محمد خفاجي: القاضى الإداري انتصر للدولة وابتدع نظرية السياسات التنموية المتغيرة

الدكتور محمد الخفاجي
الدكتور محمد الخفاجي

قال الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة خلال المناقشة العلنية لرسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث أحمد محمد البوشى، رئيس النيابة العامة بالخانكة بالقليوبية، والتى أجريت بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، إن القاضى الإدارى يلعب دورا جوهريا فى حماية امتيازات الجهات الإدارية فى إنهاء العقد الإدارى بإرادتها المنفردة دون خطأ من المتعاقد معها، وفقا لنظرية ابتدعها القاضى الإدارى وهى نظرية تغير حاجات المرافق، وبغير أن يحتج عليها بقاعدة الحق المكتسب أو بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين لأن طبيعة العقود الإدارية وأهدافها يحكمها مبدأ حسن سير المرافق العامة وهى تفترض دائما تغير ظروف وملابسات العقد وطرق تنفيذه تبعا لمقتضيات حسن سير المرفق العام وانتظامه، والإدارة حينما تستعمل سلطتها فى إنهاء العقد إنما تستعمل حقاً وسلطة لا تستمدها من نصوص العقد بل من النظام العام لسير المرفق العام والذى يحكم حسن سيرها وانتظامها فى أداء خدماتها؛ فللإدارة دائما هذه السلطة إذا قدرت أن ظروفا استجدت تستدعى هذا الانهاء كما إذا العقد غير ذى فائدة للمرفق العام أو أضحى لا يحقق المصلحة العامة المقصودة فى ضوء تغير ظروف الحال عنها وقت التعاقد وليس للطرف الأخر سوى حق التعويض إن توافرت شروط استحقاقه.

وأضاف الفقيه الدكتور محمد خفاجى، أن القاضى الإدارى ابتدع نظرية جديدة فى سلطة الإدارة فى إنهاء العقد الإدارى دون خطأ من المتعاقد معها تتماشى مع الفكر الاستراتيجى للدولة المتمثل فى نظرية جديدة هى نظرية 'السياسات التنموية المتغيرة التى تنتهجها الدولة'، وأن النهوض بالثروة الزراعية والثروة الحيوانية وتوفير خدماتها والارتقاء بمستواها بات يمثل ركناً أساسياً من اهتمامات الدولة ومحوراً جوهرياً لها، خاصة في مجال الأراضي الصحراوية خارج نطاق مرامي الوادى، أى أن للقاضى الإدارى دور عظيم بشأن تمتع الإدارة بامتيازات السلطة العامة فى مجال الأراضي الصحراوية للوصول بالأراضي العجفاء وأجوائها الرمضاء إلى مروج خضراء وحقول غلباء تسعف رمقها فتتبدل أحوال الخارطة الزراعية للبلاد فتزخرف أراضيها بمساحات خضراء تطغي على سائر ربوعها فتستحيل ناضرة كمنهل لا ينضب.

وأشار الدكتور محمد خفاجى إلى أن القاضى الإدارى سطر فى أحكامه تطورا نشد فيه أهمية استغلال الأراضي الصحراوية واستصلاحها في الزراعة أو الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها من قبل الأفراد والجهات الخاصة كوسيلة يُتطلع إليها للوصول بالتنمية الزراعية واستثماراتها وما قد يرتبط بها من تنمية للثروة الحيوانية والداجنة إلى آفاق النماء والحداثة , لذلك أصبحت إدارة هذه الأراضي في قبضة الدولة تهيمن على التصرف فيها واستغلالها وإدارتها وأمسى التصرف في الأراضي الصحراوية للأفراد والجهات الخاصة أو تأجيرها وفقا لذلك يمثل أحد أدوات الدولة في التنمية الزراعية والاستصلاح فقاطرة التنمية الزراعية في هذا الصنف من الأراضي تسير من خلال جهود القطاع الخاص الذي بات يشكل أحد وسائل الدولة في هذا المجال , وللدولة استصدار القرارات اللازمة لتحقيق موجبات استغلالها أو بيعها من خلال السير على درب من الإجراءات والضوابط التي نص عليها المشرع وذلك بغية تحقيق هدف وحيد وهو استصلاح تلك الأراضي واستزراعها ومن ثم تحقيق أهداف الدولة التي تصبو إليها لتحويل الأراضي الجدباء إلى ربوع خضراء ومن ثم السمو بالتنمية الزراعية وتحقيق مراد الدولة منها.

وأوضح أنه إذا كانت مآرب الأفراد نحو تملك أراضي الدولة لا تتغير بتغير الزمان والمكان وتدور حول بواعث شخصية فإن قبول الدولة للتعاقد قد يتغير وتتبدل أحواله بتبدل أحوال وظروف مناحي التيارات الاقتصادية والتنموية التي تهب على البلاد، إذ قد يصدر قبول لطائفة من الأفراد بتملكهم مساحات من أراضي الدولة في ظل سياسات وموجبات تبرره , ثم ينقلب الأمر على خلاف ذلك لطائفة أخرى في حقبة زمنية مختلفة ويصير أمر التملك متعارضاً مع سياسات تنموية مستحدثة حلت محل سابقتها , ومن ثم توصد الدولة هذا الباب , لذا فقد حمى القاضى الإدارى امتيازات الإدارة فى هذا الشأن بحريتها فى تحديد الوقت الذى تراه للتعاقد أو رفض التعاقد بلا غضاضة في ذلك بحسبان أن اعتبارات المصلحة العامة لصيقة بمسألة تنفيذ سياسات الدولة الاقتصادية والتنموية وهذه السياسات بطبيعتها خاضعة لمنطق التغيير الدائم الذي لطالما لا يثبت على حال , لكونه يوائم احتياجات الدولة ومتطلباتها التي هي أيضاً بطبيعتها متغيرة , لذا كان القاضى الإدارى حصيفا فى أنه لا يلقى اللائمة على الدولة في هذا المسلك دون تثريب إن هي لم تقبل 'إيجاب' صادر من صاحب الشأن بموجب طلب مقدم منه لكونها عدلت مسار سياساتها في تملك الأراضي التي في جعبتها كانعكاس لتغير سياسة الدولة في هذا المضمار , فلا يتحدى في هذا الشأن بسابقة موافقتها لطائفة من الأفراد بالتملك في ذات النطاق الجغرافي المرفوض لطائفة أخرى لكون هذا الأمر يجد مردوده في تغير سياسات الدولة التنموية.

واختتم الدكتور محمد خفاجى هذه النقطة أن قرارات الدولة كيان لا ينفرط عنها، فإن هى رفض الطلب المقدم من أصحاب الشأن على هذا الوجه لا يستنبط منه بالضرورة إنه إسقاط منها للمشروعية ولا يفسر على إنه ضرب من ضروب التعسف في استعمال السلطة أو صورة من صور الانحراف بها ولا يعني البتة إنه تحدي منها لقاعدة المساواة في الحقوق بين الأفراد المنتفعين من خدماتها إنما يجد مدلوله في إن الموجبات التنموية المحركة لقراراتها قد أصابها التغير ونال منها التبديل وكانت على نحو لا تجد معه الدولة ملاذاً سوى الانصياع إليها وتعقب مواطنها ومن ثم فللجهة الإدارية المختصة الحرية فى رفض طلب التملك، مادامت قد التزمت جادة الصواب في رفضها الطلب المقدم إليها لتملك الأرض وسارت على الدرب القويم المقرر لها فاعتصمت بسياسات الدولة ومن منهجها اختارته طريقاً ومن موجباتها التنموية اتخذتها سبيلاً , وكان باعثها في ذلك الأخذ بأسباب المحافظة على دعائم المصلحة العامة وتعزيز أركانها فلا غبار على تصرفها برفض الطلب المقدم إليها في هذا الخصوص ويكون موقفها صائباً لا جناح عليها فيه. والقول بخلاف ذلك يفتح الباب على مصرعيه للعبث بأراضي الدولة فيعرضها لأهواء تجافي الغايات المرصودة لها تذكيها مآرب غير سوية تاباها المصلحة العامة .

وكانت لجنة الحكم والمناقشة برئاسة الدكتور عبد الرؤوف هاشم أستاذ القانون العام ومستشار رئيس الجامعة والدكتور حمدى عمر عميد كلية الحقوق الأسبق وعضو لجنة الخبراء العشرة لوضع الدستور عام 2014 والدكتور محمد خفاجى قد انتهت إلى منح الباحث درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً