يشهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراجعًا ملحوظًا في شعبيته داخل قاعدته الانتخابية الصلبة، وذلك في أعقاب الضربات الجوية التي أمر بها ضد منشآت إيرانية لتخصيب اليورانيوم. يكشف استطلاع رأي حديث عن اتساع الفجوة بين سياسات ترامب الخارجية وتوقعات ناخبيه، مما يثير مخاوف بشأن تورط أمريكي محتمل في نزاعات الشرق الأوسط ويعمق الانقسام داخل الحزب الجمهوري.
تراجع في معدلات التأييد الأساسية:
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوغوف"/"ذا إيكونوميست"، بلغت نسبة موافقة الناخبين الذين صوتوا لصالح ترامب في انتخابات 2024 على أدائه 83%، بينما عارض 14% منهم سياساته. يعكس هذا الرقم معدل موافقة صافيًا بلغ +69 نقطة، وهو ما يمثل تراجعًا عن معدل +80 نقطة الذي سُجل في الشهر الماضي. يشير هذا الانخفاض إلى بداية تصدع في التأييد القوي الذي لطالما تمتع به ترامب بين مؤيديه الأوفياء.
تداعيات الضربات الجوية على إيران:
جاء هذا التراجع في أعقاب تنفيذ ترامب لضربات جوية استهدفت ثلاث منشآت إيرانية لتخصيب اليورانيوم. كانت هذه الضربات ردًا على تصاعد التوترات في المنطقة، وردت عليها إيران بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدة أمريكية في قطر. تزامن هذا التصعيد مع اتفاق على وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في نفس اليوم، رغم استمرار حالة التوتر الحذر في المنطقة.
فجوة متزايدة بين السياسات وتطلعات الناخبين:
يربط المحللون السياسيون هذا الانخفاض في معدلات موافقة ترامب بزيادة الفجوة بين توجهاته في السياسة الخارجية وما يتوقعه منه الناخبون، لا سيما بعد هذا التدخل العسكري الأخير في إيران. لطالما رفع ترامب شعار "أمريكا أولًا"، الذي فسره الكثيرون في قاعدته الانتخابية على أنه يعني الانسحاب من التدخلات العسكرية الخارجية والتركيز على القضايا الداخلية.
من جانبه، صرح توماس غيفت، مدير مركز جامعة لندن لكلية الطب السياسي على الولايات المتحدة، بأن قرار ترامب بشن ضربات على المنشآت النووية الإيرانية قد أثار قلقًا كبيرًا داخل حركة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA). وأوضح غيفت أن هذه الحركة كانت تتوقع من ترامب الالتزام بمبدأ "أمريكا أولًا" والابتعاد عن خوض حروب خارجية، وهو ما يتعارض مع العمليات العسكرية الأخيرة.
مخاوف من الانجرار إلى صراعات الشرق الأوسط:
يعكس التراجع في شعبية ترامب أيضًا قلقًا متزايدًا بين ناخبيه بشأن احتمال تورط الولايات المتحدة بشكل أعمق في نزاعات الشرق الأوسط. لطالما كانت قاعدة ترامب الانتخابية تميل نحو سياسات عدم التدخل، ورأت في ترامب الزعيم الذي سيقود البلاد بعيدًا عن "الحروب الأبدية" التي أرهقت الميزانية الأمريكية وأودت بحياة العديد من الجنود.
انقسام داخل الحزب الجمهوري:
لم يقتصر تأثير الضربات على قاعدة ترامب الانتخابية فحسب، بل أظهرت هذه التطورات أيضًا انقسامًا داخل الحزب الجمهوري نفسه. فبينما يدعم بعض الصقور في الحزب نهجًا أكثر عدوانية تجاه إيران، يفضل آخرون نهجًا دبلوماسيًا أو على الأقل تجنب التصعيد العسكري المباشر. هذا الانقسام قد يشكل تحديًا إضافيًا لترامب في سعيه للعودة إلى البيت الأبيض، حيث يحتاج إلى توحيد الصفوف خلفه.
تداعيات مستقبلية:
من المرجح أن تكون تداعيات هذه الضربات وتراجع شعبية ترامب موضوع نقاشات حادة في الأيام والأسابيع القادمة. سيراقب المحللون عن كثب ما إذا كان هذا التراجع مؤقتًا أم أنه يشير إلى تحول أعمق في مواقف قاعدة ترامب، وما إذا كان سيؤثر على استراتيجيته الانتخابية المقبلة. يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كان ترامب سيتمكن من إعادة كسب ثقة مؤيديه الذين يبدو أنهم باتوا أكثر حذرًا من أي تورط عسكري أمريكي جديد في الخارج.