تشكل التوغلات الإسرائيلية المتكررة في محافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا مؤشرًا واضحًا على استمرار التوتر في المنطقة الحدودية، ويعكس تعقيدات الصراع السوري الإسرائيلي بعد سنوات طويلة من الهدوء النسبي الذي أعقب اتفاقية فصل القوات عام 1974. هذه التحركات العسكرية، التي شملت انتهاك سيادة القرى الجنوبية وعرقلة حركة السكان، تمثل أكثر من مجرد عمل عسكري محدود؛ فهي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى فرض النفوذ والسيطرة على مناطق حساسة من الناحية الجغرافية والاقتصادية.
الأبعاد العسكرية للأحداث
التوغلات الأخيرة، التي انطلقت من منطقة "تل أحمر" وشملت قرى "كودنة" و"عين زيوان" و"سويسة"، تشير إلى قدرة القوات الإسرائيلية على تنفيذ عمليات استيطانية محدودة داخل الأراضي السورية بسهولة نسبية، مستغلة الفوضى الأمنية والفراغ الناتج عن النزاعات المحلية. استخدام سيارات "همر" المسلحة والتفتيش الميداني يعكس رغبة إسرائيل في جمع المعلومات الاستخباراتية والسيطرة على الحركة المحلية دون الدخول في صدام واسع النطاق.
استهداف البنية التحتية الحيوية
القصف المستهدف لسد "المنطرة"، المورد الأساسي للمياه في القنيطرة، يضيف بعدًا استراتيجيًا لهذه العمليات. السيطرة على مصادر المياه وتهديد المدنيين الذين يعتمدون عليها، يعكس نمطًا من الحرب غير المباشرة يهدف إلى الضغط على السلطات المحلية وخلق حالة من عدم الاستقرار، ما قد يسهل التوغل العسكري أو النفوذ السياسي على المدى الطويل.
أثر الاعتداءات على المدنيين
تكرار الاعتداءات على المدنيين، بما في ذلك الهجمات على الأطفال والنساء أثناء جمعهم للنباتات البرية، يؤكد استمرار السياسات الإسرائيلية في توسيع نطاق السيطرة عبر الاستهداف المباشر للمدنيين لخلق حالة من الرعب والضغط النفسي، وهو ما يزيد من هشاشة المجتمعات المحلية ويجعلها أقل قدرة على المقاومة أو التنسيق الأمني المحلي.
السياق السياسي والاستراتيجي
تأتي هذه التوغلات في وقت حساس سياسيًا، إذ تجري مفاوضات سورية إسرائيلية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق أمني طويل الأمد. دمشق تشترط في أي اتفاق عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ديسمبر 2024، في محاولة لاستعادة السيطرة على المناطق العازلة. من ناحية أخرى، تظهر إسرائيل استغلالها للفراغ الأمني والانهيار الجزئي للاتفاقات السابقة لتعزيز نفوذها على الحدود، ما يعكس استمرار تعقيد الملف السوري الإسرائيلي وعدم وجود أفق واضح لحل النزاعات.
الخلاصة
التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة ليست مجرد خروقات محدودة؛ بل هي استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل الضغط العسكري، النفوذ السياسي، واستهداف البنية التحتية الحيوية. ومع استمرار المفاوضات الأمنية، يبقى الملف القنيطري ساحة اختبار لقدرة كل طرف على تحقيق أهدافه دون الانزلاق إلى صدام شامل، في وقت تتشابك فيه مصالح القوى الإقليمية والدولية، مما يجعل الوضع في المنطقة متقلبًا للغاية وحساسًا لكل تحرك عسكري أو سياسي.