تتجه الأنظار السياسية نحو اللقاء الذي جمع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، في دارة الأخير بكليمنصو. اللقاء، الذي رتبه رئيس "اللقاء الديمقراطي" تيمور جنبلاط (الذي كان خارج البلاد)، تصدرت جدول أعماله علاقة "القوات" برئيس المجلس النيابي نبيه بري، بناءً على رغبة جنبلاط الذي شدد على ضرورة التواصل بينهما من موقع الاختلاف، خاصة في ظل القطيعة المسيطرة على علاقته بحزب رئيس المجلس.
وكشفت مصادر مواكبة للأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، أن علاقة جعجع ببري احتلت حيزًا رئيسيًا من النقاش. وقد شارك في اللقاء النائبان وائل أبو فاعور (اللقاء الديمقراطي) وملحم رياشي (كتلة الجمهورية القوية). وتبادل المجتمعون الآراء بعمق حول أبرز القضايا المطروحة على الساحة، في ضوء التحديات التي تعيق التوافق حول حصرية السلاح بيد الدولة، وهو ما يسعى إليه الوسيط الدولي توم براك. وأوضحت المصادر أن جنبلاط هو من بادر إلى طرح هذا الملف، مؤكدًا أنه لا غنى عن التحاور مع رئيس المجلس النيابي الذي لم يغلق الباب أمام التواصل مع القوى السياسية لإخراج البلاد من الأزمة والانتقال بها إلى التعافي.
تمييز بين رئيس المجلس النيابي وحزب رئيس المجلس
ولفتت المصادر إلى أن جنبلاط تحدث عن مستقبل علاقة "القوات" ببري انطلاقًا من تمايزه عن حليفه حزب رئيس المجلس، سواء بالنسبة للنأي بنفسه عن الإسناد أو بإحجام حركته عن التدخل في الصراعات الإقليمية. وأفادت بأن رئيس المجلس كان وراء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في بعض المناطق الجنوبية، والذي بقي تنفيذه معلقًا على التزام الأطراف به.
وتوقفت المصادر عند التزام بري بتعهده بعدم انخراط حزب رئيس المجلس في صراعات أوسع. وقالت إن جنبلاط لا يؤيد شمول حليفه بالحملات السياسية التي تستهدف الحزب، ويشدد على ضرورة تمييزه عنه. فالتعامل معه على غرار تعاطي قوى المعارضة مع القوى السياسية الأخرى وكأنه في خندق واحد، بحسب المفهوم السياسي للكلمة، غير جائز. وتساءل جنبلاط عن المحاور البديل الذي يتقن تدوير الزوايا، ويرغب في لقاء خصومه في منتصف الطريق للتوصل إلى تسوية بشأن القضايا الخلافية، لأن عدم تواصلهما يبقي المشكلة قائمة ولا يحقق الغرض المطلوب لإنقاذ البلاد.
رسائل دولية تدعم التقارب وتوقعات بمرحلة جديدة
وأكدت المصادر أن جنبلاط، باستحضاره مع جعجع علاقته الراهنة مع بري، يتناغم مع النصائح الدولية التي أسديت لجعجع بضرورة تطبيع علاقته به، ولو من موقع الاختلاف، نظرًا لتمايزه عن حزب رئيس المجلس وتأييده لحصرية السلاح بيد الدولة. وقالت إن اللقاء أسهم في ترطيب الأجواء بينهما على أمل أن تتم معاودة فتح قنوات التواصل التي كانت قائمة بينهما، وتعطلت إلى حد ما بسبب شمول المعارضة لبري في الحملات.
كما تردد أن الوسيط الدولي براك قد بحث مطولًا مع جعجع، في زيارته الثانية، علاقته ببري في ضوء انسداد الأفق أمام التلاقي وضرورة إحياء قنوات الاتصال بينهما، لأنه ليس من مصلحة الطرفين أن تبلغ العلاقة مرحلة القطيعة مع المكونات الأساسية في البلاد، التي تعتبر واحدة من المكونات الأساسية ولا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازن في إدارة البلاد.
وتردد أيضًا أن العلاقة بينهما مرشحة للدخول في مرحلة سياسية جديدة تتطلب منهما التلاقي في منتصف الطريق، وهذا ما يتمناه جنبلاط ويشاركه براك رأيه، ومعهما معظم السفراء الأوروبيين المعنيين بالملف.
توافق انتخابي وتأكيد على حصرية السلاح
بالنسبة للمواضيع الساخنة التي تركز عليها القوى السياسية وتوليها أهمية، فقد نوقشت بين جنبلاط وجعجع. وعلمت المصادر المواكبة أن اجتماعهما انتهى إلى توافق تام، بخلاف ما كان يشاع بأن علاقة "التقدمي" بـ"القوات" تمر بمرحلة من التوتر بغياب التواصل إلا في الحالات الاستثنائية. وأكدت أن الاتصال الذي جرى بين جعجع وجنبلاط الابن مهد للقائهما الذي توج بتأكيدهما خوض الانتخابات التشريعية المقررة في ربيع 2026 على لوائح موحدة تشمل بالدرجة الأولى أقاليم الشوف وعاليه والمتن الجنوبي (بعبدا).
وأضافت المصادر أن تحالفهما الانتخابي يأخذ بعين الاعتبار إلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب، على نحو يسمح للمواطنين المنتشرين في بلاد الاغتراب بممارسة حقهم في الاقتراع في الدوائر الانتخابية بحسب قيودهم المسجلة على لوائح الشطب، أي بانتخاب النواب الـ128 الذين يتشكل منهم البرلمان. وقالت إنها تستبعد تأجيل الاستحقاق التشريعي الذي يصر رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون على إنجازه في موعده، ولا يحتمل ترحيله لوقت لاحق، كونه يشكل محطة لإعادة تكوين السلطة ويتعامل معه المجتمع الدولي على أنها ضرورية للمجيء ببرلمان منتخب على قياس التحولات التي حصلت في المنطقة والتي شملت البلاد، والتي تستعد للانتقال لمرحلة جديدة على أنقاض سابقتها التي كانت وراء الانهيار.
كما تم التفاهم على الانخراط في الجهود المحلية والمساعي الدولية الهادفة لحصرية السلاح بيد الدولة، والتي بدونها لا يمكن للبلاد أن تفي بتعهداتها أمام المجتمع الدولي لجهة إعداد دفتر الشروط المطلوب منها لبسط سلطتها، بلا أي شريك، على كل أراضيها تطبيقًا للقرار 1701 والتزام الأطراف بالانسحاب من بعض المناطق، وكممر إلزامي لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لانتشالها من قعر الانهيار الاقتصادي وصولًا لإنقاذها. ورغم أن موقفهما في هذا الخصوص يشكل مادة خلافية مع حزب رئيس المجلس، إلا أن لكل منهما طريقته في مقاربتها.
لذلك، فإن التحالف الانتخابي بين "القوات" و"التقدمي" يمكن أن يتسع لقوى في المعارضة تتصرف منذ الآن بأنه غير قابل للنقض، ويبقى أن نراقب رد فعل "التيار الوطني الحر" وإمكانية تعاونه مع القوى السياسية التي تمثل المكونات الأساسية في الدوائر التي يتمتع بها بنفوذ وازن، وإن كان تمايز عن حليفه بانتقاده الشديد، لعله يرفع من منسوب تأييده في الشارع، في منافسته لخصومه.