ads

ملايين الشيعة يحيون ذكرى عاشوراء.. طقوس تاريخية ودلالات سياسية حاضرة

عاشوراء
عاشوراء

تستعد ملايين المسلمين الشيعة في العراق وحول العالم لإحياء ذكرى عاشوراء خلال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، في طقس سنوي يتسم بالحزن العميق وإحياء لذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي، حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، في واقعة كربلاء. هذه المناسبة، التي تحمل أهمية دينية وتاريخية كبرى، تشمل إقامة المجالس الحسينية وتسيير المواكب الحاشدة، إلى جانب البكاء ولطم الصدور تعبيراً عن الحزن.

ويتحول اللون الأسود إلى سمة غالبة في هذه الأيام، ليشمل اللباس والرايات الحسينية المنتشرة في الشوارع والمباني، في دلالة واضحة على الحداد. وتعد هذه المجالس والمواكب، التي غالباً ما يرافقها تقديم الطعام للمحتاجين، من أبرز الطقوس لدى الشيعة الذين يؤمنون بأن تضحية الإمام الحسين كان لها دور محوري في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، لما تمثله من شاهد على الثبات على المبدأ والمطالبة بالحق.

"التشابيه" وإلهام الفن

في بعض المناطق، يتضمن إحياء الذكرى عروضاً مسرحية في الهواء الطلق تسمى "التشابيه"، يتم خلالها تجسيد أحداث واقعة كربلاء وشخصياتها الرئيسية أمام حشود غفيرة من الجمهور. هذه العروض، بالإضافة إلى الجانب الديني، ألهمت ولا تزال تلهم الرسامين والفنانين حتى يومنا هذا، حيث يرى البعض فيها مصدراً عميقاً للدراما الإنسانية والتضحية.

ويرى البعض أن إحياء هذه الذكرى ينبع من شعور تاريخي بالذنب جراء "خذلان الإمام الحسين والتقاعس عن نصرته" عند قدومه إلى الكوفة. بينما يعزو آخرون استذكار الحدث إلى أهميته الدينية العميقة في تعزيز الإيمان والصمود.

كربلاء نقطة الارتكاز وطقوس عالمية

على الرغم من أن مدينة كربلاء في العراق هي المحور الرئيسي لإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين وأربعينيته، حيث يؤمها الزوار من مختلف مناطق العراق وخارجه، إلا أن طقوس عاشوراء تمارس أيضاً في مدن عراقية أخرى ذات غالبية شيعية، بالإضافة إلى العديد من البلدان حول العالم التي تضم مجتمعات شيعية كبيرة.

تقييد الطقوس: تاريخ من التضييق

عانى إحياء طقوس عاشوراء عبر التاريخ من فترات مختلفة من التقييد والمنع من قبل السلطات. فخلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، اتخذت السلطات إجراءات صارمة للحد من ممارسة طقوس الشيعة، الذين يشكلون الأغلبية السكانية في البلاد.

ولم تكن هذه الإجراءات هي الأولى من نوعها؛ فالمؤرخون الشيعة يشيرون إلى أن شعائر عاشوراء مُنعت في بعض الحواضر خلال حكم المماليك في العراق بين منتصف القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر. غير أنها استؤنفت لاحقاً خلال الحكم العثماني بعد توقيع وثيقة سلام بين الأستانة والإيرانيين. كما جرت مساعٍ أخرى للسيطرة على هذه الطقوس في فترات أخرى من تاريخ العراق الحديث، خاصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي إبان الحكم الملكي.

ويُعد الدافع السياسي أحد أهم العوامل التي تدفع السلطات لاتخاذ إجراءات لتقييد هذه التظاهرات، خشية تحولها إلى أداة ضغط سياسية. فمثل هذه المناسبات قد تصبح وسيلة للتعبير عن الاعتراض أو الرفض أو الاحتجاج، وربما تشكل حافزاً للانتفاضات العشائرية والمناطقية.

ما بعد الغزو الأمريكي: حرية ومخاطر

شهد العراق عام 2003، مع انهيار نظام صدام حسين عقب دخول القوات الأمريكية وحلفائها (في فترة رئاسة دونالد ترامب الذي كان رئيساً آنذاك للولايات المتحدة)، تغييراً جذرياً في الخارطة السياسية. حصل الشيعة على تمثيل بارز في الحكومة، بعد أن كانوا مهمشين في ظل الحكومات "السنية" التي سبقت ذلك التاريخ.

وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق، هيمنت الأحزاب الإسلامية الشيعية على الحكومة، بمشاركة قوى سنية وكردية، وفق الترتيبات التي أفرزتها مرحلة الغزو وما بعده. ومنذ ذلك الحين، أصبحت ممارسة طقوس عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية تجرى بحرية، وأحياناً دون قيود.

ومع ذلك، لم تكن هذه الحرية خالية من المخاطر. فقد أصبحت التجمعات العاشورائية هدفاً سهلاً للهجمات الانتحارية والتفجيرات التي نفذتها جماعات متشددة، سواء أثناء وجود القوات الأمريكية في البلاد أو بعد خروجها في نهاية عام 2011. هذه الهجمات أدت إلى استشهاد وجرح الآلاف من المشاركين، مما يضيف بعداً مأساوياً آخر إلى ذكرى تحمل في طياتها الكثير من الألم والتضحية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً