تجلس ست الشاى على أحد مداخل السوق العربي في الخرطوم ويتحلق حولها عدد من كبار السن يتذكرون مشاهد من قمة اللاءات في الخرطوم التي انعقدت بعد أسابيع من هزيمة مصر في حرب 1967 م أمام عدون إسرائيلي كاسح احتل الجيش الإسرائيلي على أثره أراضي مصرية وأردنية وسورية وفلسطينية ورفعت العلم الإسرائيلي على القدس الشريف. يرشف السودانيون الشاى المسكر بشكل مبالغ فيه من " كبابي" ست الشاى وهم يمزجون ذكريات قمة اللاءات بالخرطوم بالسخرية من المشهد العربي بالكامل بعد أن تحول هذا المشهد إلى ملهاة كبيرة تدور فيها تفاصيل مسرحية عبثية تقوم فيها إسرائيل بدور امرأة لعوب تغري كل الرجال لتحصل في نهاية المطاف على مبتغاها، ويحصل الرجال منها مبتغاهم ولكن لا أحد من الطرفين يحب الآخر ! ويذكر السودانيون والعرب كيف أسهم مؤتمر القمة العربية الرابعة الذي عقد بالخرطوم، في 29 أغسطس/آب 1967، في وقف حالة التيه التي شهدها العالم العربي والإسلامي بعد خسارة الحرب التي عرفت بـ"النكسة". وعُرفت تلك القمة باسم "اللاءات الثلاثة"، وأخذت الخرطوم الاسم نفسه "عاصمة اللاءات الثلاثة"، واللاءات الثلاثة هي: "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل". ومنذ تلك "اللاءات" ظلت الخرطوم ترفض تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، على مستوياتها الرسمية والشعبية، ويذكر السودانيون إلى وقت قريب أن جوازات سفرهم هي الوحيدة التي تنص على صلاحيتها للسفر لكل العالم "ما عدا إسرائيل".
بعد أيام من لقاء الفريق عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو قدم مدير السياسة الخارجية للمجلس السيادي في السودان، الأربعاء، استقالته احتجاجا على اللقاء
وقال رشاد فراج الطيب السراج، في رسالة الاستقالة "بعد سنوات حافلة بالعطاء، أجد اليوم عسيرا ومستحيلا على نفسي الاستمرار في موقعي، إذ يتعين علي أن أخدم في حكومة يسعى رأسها للتطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل القدس الشريف ويقتل أهلنا في فلسطين ويعربد في أوطاننا العربية دون رادع". وأضاف "إن أمانة التكليف تقضي أن أقدم استقالتي قبل أن أرى أعلام الكيان الصهيوني ترفرف على سارية القصر".
من ناحيته قال البرهان إن هناك محادثات تحضيرية سبقت اللقاء بثلاثة أشهر تمت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وأوضح أن الهدف من اللقاء مع نتانياهو هو "رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب". وذكر البرهان أن اللقاء تم بعلم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبله بيومين. وأكد أن "السودان الآن يمر بضغط اقتصادي ويحتاج لقرارات جريئة ترفع من الواقع الذي يعانيه الشعب السوداني"، وقال:" نتوقع أن يعود علينا بفوائد كبيرة".