اعلان

تداعيات تجريد ماكرون من الأغلبية البرلمانية

فرنسا
فرنسا
كتب : وكالات

تثير نتائج الانتخابات النيابية في فرنسا، التي جرّدت الرئيس إيمانويل ماكرون من الأغلبية في البرلمان، مخاوف من "شلل تام" يمنع الرئيس من تنفيذ برنامجه وإصلاحاته، فيما قد يدفعه إلى حلّ البرلمان خلال سنة.

وأظهرت النتائج التي نشرتها وزارة الداخلية بعد الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت الأحد، نيل تحالف "معاً" بزعامة ماكرون 245 من المقاعد الـ577 في الجمعية الوطنية، مقابل 131 للائتلاف اليساري بقيادة جان لوك ميلانشون، و89 لحزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف، فيما حصل حزب "الجمهوريين" من يمين الوسط وحلفاؤه على 61 مقعداً، علماً أن الأغلبية تبلغ 289 مقعداً.

وتشكل هذه النتيجة تراجعاً عن النصر الساحق في انتخابات عام 2017، حين فاز حزب ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، مع حليفه الوسطي حزب "الحركة الديمقراطية"، بـ350 مقعداً، مقابل 17 مقعداً لحزب "فرنسا الأبيّة" بزعامة ميلانشون، و8 مقاعد لحزب "التجمّع الوطني".

ولكن المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية أوليفيا جريجوار، قال الاثنين، إن حل الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) "ليس مطروحاً في الوقت الحالي".

"تقدّم مذهل" لليمين المتطرف

وتُكرّس هذه النتائج استقطاباً حاداً في المشهد السياسي الفرنسي، إذ يبدو التيار الوسطي الذي يتزعمه ماكرون، "محاصراً" من جانبي تطرف، يميني ويساري. بل أن حزب "التجمّع الوطني" بزعامة مارين لوبان حقق نتيجة تاريخية، واعتُبر "الفائز الأكبر" في الاقتراع، إذ سيحصل على وضع تشريعي رسمي، يمكّنه من تشكيل تكتل نيابي، للمرة الثانية منذ ثمانينات القرن الماضي، ممّا يمنحه مزيداً من التأثير في اللجان النيابية، وقدرة أكبر على التعبير عن آرائه، كما أفادت "بلومبرغ".

في عام 1986، كان لحزب لوبان 35 نائباً في البرلمان، بعد انتخابات اعتمدت نظام التصويت النسبي. ولفتت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية إلى أن الحزب حصد في انتخابات 2022 مقاعد أكثر من حزب "فرنسا الأبيّة" اليساري الراديكالي بمفرده.

"بلومبرج" اعتبرت أن اليمين المتطرف حقق "تقدّماً مذهلاً" في العقدين الماضيين، إذ فاز في انتخابات محلية وإقليمية، وشغل مقاعد في مجلس الشيوخ والبرلمان الأوروبي.

وأضافت أن خسارة لوبان في انتخابات الرئاسة أمام ماكرون، في أبريل الماضي، في محاولتها الثالثة، لا تحجب أن اليمين المتطرف نال أعلى نسبة من الأصوات منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام 1958.

ولاية ثانية "وُلدت ميتة"؟

ورأت "لو فيغارو" أن الرئيس بات أمام اختبار أن تصبح فرنسا "غير قابلة للحكم"، متحدثة عن تلقيه "صفعة قاسية". وأشارت إلى أن ماكرون يواجه "شبح" ولاية ثانية "وُلدت ميتة".

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن ماكرون قد يكون قادراً على السيطرة على السلطة التنفيذية، مستدركة أنه "سيواجه صعوبة في تمرير التشريعات، ممّا يعرّض الكثير من أجندته للخطر، بما في ذلك خطط رفع سنّ التقاعد وتنفيذ إصلاحات ضريبية". وأضافت أن عليه تعديل التشكيلة الحكومية، بعد فشل 3 وزراء في الانتخابات.

وذكّرت بأن الرئيس الراحل شارل ديجول أسّس النظام السياسي الحالي في فرنسا، المعروف باسم الجمهورية الخامسة، في عام 1958 من أجل تجنّب اضطرابات يسبّبها نظام برلماني لا يستطيع أن يحقق أغلبية مستقرة. وأشارت الوكالة إلى تقلّص قاعدة دعم ماكرون بعد السنوات الخمس الماضية، مع الاحتجاجات المناهضة لإصلاح نظام التقاعد، وعدم المساواة الاجتماعية، والتعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد.

ونقلت عن ليزا توما داربوا، وهي خبيرة في السياسة الفرنسية بـ"معهد مونتين" (مقرّه باريس)، قولها إن ماكرون "لن يكون قادراً على الاستناد إلى المتطرفين، سواءً كانوا أقصى اليمين أو أقصى اليسار، والذين سيعارضون بشكل منهجي إلى حد كبير كل اقتراح تقدّمه الحكومة".

ولكن يمكن للرئيس أن يجمع تحالفات بشأن ملفات محدّدة، إذ أن موقفه بشأن رفع سنّ التقاعد مشابه لموقف حزب "الجمهوريين"، على سبيل المثال. وإن لم ينجح ماكرون في ذلك، فقد يعمد إلى تطبيق المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، التي تمكّنه، في ظلّ ظروف معيّنة، من تمرير قانون حتى من دون موافقة البرلمان.

وسجّل رئيس الوزراء الاشتراكي ميشال روكار، الذي ترأس حكومة في أواخر ثمانينات القرن العشرين، افتقرت إلى الأغلبية المطلقة، الرقم القياسي في هذا الصدد.

"معادلة تبدو مستحيلة"

ورجّحت مجلة "بوليتيكو" الأميركية أن يواجه ماكرون "خمس سنوات مضطربة من الجمود"، معتبرة أن النتائج أدّت إلى "برلمان مشلول". وأضافت أن حزب "الجمهوريين" بات "حليفاً محتملاً" للرئيس، وقد يصبح "ركيزة أساسية" في ولايته الثانية.

وأشارت في هذ الصدد، إلى أن انقسامات ظهرت داخل معسكر المحافظين بشأن العمل مع تحالف "معاً"، إذ دعا الوزير اليميني السابق جان فرانسوا كوبي إلى "ميثاق حكومي" بين "الجمهوريين" وتحالف ماكرون، من أجل "التغلّب على صعود المتطرفين" في فرنسا، لكن رئيس الحزب كريستيان جاكوب أكد أنه "سيبقى في المعارضة".

ومع هذه الانقسامات، يُرجّح أن يكون التعاون المحتمل على أساس كل ملف على حدة، ممّا يعني مفاوضات مطوّلة بشأن التشريعات، واتفاقات غير مستقرة.

صحيفة "لوموند" الفرنسية نقلت عن مسؤول في معسكر ماكرون، إن الأخير سيحاول اعتماد استراتيجية بناء أغلبية "على أساس كل حالة على حدة". واستدركت أن مصادر في السلطة التنفيذية استبعدت مناقشة هذا "السيناريو المتفائل"، متحدثة عن "معادلة تبدو مستحيلة".

ونسبت الصحيفة إلى خبير استراتيجي في معسكر ماكرون، قوله إن التعويل على "الجمهوريين" ليس ممكناً، نظراً إلى معارضتهم للرئيس.

ورأى "استحالة" في النجاح بتحقيق أغلبية مطلقة عبر التحالفات، مرجّحاً "شللاً تاماً" في البرلمان، سيؤدي إلى أزمة مؤسّسات، بعدما باتت الجمعية الوطنية "عديمة الفائدة وغير قابلة للحكم".

ورأى أن ثمة خياراً وحيداً بالنسبة إلى ماكرون، يتمثل في "حلّ البرلمان في غضون سنة"، علماً أن المادة 12 من الدستور تمكّن الرئيس من ذلك، شرط أن يلتزم بفترة زمنية تبلغ سنة بين حلّ البرلمان مرتين.

ووجّه المعلّق في "لوموند"، أوليفييه فاي، انتقادات لماكرون، معتبراً أنه "يتمسّك بأسلوب الحكم المطلق، عكس وعوده" في هذا الصدد بعد انتخابات الرئاسة. وذكّر بأنه تعهد بانتهاج "أسلوب جديد" في الحكم، يشمل مزيداً من المواطنين، مستدركاً أنه "يواصل إملاء الإيقاع وتهميش وزرائه".

نتيجة "مذلّة"

صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أوردت أن الناخبين الفرنسيين أعادوا ماكرون إلى الواقع، بعد شهرين فقط على فوزه بولاية ثانية، في نصر كان سيجعله "أقوى زعيم في الاتحاد الأوروبي، إذ أمامه 5 سنوات كاملة في المنصب، عكس رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، وبأغلبية مطلقة محتملة، وإن كانت ضئيلة، عكس المستشار الألماني أولاف شولتز".

واستدركت أنه عاجز عن جذب الموالاة والمعارضة، كما فعل دراجي، ويفتقر إلى استقرار الائتلاف الحكومي الذي يستند إليه شولتز، علماً أن فرنسا "دولة شديدة المركزية".

ورأت الصحيفة أن نتيجة الاقتراع "مذلّة" بالنسبة إلى ماكرون، إذ خسر بعض أقرب حلفائه السياسيين مقاعدهم، بينهم رئيس البرلمان ريشار فيران، وزعيم تكتل الحزب الحاكم في الجمعية العامة، كريستوف كاستانير.

وتابعت أن كثيراً من الناخبين الفرنسيين سيرون في النتيجة "رفضاً لأسلوب حكم متعجرف ومفرط في الشخصنة، فيما سيخشى آخرون أن تصبح إدارة البلاد مستحيلة، مع كل توتراتها الاجتماعية، ممّا يقوّض الثقة بالديمقراطية ويغذّي القوى المتطرفة".

وزادت أن الرئيس يشرف على السياستين الخارجية والدفاعية، ويمكنه حلّ البرلمان في حال شلله. ونبّهت إلى أن "الأمر يتطلّب مهارات سياسية جديدة وبعض التواضع، لإنقاذ ولايته الثانية".

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً