شهد حي الفاتح في إسطنبول، المعروف بكثافته السكانية العالية وازدهاره التجاري الذي كان مدفوعًا بشكل كبير بوجود الجالية السورية، تحولًا جذريًا في الآونة الأخيرة. لم يعد "سوق مالطا" الملاصق لجامع السلطان محمد الفاتح يعج بالحياة كما كان في السابق، بل خيم عليه هدوء غير مألوف لم يشهده منذ سنوات طويلة. هذا التحول ليس مجرد هدوء عابر، بل هو نتيجة مباشرة لعودة أعداد كبيرة من السوريين إلى بلادهم، مما أحدث انهيارًا ملحوظًا في أسعار إيجارات العقارات في المنطقة.
لطالما كانت إسطنبول، وتحديدًا حي الفاتح، وجهة مفضلة للسوريين الباحثين عن ملجأ وفرص عمل، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات وندرة في العقارات المعروضة. إلا أن هذا الواقع تبدل بشكل دراماتيكي مع موجة العودة التي بدأت منذ بداية العام الحالي. فبحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عاد أكثر من 250 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم بين ديسمبر 2024 ومايو 2025 وحده، ومن المتوقع أن تزداد هذه الأعداد خلال فصل الصيف.
لقد انعكست هذه العودة بشكل مباشر على سوق الإيجارات في الفاتح. فبينما كانت العائلات السورية تعاني سابقًا من صعوبة بالغة في إيجاد سكن مناسب وبأسعار معقولة، أصبح المشهد الآن مختلفًا تمامًا. أكد سكان محليون، مثل يزن، وجود فراغ كبير في العديد من المنازل التي كانت تشغلها عائلات سورية، وانتشار لافتات "للإيجار" على العديد من المباني. هذا التزايد في عرض المنازل للإيجار، والذي تزامن مع انتهاء العام الدراسي وبداية موجة العودة الكبيرة، أدى إلى تراجع حاد في أسعار الإيجارات، مما لم يكن ليتصوره أي زائر سابق للمنطقة.
تجاوز تأثير عودة السوريين قطاع العقارات ليشمل مختلف جوانب الحياة في حي الفاتح. فقد شهدت المحال التجارية المتخصصة بالمنتجات السورية تراجعًا ملحوظًا في المبيعات بعد الأعياد، ووصف العاملون في هذه المحال، مثل الشاب طارق، حركة البيع النشطة خلال عيد الفطر بأنها كانت بمثابة "وداع جماعي لتركيا". كما أكد الحلاق عدنان انخفاض نسبة زبائنه بين 70 و75%، وهي نسبة تعكس حجم تأثير العودة على الأنشطة التجارية المحلية. حتى أصحاب المطاعم والمحال السورية يواجهون الآن خيار البقاء أو الرحيل، حيث يفكر الكثيرون في نقل أعمالهم إلى سوريا في ظل تراجع أعداد الزبائن وتأثر مشاريعهم سلبًا.
إن هذا الواقع الجديد في حي الفاتح، مع هدوئه غير المعتاد وتراجع أسعار الإيجارات وتباطؤ الحركة التجارية، يعد مؤشرًا واضحًا على مرحلة جديدة في تجربة الشتات السوري في تركيا. فبينما يعود البعض إلى وطنهم، يظل آخرون أمام تحديات الإقامة والاندماج، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع سواء في تركيا أو في سوريا.