على مرتبة حجرية رقد جسدها المنهك، تغطيها ملاءات بشكل مهترئة تستر جسدها النحيل، ذلك كان المشهد الذي كانت عليه عبير عماد، الضحية التي ألقاها زوجها ونجلها أمام إحدى السيارات أعلى طريق الدائري، لحظات قليلة سردت فيها الضحية مأساتها والموت الذي كان ينتظرها هي ونجلها 'ياسين صاحب الأربع سنوات، ليطرق باب المنزل ويدخل أحد الأشخاص 'ابن صاحب المنزل'، ليقتحم الشقة ويخبرهم بإخلاء الشقة لعدم قدرتهم على سداد الإيجار.
و بغطاء رث يخفي وجهها الشاحب، يجاورها عجوز تجاوز السبعين من عمره، متكئ على عصا في حالة يرثى لها قائلا: ' يا ابني اصبر ساعة وهنمشي'، وعندما سئل من أحد الأشخاص إلى أين تذهب انت وأسرتك ونجلتك المصابة التي لا تستطيع الحركة؟ ليرد والدموع تملأ عيناه: 'والله ما اعرف يا ابني'، ونظرات عيناه التي تستنجد بنجل صاحب المنزل لمساعدتهم وعدم طردهم، مشهد يجعل القلب ينفطر والعقل شارد على مصير تلك الأسرة وابنتهم التي لا تستطيع التحرك، بسبب شروع الزوج في قتلها بإلقائها أمام إحدى السيارات أعلى طريق الدائري وتركها بدون مأوى.
في البداية، تقول 'عبير'، إنها تزوجت وكان عمرها 18 عاما من زوجها الأول ولم تنجب منه، ولكن زواجهم لم يستمر أكثر من عام ونصف، بسبب عدم استقرار الزوجين، لتنفصل عنه وحاول عودتها إلى مسكن الزوجية مرة أخرى، ولكنها رفضت العودة إليه بعدما وقع قلبها في حب 'أحمد'، المتهم الذي تعرفت عليه أثناء ذهابها للتنزه مع شقيقة المتهم، ليشاهدها ويبدي إعجابه بها، وتنشأ بينهما علاقة حب قوية، وتقدم لخطبتها ولكن قابل أهل'عبير' طلبه بالرفض، بسبب سلوكه السئ وعلاقاته المشبوهة، لترغم أهلها للزواج منه، ويستمر الزواج قرابة عام وتسير الأمور طبيعية دون أي مشاكل بينهما.
وأضافت 'عبير': 'بعد حملي بنجلي الذي يركض بين الحياة والموت بين جدران المستشفى بسبب فعل زوجي، بدأت اكتشاف أنه يتعاطى المواد المخدرة ونشأت بيننا المشاكل وتعدى علي بالضرب والسب، عندما بدأت إبعاده عن ذلك الطريق الذي ستكون نهايته السجن، واستمرت تلك المشاكل سنوات طويلة حتى وضعت مولودي وبلغ من العمر 4 سنوات، ليرغمني على الذهاب معه لشراء المواد المخدرة ليصطحبني هي وطفلي ' ياسين'، في ساعات متأخرة من الليل لإبعاد الشبهة عنه وعدم شك رجال المباحث بالذهاب لشراء المواد المخدرة، وعندما لم يتمكن من الحصول على تلك السموم، قلت له مكنش لازم النهاردة تجيب الوقت متأخر علشان خاطر ابنك الطفل ده، وعكرت هذه الكلمات صفوه واشتاط غضبا، ونشبت بيننا مشادة كلامية وسباب، ثم تعدى علي بالضرب على الطريق الدائرى، فقررت أن اتركه وأعود إلى منزلي'.
وتابعت الزوجة: 'وبالفعل توجهت إلى سلم حي الهرم أعلى الطريق الدائري للذهاب من أمامه، إلا أنه لحق بي، وقام بدفعي نحو سيارة ملاكي كانت تسير بسرعة عالية على الطريق، حسيت نفسي طايرة في الهوا ولم أشعر بنفسي إلا وأنا داخل المستشفي، وأصيب ابني 'ياسين' بإصابات بالغة، وتم إجراء عملية له بسبب حدوث انفجار في الكلى وكسور متفرقة بالجسد، وهو الآن يصارع الموت داخل غرفة العناية المركزة، وإدارة المستشفى طلبت مني تجهيز ورق لابني ومحتاجين فلوس وأنا لا أملك شيء ومصيري الشارع، بعدما طرد أهلي من شقتهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار'.
وأكملت: 'كان زوجي لا يعمل، وكنت أنا أتولى مصاريف البيت بالعمل في المنازل، وهو جالس في المنزل ينتظر عودتي وأخذ الأموال لشراء المواد المخدرة، وبعدما أخبرته عدم قدرتي على العمل، قال لي إنه سيذهب للشغل وكل يوم يعود بالأموال الكثير، التي لا يمكن أن يوفرها أي شغل عادي بسيط، فعلمت أنه يقوم بسرقة المنازل بمساعدة آخرين، وعندما نصحته بالابتعاد عن هذا الطريق، تعدى عليا بالضرب وأحدث لي إصابات في الوجه (7 غرز)، فما كانت لي حيلة سوى الاستمرار معه، لأني لم أجد مأوى غير مع المتهم، وأسرتي لا تستطيع تحملي وابني، لعدم قدرتهم المادية على المعيشة، حيث أن والدي مسن تجاوز السبعين من عمره، ويعمل بائع مناديل وليس لهم أحد يستطيع مساعدتهم'.