تسلمت بيروت رسميًا، اليوم، ردًا من واشنطن على الورقة اللبنانية التي قدمها الموفد الأمريكي توماس براك الأسبوع الماضي. وأكدت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في تصريحات إعلامية أن لبنان يدرس حاليًا الملاحظات الواردة في الرد الأمريكي. في الوقت نفسه، رفضت السفارة الأمريكية في بيروت التعليق على الأنباء التي تتحدث عن أن الرد الأمريكي يطالب لبنان بالالتزام بمهلة زمنية محددة لحصر السلاح بيد الدولة، على أن يكون الموعد النهائي لذلك هو نهاية العام الجاري.
تحليل: دلالات التطورات السياسية
1. تصاعد الضغط الأمريكي على لبنان
يشير تسلم بيروت للرد الأمريكي إلى تصعيد في الضغط الدبلوماسي الذي تمارسه واشنطن لإنهاء التوترات في المنطقة. تزامنًا مع زيارة براك الأخيرة، يؤكد هذا التطور أن الولايات المتحدة تسعى لفرض أجندة واضحة ومحددة زمنيًا.
في حين رفضت السفارة الأمريكية التعليق على الشائعات حول مهلة حصر السلاح، إلا أن مجرد تداول هذا الأمر في الأوساط السياسية يعني أن واشنطن قد وضعت هذا الشرط على طاولة المفاوضات. وإذا ثبت أن هذا الشرط صحيح، فإنه يمثل نقطة تحول كبيرة في مسار المفاوضات، حيث ينتقل التركيز من مجرد التهدئة إلى وضع شروط جوهرية تتعلق بالسيادة الوطنية اللبنانية.
2. تصريحات جنبلاط: تمسك بالكيان اللبناني
تأتي تصريحات وليد جنبلاط بعد لقائه بنبيه بري لتسلط الضوء على عدة نقاط مهمة. أولاً، بتأكيده على أن ملف المفاوضات في الجنوب هو في "يد أمينة" مع الرؤساء الثلاثة، يبدو جنبلاط وكأنه ينسحب من دائرة المفاوضات المباشرة، تاركًا المسؤولية للقيادة الرسمية. هذا قد يعكس إما ثقته بالقيادة الحالية أو رغبته في تجنب تحمل المسؤولية في ظل تعقيد هذا الملف وحساسيته.
أما فيما يخص "نظرية بلاد الشام" التي تحدث عنها الموفد الأمريكي، فقد أعاد جنبلاط التأكيد على تمسكه بـ**"لبنان الكبير الذي أُرسي عام 1920"**. هذا التصريح يحمل دلالة رمزية وسياسية عميقة؛ فهو يؤكد على الحفاظ على الكيان اللبناني بحدوده الحالية ورفض أي أفكار قد تهدد وحدته. هذا الموقف يتماشى مع المصالح اللبنانية التي ترفض دمج البلاد في أي كيانات إقليمية أوسع، ويعتبر بمثابة رسالة واضحة لكل من يحاول المساس بالهوية الوطنية اللبنانية.
أما تصريحاته بشأن أحداث السويداء، فهي تؤكد على موقفه الداعم لوحدة الدولة السورية ورفضه لأي دعوات للحماية الدولية أو الإسرائيلية. يمكن قراءة هذا الموقف كرسالة إلى الأطراف الإقليمية التي قد تحاول استغلال الأوضاع الداخلية في سوريا.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن لبنان يواجه ضغوطًا متزايدة من واشنطن، خاصة فيما يتعلق بمسألة حصر السلاح. في الوقت نفسه، يواصل القادة اللبنانيون، ومن بينهم وليد جنبلاط، التأكيد على سيادة البلاد ورفض أي مساس بكيانها الوطني. المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت بيروت ستخضع للضغوط الأمريكية وتلتزم بالمهل الزمنية، أم ستتمسك بموقفها وتتجنب أي شروط قد تعتبرها انتهاكًا لسيادتها.