لندن – قالت مجلة إيكونوميست في افتتاحيتها، إن العملية الانتقالية في سوريا خلال العام الأول بعد فرار الرئيس السابق بشار الأسد جرت بطريقة أفضل مما توقع كثيرون، مؤكدة قدرة الرئيس الجديد أحمد الشرع على المناورة الدبلوماسية، رغم التحديات الداخلية الكبيرة التي لا تزال أمامه لإعادة بناء دولة منهكة.
وأوضحت المجلة أن نظام الأسد روج منذ بداية الثورة عام 2011 لشعار "الأسد أو الفوضى"، محذراً أنصاره من أن غيابه سيقود البلاد إلى حرب أهلية، غير أن سنوات القمع الوحشي ضد المتظاهرين السلميين دفعت سوريا نحو أتون الحرب. ومع هجوم خاطف للمعارضة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، فر الأسد إلى المنفى، ليظهر بعدها أن سوريا قادرة على مواصلة الحياة بدون حكمه.
وأشارت إيكونوميست إلى مفارقة رئيسية، إذ ينتمي أحمد الشرع إلى الفئة ذاتها التي كان النظام يحذر منها، بعد انخراطه سابقاً في العمل الجهادي، ومع ذلك تمكن من الحفاظ على تماسك الدولة والمجتمع، على عكس توقعات الفوضى.
انفتاح دولي واستعادة الثقة الغربية
وعلى الصعيد الدولي، لفتت المجلة إلى أن الشرع نجح في تحقيق اختراقات واضحة، حيث استقبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي، وبدأت واشنطن برفع بعض العقوبات المؤقتة المفروضة خلال حكم الأسد، فيما أبدت دول الخليج حماسة أكبر تجاهه. كما يسعى الشرع لفتح صفحة جديدة مع إسرائيل، رغم تعامل تل أبيب مع مبادراته بعدائية وصفها التقرير بأنها "غير حكيمة".
وأكدت المجلة أن هذه الخطوات تعكس تحوّلاً في موقع سوريا الإقليمي، بعد عقود من الانحياز لمحور روسيا وإيران، إذ بدأت الدولة تبحث عن استقطاب استثمارات خليجية واسعة وتحسين صورتها الدولية.
الواقع الداخلي وتحديات الحكم
أما على الصعيد الداخلي، فأوضحت إيكونوميست أن سوريا لم تعد تغرق في الحرب الأهلية، ولم يسع الشرع لفرض الشريعة، حيث بقيت الحانات مفتوحة في دمشق، ولم يُفرض الحجاب أو قيود دينية على النساء، ما اعتبرته المجلة تعبيراً عن براغماتية الرئيس الجديد.
لكن التحديات الاقتصادية تبقى كبيرة، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 70% منذ 2011، ويحتاج ملايين السوريين إلى منازل ووظائف وخدمات أساسية. ورغم أن الشرع ليس مسؤولاً عن هذا الانهيار، إلا أن طريقة حكمه تثير القلق، إذ يميل إلى إنشاء هياكل موازية، مثل تشكيل هيئة جمركية جديدة تحت إدارة مقربين منه، بدلاً من تطوير وزارات الدولة الرسمية.
كما لاحظت المجلة أن الرئيس الشرع لم يقم بالكثير لطمأنة الأقليات الدينية، رغم إدانته للمجازر التي طالت علويين ودروز هذا العام، ما يترك هذه الفئات في حالة قلق من دولة يهيمن عليها السنة بقيادة رئيس ذو خلفية جهادية.
مطلوب توسيع دائرة الحكم
وترى إيكونوميست أن أول اختبار حقيقي للرئيس الجديد سيكون انعقاد البرلمان السوري المرتقب في يناير/كانون الثاني المقبل، والذي سيحدد ما إذا كان قادرًا على ممارسة الرقابة الفعلية على السلطة أم سيصبح المجلس مجرد ختم على قراراته.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول إن الشرع نجح خلال عامه الأول في منع الانهيار والحفاظ على وحدة البلاد، وهو إنجاز يستحق الثناء، إلا أن مهمته الحقيقية تبدأ الآن، وهي بناء دولة جديدة تختلف جذرياً عن النظام الفردي الذي حكم سوريا لعقود.