تل أبيب، إسرائيل - كشفت صور أقمار اصطناعية حديثة عن تكثيف غير مسبوق لأعمال البناء في منشأة نووية إسرائيلية، مما أثار موجة من التساؤلات والتكهنات حول الغرض من هذا التوسع. وقد أفادت وكالة أسوشييتد برس أن الخبراء يرجحون أن تكون هذه المنشأة الجديدة إما مفاعلاً نووياً جديداً أو موقعاً لتجميع الأسلحة النووية، في ظل السرية التامة التي تحيط بالبرنامج النووي الإسرائيلي.
تأتي أعمال البناء هذه في مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية الواقع في صحراء النقب، بالقرب من مدينة ديمونا، لتُعيد إلى الواجهة الجدل حول وضع إسرائيل، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها الدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط. وتتزامن هذه التطورات مع انتقادات دولية متزايدة، خصوصاً بعد أن قامت إسرائيل والولايات المتحدة بقصف مواقع نووية في إيران، بزعم منع طهران من استخدام منشآتها لتصنيع سلاح نووي.
تضارب الآراء حول طبيعة المنشأة
قام سبعة خبراء بتحليل الصور التي التقطتها شركة "بلانيت لابس" في 5 يوليو، وأجمعوا على أن أعمال البناء مرتبطة بالبرنامج النووي الإسرائيلي نظراً لقربها من مفاعل ديمونا، الذي يُستخدم لأغراض عسكرية وليست مدنية. إلا أنهم اختلفوا حول طبيعة المنشأة الجديدة:
مفاعل نووي جديد: يرى ثلاثة من الخبراء أن موقع وحجم المنطقة، وكونها تبدو متعددة الطوابق تحت الأرض، تشير إلى أن التفسير الأكثر ترجيحاً هو بناء مفاعل جديد للماء الثقيل. يمكن لهذا المفاعل إنتاج البلوتونيوم، وهو مادة أساسية لصناعة الأسلحة النووية.
منشأة لتجميع الأسلحة: بينما أقر الأربعة الآخرون باحتمالية أن يكون مفاعلاً جديداً، أشاروا أيضاً إلى أن العمل قد يرتبط بإنشاء منشأة جديدة لتجميع الأسلحة النووية. وقد رفضوا إعطاء رأي قاطع، مؤكدين أن البناء لا يزال في مراحله الأولية.
وفي هذا السياق، علّق جيفري لويس، الخبير في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، قائلاً: "من المحتمل أن يكون مفاعلاً، من الصعب جداً تخيل شيء آخر".
سياسة الغموض النووي وانعدام الشفافية
تتبع إسرائيل سياسة "الغموض النووي"، حيث لا تؤكد أو تنفي امتلاكها لأسلحة ذرية. وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض التعليق على هذه التطورات.
وبسبب هذه السرية، تظل تفاصيل برنامج إسرائيل النووي مجهولة، مما يجعل من الصعب تقدير عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها. وقد قدرت نشرة علماء الذرة في عام 2022 العدد بنحو 90 رأساً حربياً.
كما أن إسرائيل، وهي واحدة من أربع دول فقط لم تنضم إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، لا تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش على منشأة ديمونا. وقد أكدت الوكالة أن إسرائيل "غير ملزمة بتقديم معلومات عن منشآت نووية أخرى في البلاد" باستثناء مفاعل "سوريك" البحثي.
تاريخ البناء والوضع الراهن
يعود تاريخ أعمال الحفر في الموقع، الذي يبعد حوالي 90 كيلومتراً جنوب القدس، إلى عام 2021. وكانت صور الأقمار الاصطناعية في ذلك الوقت تُظهر حفرة يبلغ طولها 150 متراً وعرضها 60 متراً. أما الصور الأخيرة، فتُظهر بناءً مكثفاً بجدران خرسانية سميكة، مما يشير إلى وجود عدة طوابق تحت الأرض.
ويأتي هذا التوسع في وقت يثير فيه مفاعل ديمونا الحالي، الذي بدأ العمل في الستينيات، مخاوف بشأن عمره الافتراضي، مما قد يجعله بحاجة إلى استبدال أو تحديث.
وفي تعليقه على الوضع، قال إدوين ليمان، الخبير النووي في اتحاد العلماء المعنيين: "لا تسمح إسرائيل بأي عمليات تفتيش أو تحقق دولي مما تفعله، ما يدفع الجمهور إلى التكهن".
بينما أضاف داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة: "إذا كان هذا مفاعلاً يعمل بالماء الثقيل، فإنهم يسعون للحفاظ على القدرة على إنتاج وقود مستهلك يمكنهم معالجته لفصل البلوتونيوم لإنتاج المزيد من الأسلحة النووية، أو أنهم يبنون منشأة للحفاظ على ترسانتهم الحالية أو لبناء رؤوس حربية إضافية".