أثار إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل جدلاً واسعاً، مابين مؤيد يرى فيه خطوة ضرورية نحو حل الدولتين وتحقيق السلام، ومعارض يعتبره تهديداً لأمن إسرائيل. وفي هذا السياق، سعى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لتوضيح موقف بلاده.
الموقف الفرنسي: دعم حل الدولتين ونبذ الأطراف الرافضة للسلام
شدد بارو، في منشور له على منصة "إكس"، أن بعض الأطراف لطالما رفضت حل الدولتين. وباعتراف فرنسا بفلسطين، فإنها تؤكد أن "معسكر السلام على صواب في وجه معسكر الحرب". ويعكس هذا التصريح الرغبة الفرنسية في دعم المسار السياسي لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتمييز بين تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته، وبين أيديولوجية تلك الأطراف التي ترفض التعايش السلمي.
ويأتي إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، عن هذا القرار، ليؤكد التزام فرنسا التاريخي بتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يكون هذا الإعلان الرسمي خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر المقبل. وإذا ما تم ذلك، ستصبح فرنسا أول قوة غربية كبرى تعترف بدولة فلسطينية، مما قد يشكل ضغطاً إضافياً على دول أخرى للحذو حذوها.
ردود الفعل: إدانة إسرائيلية وترحيب فلسطيني
كان رد الفعل الإسرائيلي قوياً ومباشراً. فقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إعلان فرنسا "يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل". وحذر نتنياهو من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى "إيجاد وكيل إيراني جديد، وهو تماماً ما تحوّلت إليه غزة"، زاعماً أن الفلسطينيين "لا يسعون إلى دولة إلى جانب إسرائيل، إنهم يسعون إلى دولة بدلاً من إسرائيل". وتتماشى هذه التصريحات مع الموقف الإسرائيلي الرافض بشدة لأي اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية، معتبراً أن ذلك يجب أن يتم عبر مفاوضات مباشرة.
على الجانب الآخر، رحبت جهات فلسطينية بإعلان ماكرون، واعتبرته "خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو إنصاف الشعب الفلسطيني ودعم حقه المشروع في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على كامل أراضيه المحتلة، وعاصمتها القدس". ودعت هذه الجهات بقية دول العالم، وخاصة الأوروبية، إلى أن تحذو حذو فرنسا والاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني.
التداعيات المحتملة
قد يدفع قرار فرنسا دولاً أخرى، خصوصاً في أوروبا، إلى مراجعة مواقفها بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويشير تقرير لوكالة "بلومبرغ" إلى أن عدداً من وزراء الحكومة البريطانية يمارسون ضغوطاً على رئيس الوزراء كير ستارمر لحثه على الإسراع في اتخاذ قرار الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.
إن الاعتراف الفرنسي، بغض النظر عن النوايا المعلنة، قد يضع مزيداً من الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين، أو على الأقل التعامل بجدية أكبر مع تطلعات الفلسطينيين. وفي الوقت ذاته، يمكن أن يعقد هذا القرار الجهود المبذولة لتهدئة التوترات في المنطقة، خاصة في ظل استمرار الحرب في غزة.
يبقى السؤال مطروحاً: هل سيكون الاعتراف الفرنسي بالفعل خطوة حاسمة نحو إحلال السلام في المنطقة، أم أنه سيؤجج المزيد من التوترات ويفتح الباب أمام تداعيات غير متوقعة؟