ads
ads

المنسيون : أهل مصر تعيد للأذهان مأساة اللاجئين الفلسطينيين الصامتة في سوريا وسط تحولات 2025

المخيمات الفلسطينية
المخيمات الفلسطينية

في وقت ينشغل فيه المجتمع الدولي بإعادة رسم المشهد السياسي في سوريا عقب التحولات الكبرى التي شهدها عام 2025، تتفاقم مأساة اللاجئين الفلسطينيين بعيدًا عن الأضواء، في مشهد يصفه مراقبون بأنه «نكبة ثالثة» لا تتخذ طابعًا عسكريًا مباشرًا، بل تتجسد في أزمات قانونية ومعيشية ووجودية تهدد مستقبلهم وهويتهم.

وتقف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، التي لطالما وُصفت بأنها «خزان الكرامة» وذاكرة القضية الفلسطينية، عند مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تُبعث من جديد بعد سنوات من الدمار، أو تذوب تدريجيًا في دوامة لجوء متجدد، يهدد بتفكيك المجتمع الفلسطيني وطمس حقوقه التاريخية.

اختبار وجودي غير مسبوق

يمثل عام 2025 أحد أصعب الأعوام التي يمر بها الوجود الفلسطيني في سوريا منذ نكبة عام 1948. فالمعاناة لم تعد مقتصرة على النزوح والفقر، بل تطورت إلى أزمات تمس جوهر الهوية والحقوق، وفي مقدمتها ملف المفقودين قسرًا وضياع الحقوق العقارية، في ظل انهيار اقتصادي حاد جعل تأمين متطلبات الحياة اليومية تحديًا شبه مستحيل.

وتشير معطيات ميدانية إلى أن أكثر من 65 في المئة من البنية التحتية في معظم المخيمات الفلسطينية لا تزال غير صالحة للسكن، ما يحوّل هذه المناطق من تجمعات سكنية مدمرة إلى ساحات صراع قانوني وسياسي للدفاع عن الأحقية والهوية.

الملكية والهوية تحت التهديد

يبرز ملف الملكيات العقارية كأحد أخطر التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين، إذ أدى فقدان وثائق الملكية خلال سنوات الحرب إلى تهديد أكثر من 40 ألف وحدة سكنية، يُخشى أن تبتلعها المخططات التنظيمية والقوانين العقارية الجديدة. ويؤكد مختصون أن المسألة لا تتعلق بضياع أملاك فحسب، بل بمحاولة لمحو الذاكرة الفلسطينية وتقويض حق العودة عبر أدوات قانونية وتنظيمية.

وفي موازاة ذلك، لا يزال ملف المعتقلين والمفقودين قسرًا جرحًا مفتوحًا في الوجدان الفلسطيني. وتوثق منظمات حقوقية، من بينها «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا»، آلاف الحالات، وسط مطالبات متواصلة بالكشف عن مصيرهم، في قضية باتت تشكل قنبلة اجتماعية موقوتة داخل المخيمات.

فراغ قانوني وأزمة اجتماعية

وتشير تقديرات حديثة إلى وجود نحو 5 آلاف طفل وزوجة يعيشون بلا ولاية قانونية نتيجة غياب أو فقدان معيل الأسرة، ما يحرمهم من أبسط حقوقهم، مثل استخراج الوثائق الرسمية أو الحصول على المساعدات الإنسانية، ويضعهم في حالة يُطلق عليها حقوقيون «الموت المدني».

انهيار اقتصادي وهجرة متصاعدة

على الصعيد المعيشي، تجاوز الانهيار الاقتصادي كل التوقعات، إذ وصلت معدلات الفقر بين الفلسطينيين في سوريا إلى نحو 92 في المئة. كما فقدت المساعدات النقدية التي تقدمها وكالة «الأونروا» نحو 70 في المئة من قيمتها الشرائية بسبب التضخم، ما جعل تأمين الغذاء الأساسي أمرًا بالغ الصعوبة.

وأدى هذا الواقع إلى موجة هجرة متزايدة، حيث فقدت المخيمات نحو 15 في المئة من فئة الشباب خلال عام 2025 وحده، وهو ما ينذر بتفريغ المجتمع من طاقاته الإنتاجية وتحويله إلى مجتمع يعتمد كليًا على الإعالة.

مطالب بتحرك عاجل

في ظل هذا المشهد القاتم، تتعالى الأصوات المطالبة باستراتيجية شاملة تتجاوز الإغاثة المؤقتة، وتشمل توثيق الملكيات عبر سجل عقاري رقمي مدعوم دوليًا، وإطلاق خطط لإعادة إعمار المخيمات، والضغط للكشف عن مصير المعتقلين، إضافة إلى تطوير برامج «الأونروا» لدعم المشاريع الصغيرة وربط المساعدات بمؤشرات التضخم.

كما تدعو المقترحات إلى تفعيل التنسيق مع السلطات السورية لتسهيل عودة اللاجئين إلى مخيماتهم، وإدراج ملف المعتقلين الفلسطينيين ضمن أجندة حقوق الإنسان الدولية، إلى جانب إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والمرافق الحيوية.

مسؤولية تاريخية

ويرى متابعون أن عام 2025 يشكل محطة مفصلية في تاريخ المخيمات الفلسطينية بسوريا، فترك اللاجئين يواجهون الانهيار الاقتصادي والضياع القانوني بمفردهم لا يهدد حاضرهم فحسب، بل يشكل خطرًا مباشرًا على حق العودة، عبر تفكيك المجتمع ودفع أجياله الشابة نحو المنافي البعيدة.

وبين خيار حماية هذه «القلاع الاجتماعية» بما تمثله من شهادة حية على القضية الفلسطينية، أو الاستعداد لموجات لجوء جديدة وضياع حقوق لا تُسترد بالتقادم، تبقى المسؤولية اليوم تاريخية بكل المقاييس.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً