عانت صناعة السينما والدراما في مصر بشكل كبير، قبل ثورة 30 يونيو 2013؛ بسبب تقديمها أشكالا كثيرة للبلطجة بالمجتمع في وقت عمت فيه الفوضى البلاد، حتى اقتبس من لديهم ميول إجرامية مشاهد العنف والقتل من السينما ونفذوها على أرض الواقع في الكثير من الحوادث المؤلمة، لتكون هذه الأعمال سببًا في جعل البلطجي نموذجًا للشاب المصري الذي يترعرع في المناطق الشعبية، ويتحول إلى نكرة في عيون المجتمع.
ومن بين هذه الأفلام "إبراهيم الأبيض"، الذي يعد أول الأعمال التي حثت على البلطجة في السينما المصرية بشكل كبير، وتم إنتاجه عام 2009، وقدم فيه أحمد السقا شخصية طفل شهد مقتل أبيه على يد عصابة كبيرة لتجارة المخدرات، ومن ثم تمنى أن يكبر حتى ينتقم منهم، وبالفعل تدرب وأصبح بلطجيا كبيرا حتى انضم إلى هذه العصابة لينال مراده، وليكسب ثقتهم شارك معهم فى العديد من عملياتهم الخطيرة، لكن انتهى به المطاف بحرقه وتمزيق جسده فى مشهد سالت فيه كمية دماء كبيرة على يد زعيم العصابة الفنان محمود عبد العزيز بعدما اكتشف خيانته.
وهناك أيضًا "قلب الأسد" و"عبده موتة"، و"الألماني"، التي تعود إلى صاحبها الفنان محمد رمضان أبرز من برع فى تأدية هذه الأدوار، خصوصًا وأنها كانت بداية علاقته مع الجمهور وبزوغ نجوميته الكبيرة على الساحة الفني؛ مما عرضه وقتها للكثير من الهجوم والانتقادات الشديدة سواء من الإعلام والصحافة، أو النقاد الفنيين، الذي اتهموه بإفساد الذوق العام.
ولم تتوقف الأزمة عند هذه الأعمال في هذه الفترة، فجاءت أيضًا أفلام مثل: "الجزيرة" 2007، و"صرخة نملة" 2011، و"القشاش" 2013، و"8%" 2013، وغيرها من الأعمال التي انتشرت في هذه الفترة خصوصًا التي أطلق عليها مصطلح "أفلام السبكي" والتي كانت بها الكثير من الأفلام السابق ذكرها، مثل أعمال "محمد رمضان" والتى اتخذت من الغريزة هدفا لها فأصبحت تشيع الفساد وتنشره بين الشباب خاصة المراهقين كما النار في الهشيم، وأصبح الشارع المصري ساحة لأعمال البلطجة وترويع المواطنين من خلال التعدي عليهم.
ظل السينما والدراما في مصر تعاني من مثل هذه الأعمال، حتى جاءت ثورة 30 يونيو، التي كان لها أثرًا عظيمًا في عودة القوة الناعمة إلى مكانتها الطبيعية وريادة مصر مرة أخرى عبر تقديم الأعمال المميزة، والتي جاءت لتستعيد مصر كل شيء من جديد وليس ريادتها الفنية فقط بل السياسية والاقتصادية أيضًا، وعلى الرغم من الظروف التي عاشتها مصر طوال هذه الفترة؛ والتي أدت إلى قلة الأعمال السينمائية والدرامية، إلا أن في السنوات القليلة الماضية اتخذت الأعمال التي تقدم شكلا مميزا من حيث جودتها وطرح موضوعاتها، وخاصةً الأعمال الوطنية التي تناشد الوعي لدى الشباب والجيل الحالي، من أجل التصدي إلى الغزو الفكري الذي يلعب عليه الجماعات الإرهابية.
فقدم صناع السينما والدراما أعمال مهمة، مثل مسلسل "كلبش" بأجزائه الثلاثة، والذي خاض بطولته الفنان أمير كرارة، و"الاختيار" بجزأيه، و"هجمة مرتدة"، لأحمد عز، و"القاهرة كابول" لطارق لطفي، وأفلام "الممر" لأحد عز، و"حرب كرموز" لأمير كرارة، وفيلم "السرب" المقرر طرحه قريبًا.
ومن جانبه قال الناقد الفني طارق الشناوي، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، إن مسلسل "الاختيار" وخاصةً الجزء الثاني، هو أكثر عمل استطاع أن يظهر قوة التأثير سواء كان على المستوى الفني، أو التوثيق التاريخي الجيد جدًا، لكافة المراحل التي مرت بها مصر منذ 2011 حتى ثورة 30 يونيو، وإظهار الحقائق التي قد تكون غابت عن البعض، مؤكدًا على أن هذا لا يعني أن تكون كل الأعمال التي تقدم خلال الفترة المقبلة "وطنية"، فلابد أن أن تكون الأعمال متنوعة، ولكن ليس بتقديم البلطجة فهي شئ مرفوض، ومن الممكن أن نحاربها بالدراما، وليس إبرازها للمجتمع.
وأضاف أن الوقت بات مناسبًا لزيادة عدد الأفلام التى تدور حول ثورة 30 يونيو، خاصةً أن فترة زمنية طويلة مرت نستطيع من خلالها الحكم الصائب على الأشياء، متابعًا: كما قدمنا فيلمًا سينمائيا تاريخيا عن انتصارنا فى حرب أكتوبر عام 1973 فنحن أكيد بحاجة أيضا لفيلم سينمائي عن ثورة 30 يونيو المجيدة التى أعادت مصر إلى مكانتها الطبيعية وهي الريادة".
وأضاف "الشناوي" أن الأعمال الوطنية التي تقدم لا يهم إذا كانت بالعدد، ولكن المهم هو حجم تأثيرها، مشيرًا إلى أن فيلم "الممر" على الرغم من أنه يدور حول الهزيمة إلا أنه كان مؤثرًا جدًا، ويعتبر عملا وطنيا كبيرا جدًا، مؤكدًا على أن فيلم "الممر 2" الذي سيدور حول حرب أكتوبر سيكون أقوى.
وفيا يخص الأعمال الوطنية التي تقدم خلال الفترة المقبلة، أشار طارق الشناوي إلى أنه لابد من تقديم دور الجيش الأبيض، في إنقاذ مصر من فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، والتضحيات التي قاموا بها من أجل الجميع، وأيضًا قطاعات كثيرة كان لها دور كبير في هذه الأزمة، موضحًا أن الأعمال الوطنية ليست فقط للقوات المسلحة أو الشرطة المصرية.