شهدت الساحة اليمنية تصعيدًا خطيرًا للأوضاع في جنوب البلاد، بعد إعلان 11 وزارة وثلاث محافظات تأييدها لتحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى لإعلان دولة في جنوب وشرق اليمن. جاء ذلك عقب إعلان خمس وزارات أخرى في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا دعمها للمجلس الانفصالي، ما يزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في اتخاذ موقف حقيقي تجاه وحدة البلاد.
المراقبون يشيرون إلى أن هذا الانحياز يضع الوحدة اليمنية في زاوية ضيقة، ويحوّل الواقع على الأرض لصالح المجلس الانتقالي، حيث بات يمتلك السيطرة الفعلية على محافظتي حضرموت والمهرة، بينما تظهر الحكومة المركزية عاجزة عن إدارة الأوضاع هناك. ويقول محللون إن رئيس مجلس القيادة مطالب الآن بالتحرك بشفافية، ومخاطبة التحالف العربي، والجامعة العربية، ومجلس الأمن، والضغط على المجتمع الدولي بلهجة واضحة وصارمة، لضمان الحفاظ على وحدة الدولة اليمنية.
المجلس الانتقالي لم يكتف بالتحركات العسكرية، بل واصل تصعيده السياسي عبر اعتصامات شعبية في المحافظات الجنوبية والشرقية، داعية إلى الانفصال، ما يعزز من موقعه كسلطة أمر واقع، وينزع الشرعية عن الحكومة المعترف بها دوليًا. هذا الواقع الجديد يعني أن اتفاق نقل السلطة لعام 2022، واتفاق الرياض 2019، أصبحا أمام اختبار مصيري.
أسماء الوزارات والمحافظات المنحازة للانتقالي شملت وزارات النقل، والشؤون القانونية وحقوق الإنسان، والكهرباء والمياه، والإدارة المحلية، والتخطيط والتعاون الدولي، والاتصالات وتقنية المعلومات، إضافة إلى المؤسسة العامة للكهرباء، والهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، بينما جاءت محافظات عدن وأرخبيل سقطرى وأبين ضمن الداعمين للانتقالي. وأصدرت قيادات هذه الوزارات والمحافظات بيانات رسمية أكدت تأييدها الكامل للمجلس الانتقالي وقواته، والالتزام بالتوجيهات الصادرة عن رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي.
اللافت أن بعض الوزراء المنحازين ينتمون لأحزاب سياسية أخرى، كوزير التخطيط والتنمية واعد باذيب المحسوب على الحزب الاشتراكي اليمني، ما أثار تساؤلات حول موقف الأحزاب الوطنية من هذه التحركات، كما عبّر ناشطون عن استيائهم من صمت رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، معتبرين أن عدم اتخاذ موقف واضح يعني التفريط بمبادئ الدولة الجامعة.
وقال الصحافي محمد الخامري: "القيادة الرشيدة لا تُقاس بطول البيانات، بل بوضوح البوصلة والانحياز الصريح لمبادئ الدولة"، فيما حذر محمد العمدة، رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، من اعتبار الصمت حيادًا، واصفًا ما يقوم به الانتقالي بأنه "انقلاب صريح على الدولة".
دوليًا، أعلنت بريطانيا وفرنسا دعمها للحوار ووحدة اليمن، وأكدت التزامها بسيادته وسلامة أراضيه، حيث قالت سفيرة فرنسا لدى اليمن كاثرين كمون إن باريس تدعم جهود مجلس القيادة والحكومة، وتدعو إلى التهدئة والحوار، فيما أكدت سفيرة المملكة المتحدة عبده شريف على أهمية وحدة اليمن وسيادته.
في المقابل، أوضح نائب وزير الخارجية مصطفى النعمان أن المجلس الانتقالي حاول التواصل مع الحكومة الأمريكية دون استجابة، معبرًا عن مخاوفه من الوصول إلى "نقطة اللاعودة" وتحول الجنوب إلى دويلة منفصلة على غرار أرض الصومال.
مع هذا التصعيد، يبدو أن اليمن يقف على مفترق طرق تاريخي، بين الحفاظ على وحدته أو انزلاق الجنوب نحو واقع جديد، تتحكم فيه قوة الواقع على الأرض أكثر من الشرعية السياسية والقانونية.