ads

السؤال اللغز .. كيف أخفت إسرائيل ترسانتها النووية عن أمريكا والعالم

مفاعل ديمونة
مفاعل ديمونة

مع تصاعد الضغوط الدولية على إيران بشأن برنامجها النووي وتكثيف الهجمات الإسرائيلية على مواقع داخل الأراضي الإيرانية، يعود ملف التسلح النووي إلى واجهة النقاشات العالمية، لكن هذه المرة ليس فقط من زاوية طهران، بل من خلال البوابة التي فتحتها إسرائيل قبل عقود، في ظل صمت وتواطؤ دولي، خاصة من واشنطن.

تحذيرات واشنطن المزدوجة: إيران تحت المجهر وإسرائيل خارج الرقابة

لطالما تعاقب الرؤساء الأمريكيون منذ عام 2002 على إطلاق تصريحات صارمة بخصوص منع إيران من حيازة أسلحة نووية. فمن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، مرورًا بباراك أوباما، وصولاً إلى دونالد ترامب، توالت التحذيرات بشأن منع طهران من تطوير قدرات نووية عسكرية. صرح ترامب، على سبيل المثال، في 17 يونيو 2025، بشكل قاطع: 'تذكروا، لا يمكن لإيران امتلاك أسلحة نووية. الأمر بسيط جداً.'

لكن ما تغفله هذه التصريحات هو أن إسرائيل، حليفة واشنطن الأوثق في الشرق الأوسط، سلكت منذ منتصف القرن الماضي مسارًا نوويًا سريًا، انتهى بامتلاكها ترسانة يقدرها 'اتحاد العلماء الأمريكيين' بنحو 90 رأسًا نوويًا حتى عام 2021. هذا التناقض يثير تساؤلات جدية حول ازدواجية المعايير في سياسة منع الانتشار النووي.

البدايات السرية: بن جوريون ودعم فرنسي متواطئ أمريكي

تعود الانطلاقة للبرنامج النووي الإسرائيلي إلى قرار استراتيجي اتخذه أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، في خمسينيات القرن الماضي. كان هدف بن غوريون امتلاك سلاح نووي يشكل 'وثيقة تأمين وجودية' في مواجهة المحيط العربي.

بعد العدوان الثلاثي عام 1956، قدمت فرنسا دعمًا سريًا لبناء مفاعل ديمونة في صحراء النقب، بالإضافة إلى منشأة لإعادة المعالجة النووية، أُنشئت تحت الأرض دون إشراف دولي. ولم يقتصر الدعم على فرنسا وحدها، حيث قدمت النرويج 'الماء الثقيل' لإسرائيل تحت غطاء 'الاستخدام السلمي'، مما يظهر مدى التواطؤ الدولي في تلك الفترة.

خداع واشنطن: جدران سميكة ومصاعد خفية

عندما بدأت الاستخبارات الأمريكية برصد النشاط النووي الإسرائيلي في أواخر الخمسينيات، أنكر المسؤولون الإسرائيليون ذلك، مدعين أن المنشأة مجرد 'مصنع نسيج'. ومع تصاعد الشكوك، وافقت إسرائيل على زيارات محدودة من خبراء أمريكيين، لكنها قامت بخداعهم ببراعة. فقد أعدت مواقع وهمية وغرف تحكم مزيفة، كما وثق الصحافي سيمور هيرش في كتابه الشهير 'خيار شمشون'.

كانت إسرائيل قد بنت بالفعل منشأة تحت الأرض لإعادة المعالجة، وأخفتها بجدران سميكة ومصاعد خفية، بينما خضع العاملون لتدريبات صارمة لضمان عدم كشف الأنشطة الحقيقية خلال الزيارات. هذا التضليل الممنهج مكن إسرائيل من تطوير قدراتها النووية بعيداً عن أعين الرقابة الدولية.

اتفاق الصمت: نيكسون ومائير يغضّون الطرف عن الترسانة

في عام 1969، توصلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى اتفاق غير معلن. نص هذا الاتفاق على أن إسرائيل لا تعلن امتلاكها السلاح النووي ولا تجري تجارب علنية، في مقابل أن تمتنع واشنطن عن المطالبة بالرقابة أو توقيع تل أبيب على معاهدة عدم الانتشار. مذكرة كتبها مستشار الأمن القومي آنذاك، هنري كيسنجر، كشفت أن نيكسون طلب إبقاء الترسانة النووية الإسرائيلية 'خارج إطار العلن'، مما يؤكد على السياسة الأمريكية المتساهلة تجاه البرنامج النووي الإسرائيلي.

تجددت الشكوك عام 1979 عندما رصد قمر أمريكي ما يُعتقد أنه تجربة نووية في المحيط الهندي، وُجهت أصابع الاتهام حينها لإسرائيل وجنوب أفريقيا. وقد دعم هذا التوجه لاحقًا المستشار في الكونغرس ليونارد وايس، الذي أكد أن الأدلة كانت دامغة، لكن الإدارتين الأمريكيتين (كارتر وريغان) اختارتا تجاهلها، مما يعزز فكرة التواطؤ الأمريكي طويل الأمد.

سياسة الكيل بمكيالين: دروس من التاريخ

تُظهر قصة البرنامج النووي الإسرائيلي، بما تتضمنه من تضليل وتواطؤ، التحديات المعقدة التي تواجهها السياسات الدولية في منع الانتشار النووي. فعلى مدى عقود، اتبعت واشنطن سياسة الكيل بمكيالين: تسامح مطلق مع تل أبيب، مقابل تشدد مع إيران ودول أخرى.

في ظل عالم يحفل بالقوى النووية في المنطقة، من روسيا إلى باكستان، مرورًا بإسرائيل، لا يبدو مستغربًا أن تحاول طهران، هي الأخرى، البحث عن 'وثيقة تأمين' كما فعل الشاه في الماضي. وحتى إذا تغيرت القيادة الإيرانية، فإنه من غير المؤكد أن تنتهي هذه الطموحات، بل قد تجد طريقًا آخر، كما فعلت إسرائيل ذات يوم... بدعم من أقرب حلفائها. هذه الازدواجية في المعايير تضع تحديًا كبيرًا أمام أي جهود مستقبلية تهدف إلى تعزيز نظام منع الانتشار النووي على مستوى العالم.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً