ads
ads

نتنياهو يرفض الاعتراف بانتهاء الحرب… مأزق عسكري وحسابات سياسية، والجميع رابح ما عدا إسرائيل

ترامب ونتنياهو
ترامب ونتنياهو

رغم مرور شهور على تراجع حدة المواجهات على مختلف الجبهات، لا تزال الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، ترفض الاعتراف رسميًا بانتهاء الحرب، متمسكة بخطاب أمني متصاعد وتهديدات متكررة لإيران ولبنان، في وقت يزداد فيه المأزق العسكري والسياسي تعقيدًا، ويبدو أن كلفة هذا النهج لا يتحملها سوى إسرائيل وحدها.

وتثير التصريحات الإسرائيلية المتزايدة حول احتمال توسيع المواجهة شمالًا، وإعادة فتح جبهة لبنان بذريعة استعادة حزب الله لقوته، تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التهديدات تعكس خطرًا حقيقيًا ووشيكًا، أم أنها جزء من مناورة سياسية داخلية وخارجية. فإيران، رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة، عادت جزئيًا إلى إنتاج صواريخ أرض–أرض، لكنها في الوقت نفسه تضررت بنيتها التحتية الصاروخية بشكل أعادها سنوات إلى الوراء، بينما لا تظهر مؤشرات جدية على استئناف مسارها النووي في المدى القريب. وفي هذا السياق، تبدو العقوبات الاقتصادية أداة الضغط الأكثر فاعلية، وإن لم يكن واضحًا أنها تمثل أولوية قصوى لدى واشنطن.

ويرى مراقبون أن الخطاب العدائي الصادر من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يضيف جديدًا على المستوى الأمني، بقدر ما يساهم في شحن الأجواء وخلق انطباع دائم بأن الحرب لم تنتهِ، حتى في ظل غياب حاجة فعلية إلى جولة قتال ثانية. فحزب الله، وفق التقديرات نفسها، لم يتعافَ من آثار الحرب، وتضررت أكثر من 70% من قدراته، ولا يزال بعيدًا عن استعادة فاعليته الهجومية. كما أن التغيرات في سوريا قطعت خطوط إمداده الرئيسية، وقدرته على إعادة بناء قوته محدودة، خاصة في ظل أزمته المالية الخانقة وتراجع الدعم الإيراني واضطراره لبيع أصول عقارية لتأمين التمويل.

محاولات الحزب لإعادة بسط نفوذه جنوب الليطاني لم تحقق نجاحًا يُذكر، باستثناء تسلل محدود لبعض العناصر، بينما يتحرك الجيش اللبناني ضده في الجنوب، مع خطط لتوسيع هذه التحركات شمال الليطاني خلال العام المقبل. ورغم أن هذه الخطوات ليست واسعة النطاق، فإن أثرها ملموس، إذ يواجه الحزب صعوبات في إعادة بناء هياكله القيادية ومستودعاته، باستثناء نطاق ضيق في الضاحية. كما يرفض كثير من السكان التعاون معه أو تأجير عقارات لخدمته. ويُضاف إلى ذلك ضعف القيادة الجديدة، حيث يُنظر إلى الأمين العام نعيم قاسم باعتباره شخصية تفتقر للكاريزما، وهو ما انعكس في غياب رد فعلي على اغتيال رئيس الأركان طبطبائي.

رافعة ضغط أم أداة بقاء سياسي؟

في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: لماذا تصر إسرائيل، التي منحت نفسها حرية استهداف أي هدف في لبنان حتى على المستوى التكتيكي، على التلويح بحرب شاملة وكأنها على وشك الانطلاق؟ أحد التفسيرات أن التهديد بحد ذاته يشكل وسيلة ضغط على الحكومة اللبنانية لتسريع تفكيك حزب الله، في ظل بطء الإجراءات وعدم الالتزام الكامل بالمهل الأمريكية المفترضة قبل نهاية السنة. كما تُستخدم هذه التهديدات لدفع رئيس الحكومة اللبنانية إلى توسيع دور الجيش في مناطق إضافية.

لكن مراقبين يشيرون إلى أن الحديث عن مناورة برية في جنوب لبنان لا يرتبط فعليًا بالمناطق التي يحاول الحزب استعادة نفوذه فيها، والتي تتركز أساسًا في بيروت والبقاع. ويرون أن أي توغل بري سيعيد إنتاج نموذج الحزام الأمني القديم، بما يمنح شرعية لعودة الحزب ويُضعف الحكومة اللبنانية، وهو ما لا يخدم المصالح الإسرائيلية.

العنصر الثاني في سياسة التهديد يتمثل في السعي لكسب نفوذ لدى الإدارة الأمريكية. فالتلويح بمهاجمة إيران يمنح نتنياهو ورقة ضغط لاستعادة مكانته لدى واشنطن، بعد تراجع مصداقيته إثر الحرب في غزة وابتعاد الإدارة الأمريكية عنه لصالح قادة عرب. أما في الملف اللبناني، فيسعى إلى مقايضة تخفيف الضغط شمالًا بتحقيق مكاسب في غزة، خصوصًا فيما يتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية. أما الدافع الأكثر حساسية، فيكمن في الحاجة السياسية الداخلية للإبقاء على أجواء الحرب، باعتبارها وسيلة للحفاظ على السيطرة وتعبئة الرأي العام، خاصة مع اقتراب الانتخابات وتزايد الضغوط القضائية.

الجميع مستفيد… إلا إسرائيل

الرواية الرسمية السائدة داخل إسرائيل تقوم على أن الحرب لم تنتهِ، بل هي هدنة مؤقتة، تُستخدم لتبرير سياسة أمنية متشددة باعتبارها درسًا مستخلصًا من هجوم 7 أكتوبر، الذي جرى تحميل مسؤوليته للمؤسسة العسكرية وحدها. غير أن هذه الرواية تتجاهل سياسة الاحتواء والهدوء التي اتبعها نتنياهو لأكثر من عشر سنوات، والتي سمحت بتعاظم قوى مثل إيران وحزب الله وحماس.

وعلى الرغم من أن القتال في لبنان وسوريا انتهى منذ أكثر من سنة، وفي غزة منذ نحو ثلاثة شهور، لم تُقدم الحكومة الإسرائيلية على أي إعلان رسمي بإنهاء الحرب، بل تفضل إبقاء الوضع رماديًا. هذا الخيار مكلف للغاية: تعطيل لجان التحقيق، فشل في إعادة تأهيل الشمال، إهمال عشرات الآلاف من المتضررين، وتزايد العزلة الدولية. لكن الفوضى، وفق منتقدي الحكومة، أصبحت أداة للبقاء السياسي، حيث يُعوَّض تراجع الحرب بالتصعيد الداخلي والانقسام.

ولا يقتصر الأمر على التقاعس عن دعم الاتفاقات السياسية في غزة ولبنان وسوريا، بل يتعداه إلى العمل على إفشالها. ففي حين تُجرى لقاءات إقليمية ودولية لوضع أطر للمرحلة الثانية، تجد إسرائيل نفسها خارج دائرة التأثير الحقيقي، رغم أنها المتأثرة الأولى بالنتائج. وحتى محاولات استعادة الدعم عبر صفقات جانبية، مثل اتفاقيات الطاقة، لم تُسهم في تحسين موقعها السياسي.

جيش في مأزق وسياسة تعود من الخلف

الجيش الإسرائيلي نفسه يعيش حالة مأزق، إذ تدفعه صدمة 7 أكتوبر وشعوره بالذنب إلى التماهي مع سياسة الحكومة، فيشن ضربات متواصلة على أهداف محدودة وكأنها تهديدات استراتيجية، ما يهدد بتقويض اتفاقات وقف إطلاق النار الهشة. ومع الحديث عن انتقال قريب إلى المرحلة الثانية في غزة، يبرز مأزق آخر يتمثل في إعادة الإعمار، إذ لا تمويل دوليًا في ظل استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية.

ومع تآكل رؤية نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية، تعود سياسة الإبقاء على حماس كأمر واقع، واعتبار الحرب خيارًا دائمًا بدل البحث عن حل. وباستثناء ملف الرهائن، تآكلت معظم إنجازات الحرب، وفشل الهدف المعلن بتفكيك حماس ونزع سلاحها.

في المقابل، استفادت أطراف عدة: الولايات المتحدة التي عززت حضورها ونفوذها، وتركيا التي وسعت دورها الإقليمي، وقطر التي حصدت اتفاقيات استراتيجية، والسعودية التي حصلت على أنظمة تسليح متقدمة، ومصر التي عززت موقعها عبر اتفاقيات طاقة واستثمارات كبرى. جميعهم، وفق هذا المشهد، يراقبون تراجع مكانة إسرائيل وعزلتها المتزايدة.

ويرى منتقدو الحكومة أن استمرار هذا المسار لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة الداخلية والخارجية، معتبرين أن الطريق الوحيد لتفادي مزيد من التدهور هو كسر حلقة التصعيد السياسي، وتحميل المسؤوليات، وفتح الطريق أمام انتخابات مبكرة تعيد رسم المشهد من جديد.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً