ads
ads

رويترز: اعتقالات واسعة وظروف قاسية في سجون سوريا بعد سقوط الأسد تثير مخاوف حقوقية

أحمد الشرع
أحمد الشرع

في الأيام الأولى التي أعقبت فتح فصائل المعارضة أبواب السجون سيئة السمعة التابعة لنظام بشار الأسد، بدأت أولى موجات الاعتقال في سوريا ما بعد الأسد، في تطور يعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، بحسب تحقيق موسع لوكالة رويترز.

ففي ديسمبر الماضي، وبينما كان سوريون يقتحمون مراكز الاحتجاز القديمة بحثًا عن أقارب اختفوا خلال سنوات حكم الأسد، وقعت أعداد كبيرة من مجندي وضباط جيش النظام السابق، الذين تركوا مواقعهم العسكرية مع انهيار السلطة، في قبضة الفصائل المعارضة التي أطاحت بالنظام.

ومع منتصف الشتاء، بدأت موجة ثانية من الاعتقالات طالت مئات من أبناء الطائفة العلوية في مناطق مختلفة من البلاد، وكان معظمهم من الرجال. وتصاعدت هذه الحملة بعد انتفاضة قصيرة في منطقة الساحل خلال مارس، أسفرت عن مقتل عشرات من عناصر الأمن، وتلتها أعمال انتقامية أودت بحياة نحو 1500 علوي، وفق ما وثقته رويترز، ولا تزال الاعتقالات مستمرة حتى اليوم.

وفي الصيف، شهدت البلاد موجة ثالثة من الاعتقالات الجماعية، هذه المرة في الجنوب بين أبناء الأقلية الدرزية، عقب أعمال عنف طائفية قُتل فيها مئات الأشخاص، وسط اتهامات لقوات حكومية بتنفيذ إعدامات ميدانية وانتهاكات جسيمة.

وبحسب تحقيق أعدته الصحفية ماغي ميشيل لصالح رويترز، طالت الاعتقالات مختلف الطوائف بذريعة الحفاظ على الأمن. واتُهم كثيرون، بينهم أفراد من الأغلبية السنية، بصلات غير محددة مع نظام الأسد، كما شملت الاعتقالات نشطاء حقوقيين، ومسيحيين قالوا إنهم تعرضوا للابتزاز مقابل المال أو المعلومات، وشيعة أوقفوا عند حواجز أمنية للاشتباه بصلاتهم بإيران أو حزب الله.

وذكرت رويترز أنها جمعت أسماء ما لا يقل عن 829 شخصًا اعتُقلوا لأسباب أمنية منذ سقوط الأسد قبل عام، استنادًا إلى مقابلات مع معتقلين سابقين وعائلات محتجزين، إضافة إلى مراجعة قوائم غير مكتملة لمحتجزين في سبعة مراكز اعتقال. وأشارت الوكالة إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير، في ظل شهادات متطابقة عن اكتظاظ السجون وغياب الشفافية.

وتوصل التحقيق إلى أن بعض السجون ومراكز الاحتجاز التي كانت تضم عشرات الآلاف من المعتقلين في عهد الأسد، عادت للعمل خلال العام الماضي، وتحتجز فيها قوات الأمن التابعة للرئيس أحمد الشرع سوريين دون توجيه تهم رسمية. وعلى الرغم من تعهد الشرع في ديسمبر 2024 بإغلاق “السجون سيئة السمعة”، وجدت رويترز أن ما لا يقل عن 28 سجنًا ومركز احتجاز من عهد النظام السابق استأنفت نشاطها.

وقالت وزارة الإعلام السورية، ردًا على أسئلة رويترز، إن عمليات الاعتقال تأتي في إطار ملاحقة المتورطين بجرائم وانتهاكات خلال حكم الأسد، مشيرة إلى أن “عدد المتورطين كبير جدًا نظرًا لحجم الجرائم المرتكبة”، وأن هناك أيضًا تهديدات أمنية وجرائم جنائية جديدة. وأضافت الحكومة أن عدد المفرج عنهم خلال العام الماضي يفوق عدد المحتجزين حاليًا، دون تقديم أرقام دقيقة.

وسلط التحقيق الضوء على ظروف احتجاز وصفها معتقلون سابقون وعائلات محتجزين بأنها “غير إنسانية”، تشمل اكتظاظًا شديدًا، ونقصًا في الغذاء والرعاية الصحية، وانتشار أمراض جلدية. كما وثقت رويترز وفاة ما لا يقل عن 11 شخصًا أثناء الاحتجاز، بينها حالات قالت عائلات إنها لم تعلم بوفاة ذويها إلا بعد دفنهم.

وأكدت شهادات عشرات المعتقلين السابقين تعرضهم لسوء المعاملة وأحيانًا للتعذيب، لا سيما في مراكز احتجاز غير رسمية، مع استمرار استخدام أساليب تعذيب معروفة منذ عهد الأسد، مثل “الدولاب” و”الشبح” و”حفلة الاستقبال”.

كما رصدت رويترز حالات ابتزاز مالي، إذ تحدثت 14 عائلة وأربعة محامين عن مطالب بدفع مبالغ تراوحت بين مئات الدولارات وصولًا إلى عشرات الآلاف مقابل إطلاق سراح محتجزين، دون ضمانات حقيقية.

من جهتها، قالت الحكومة السورية إنها فرضت إجراءات تأديبية على 84 عنصرًا أمنيًا بسبب وقائع ابتزاز، وعلى 75 آخرين بسبب أعمال عنف، مؤكدة أن وزارة الداخلية أصدرت مدونة سلوك جديدة في نوفمبر تنص على احترام حقوق الإنسان ومنع التعذيب.

ورغم أن رويترز تشير إلى أن الأوضاع الحالية لا تصل إلى مستوى الوحشية التي اتسم بها حكم الأسد، الذي شهد اختفاء أكثر من 100 ألف شخص ومقتل مئات الآلاف خلال الحرب، فإن منظمات حقوقية ترى أن الاعتقالات الجماعية والاختفاء القسري تلقي بظلال ثقيلة على حكومة الشرع، التي وصلت إلى السلطة متعهدة بطي صفحة أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.

وفي موقف دولي لافت، قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ردًا على أسئلة رويترز، إنها ملتزمة بدعم استقرار ووحدة سوريا. كما أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في بيان صدر في 5 ديسمبر، بتلقيها “روايات مروعة” عن إعدامات ميدانية وعمليات اختطاف منذ سقوط الأسد، مع صعوبة إعداد سجل شامل لحالات الاحتجاز بسبب الخوف الذي يمنع بعض العائلات من الإدلاء بالمعلومات.

ويخلص تحقيق رويترز إلى أن المرحلة الانتقالية في سوريا تكشف صراعًا بين السعي لمحاسبة المتورطين في جرائم النظام السابق، ومحاولات بناء دولة قانون، في وقت تحذر فيه منظمات حقوق الإنسان من إعادة إنتاج ممارسات الماضي تحت مسميات جديدة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً