إلى عوامل سياسية مرتبطة بضبابية المشهد العام بعد الانتخابات والانقسام العامودي القائم في المجلس النيابي الجديد". وقال "لا بوادر لاستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني أو اتّخاذ إجراءات جدّية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة كتوحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة المصارف".
إلى ذلك، أشار الخبير الاقتصادي إلى "أن الفاتورة النفطية ارتفعت كثيراً ما انعكس زيادة بالطلب على الدولار فحلّق بسرعة جنونية، كما أن تهافت الناس على شراء المواد الاستهلاكية خوفاً من فقدانها ساهم بدوره في تدهور الليرة مقابل الدولار".
وأسف لاستمرار التراشق السياسي بعد صدور نتائج الانتخابات بدل التفرّغ لإيجاد حلّ للسلاح الذي يفتك باللبنانيين أي الدولار".
كما أكد أن "الفقر سيزيد ومعدلات البطالة سترتفع والقدرة الشرائية للبنانيين ستواصل تراجعها ما دامت الليرة تتدهور، لأننا مدمنون على الدولار"، وفق تعبيره.
ورأى "أن الحلّ السريع يكمن في الالتزام بالاستحقاقات الدستورية المقبلة، أي انتخاب سريع لرئيس ونائب رئيس لمجلس النواب، تشكيل حكومة والشروع سريعاً بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة كإقرار الموازنة والكابيتال كونترول (وضع قيود على التحويلات المصرفية) ورفع السرية المصرفية وضع خطة طوارئ لإعادة هيكلة المصارف".
يذكر أن مجلس الوزراء أقر في جلسته الأخيرة قبل أيام، خطة طال انتظارها للتعافي المالي، وذلك بعد 3 سنوات من الأزمة المالية في البلاد.
وشملت الإصلاحات الواردة في تلك الخطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة بعض مدخرات المودعين بالعملة الصعبة وهي ضمن إجراءات أساسية لإفراج صندوق النقد الدولي عن تمويل مطلوب.
يشار إلى أنه منذ العام 1997، اكتسبت الليرة استقراراً وثباتاً استمرّ لغاية خريف 2019 (22 عاماً)، وبقيت رهن التثبيت بالتدخّل من المصرف المركزي ما أدى إلى إستنزاف إحتياطه بالعملة الأجنبية.
ونتيجة لذلك، بدأ شح الدولار في السوق وإرتفع سعره فأشعل معه كل الأسعار للمواد الإستهلاكية وإحتجزت المصارف ودائع اللبنانيين، لاسيما المدَولرة منها.