كشف تقرير حديث عن تفشٍّ غير مسبوق لمرض نادر ومميت في قطاع غزة، وهو الشلل الرخو الحاد (AFP)، مع تسجيل 110 حالات خلال الأشهر الثلاثة الماضية. هذا الارتفاع الحاد، مقارنة بحالة أو حالتين سنويًا في السنوات السابقة، يثير قلقًا بالغًا لدى الأوساط الطبية والإنسانية.
ويُعزى هذا التفشي بشكل كبير إلى تدمير محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي في القطاع. وفقًا لما ذكره الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر، فإن التحاليل المخبرية للمرضى أظهرت أن "المياه التي يتلقاها المرضى ملوثة تمامًا بمياه الصرف الصحي". هذا الوضع أدى إلى انتشار سريع للأمراض المعدية المنقولة بالمياه، والتي تحفز فيروسات معوية تسبب الشلل الرخو الحاد.
ويُعدّ الشلل الرخو الحاد حالة طبية خطيرة تُسبب ضعفًا عضليًا وشللًا سريعًا. وفي غزة، ترتبط معظم الحالات بمتلازمة غيلان باريه (GBS)، وهي حالة مناعة ذاتية نادرة يمكن أن تؤدي في الحالات الشديدة إلى شلل دائم، فشل تنفسي، أو حتى الوفاة.
وأفادت وزارة الصحة في غزة أن 36% من حالات متلازمة غيلان باريه المسجلة هي لأطفال دون سن 15 عامًا، فيما أدت الحالات الشديدة إلى وفاة ما لا يقل عن 9 أشخاص في مستشفيي ناصر والشفاء.
تحليل إخباري: الأزمة الصحية في غزة بين نقص العلاج والاتهامات المتبادلة
تُظهر الأزمة الصحية في قطاع غزة بُعدًا جديدًا ومقلقًا مع تفشي مرض الشلل الرخو الحاد، مما يضع السكان المدنيين تحت ضغط إنساني إضافي. تفشي هذا المرض، الذي كان نادرًا في السابق، يُسلّط الضوء على انهيار البنية التحتية الأساسية في القطاع، وخاصةً أنظمة المياه والصرف الصحي.
العوامل وراء الأزمة:
تدمير البنية التحتية: تتهم منظمات إنسانية، مثل "أوكسفام" و"أطباء بلا حدود"، القوات الإسرائيلية بتدمير محطات معالجة المياه والصرف الصحي. تُشير منظمة "أوكسفام" إلى تدمير 70% من مضخات الصرف الصحي و100% من محطات معالجة المياه. فيما يزعم الجيش الإسرائيلي أنه يستهدف أهدافًا عسكرية فقط ويعمل على توفير المياه للقطاع.
نقص العلاج: أحد أكبر التحديات هو غياب العلاجات الضرورية، مثل الغلوبولين المناعي الوريدي (IVIG) وتبادل البلازما، وهما ضروريان لعلاج متلازمة غيلان باريه ومنع المضاعفات الخطيرة. هذا النقص يترك الأطباء في غزة عاجزين عن تقديم الرعاية المنقذة للحياة، مما يزيد من احتمالات الشلل الدائم أو الوفاة بين المرضى.
عوامل بيئية إضافية: بالإضافة إلى المياه الملوثة، يرى متحدث باسم منظمة الصحة العالمية أن الاكتظاظ في الملاجئ وسوء التغذية وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية تزيد من تفاقم الأزمة الصحية، مما يجعل السكان أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
المخاوف الإنسانية:
يشير خبراء الصحة إلى أن تفشي هذا المرض هو مؤشر واضح على أن الأزمة في غزة قد تجاوزت الأضرار المادية لتصل إلى تهديد مباشر لصحة وسلامة السكان، وخاصة الأطفال. وتُثير هذه الأوضاع دعوات دولية للسماح بدخول المعدات الأساسية لإصلاح البنية التحتية للمياه وتقديم العلاجات الطبية الضرورية. وبينما تتواصل الاتهامات المتبادلة، يظل سكان غزة يعيشون تحت وطأة نقص حاد في أبسط مقومات الحياة، مما يضعهم في مواجهة أمراض مميتة يمكن الوقاية منها.