قال الفقية المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، إن إثيوبيا استغلت ثورة 25 يناير 2011 بالمخالفة لمبادئ حسن النية وحسن الجوار وأنشأت سد النهضة بتصرف أحادى.جاء ذلك في أحدث دراسات خفاجى، والتي حملت عنوان 'مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائى لمحكمة العدل الدولية.. توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار.. دراسة تحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على مياه نهر النيل'.
ويشغل موضوع الدراسة بالنسبة لمصر أهمية قصوى، كما يشغل بال المجتمع الدولى ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.
ونظرا لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات للمجتمع الدولى وجب تنوير الرأى العام العربى والإفريقى والعالمى وفقا لقواعد العلم والإنصاف والتاريخ.
ويعرض 'أهل مصر' للجزء الثانى من هذه الدراسة المهمة.
يقول الدكتور محمد خفاجى، إن إثيوبيا استغلت ثورات الربيع العربى وثورة 25 يناير 2011 بالمخالفة لمبدأ حسن النية وحسن الجوار، بل بالمخالفة للمبدأ الأخلاقى فى عالم الدبلوماسية للشروع في بناء سد النهضة قرابة الشهرين بعد تلك الثورة وتحديدا بتاريخ 2 أبريل 2011 بإعلان أحادي الجانب ودون التشاور مع مصر ، مستغلة أحداث ثورة يناير، حيث كانت مصر منشغلة بإعادة بناء نظامها السياسي عقب الثورة.
وأوضح أن مصر والسودان اعترضتا على قيام إثيوبيا بأعمال البناء الفعلي لسد النهضة دون التقيد بالالتزامات القانونية وفقاً لقواعد القانون الدولى في مجال إقامة المشروعات المائية.
وأضاف أن إثيوبيا راوغت ودعت لتشكيل لجنة خبراء، وخادعت في أعمال البنية التحتية، وحولت مجري النيل الأزرق للبدء فى الإنشاء دون انتظار لتقرير تلك اللجنة، موضحا أن إثيوبيا استمرت فى مرواغتها ودعت فى خبث إلى تشكيل لجنة خبراء دولية للبحث في مدى وجود آثار سلبية محتملة على دولتي السودان ومصر نتيجة بنائها لسد النهضة.
وتابع بأن اللجنة اجتمعت بالسودان لاختيار الخبراء الدوليين الأربعة من التخصصات المختلفة لعضوية اللجنة وقامت كل دولة من دول النيل الشرقي مصر والسودان وأثيوبيا بترشيح أربعة خبراء من تخصصات علم إنشاء السدود، والخزانات الكبرى ، والبيئة وإدارة الموارد المائية، والعلوم الاجتماعية، وذلك للانضمام لعضوية اللجنة من الدول الثلاث لتقييم الآثار المترتبة على بناء سد النهضة.
وأضاف أن الجانب الإثيوبي تعهد بتقديم كافة المعلومات التي قد يحتاجها أعضاء اللجنة، وبدأت اللجنة عملها فى 15 مايو 2012 إلا أن إثيوبيا عمدت إلى التدليس والخداع في أعمال البنية التحتية، وقامت بالفعل بتحويل مجري النيل الأزرق للبدء فى الإنشاء دون انتظار لتقرير تلك اللجنة.
وبين أن لجنة التحقيق أصدرت تقريرها الختامي في شهر مايو 2013 تضمن العديد من النتائج العلمية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية الهامة، إلا أن إثيوبيا استمرت فى غيها ضاربة عرض الحائط بقواعد القانون الدولى ولم تأخذ بأي منها وواصلت أشغال السد.
وأشار إلى أن آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا لم يتحل بأية مبادئ للفرسان حينما أخل باتفاق المبادئ الذى وقعه سلفه هيلاماريام ديسالين، موضحا أنه في 23 مارس 2015 فى الخرطوم بالسودان وُقع اتفاق حول إعلان مبادئ بين جمهورية مصر العربية وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودان حول مشروع سد النهضة الإثيوبي، وجاءت ديباجته مؤكدة على أهمية نهر النيل كمصدر للحياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان.
وأضاف أن الدول الثلاث ألزمت نفسها بعشرة مبادئ على قمتها مبدأ التعاون علي أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولى والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها ومبدأ التنمية والتكامل الإقليمي والاستدامة، ومبدأ عدم التسبب في ضرر ذى شأن، ومبدأ الاستخدام المنصف والمناسب , ومبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، ومبدأ بناء الثقة ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، ومبدأ أمان السد ومبدأ السيادة المتساوية ووحدة إقليم الدولة والمنفعة المشتركة وحسن النوايا بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة لنهر النيل، ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق.
ويضيف الدكتور خفاجى أن آبي أحمد علي رئيس وزراء إثيوبيا الحالى، الذى عُين في 27 مارس 2018 لم يتحل بأية مبادئ للفرسان حينما أخل باتفاق المبادئ الذى وقعه سلفه هيلاماريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا السابق والمفرغ فى إعلان المبادئ في الخرطوم بالسودان في 23 مارس 2015 بين جمهورية مصر العربية وجمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودوان على الرغم من أن قواعد القانون الدولى تلزمه بها.
وتابع بأن النزاع فى حصص نهر النيل أخطر من النزاعات المسلحة ويهدد السلم والأمن والاستقرار الدولى، حيث
يذكر أن التصرفات الأحادية من إثيوبيا دون موافقة مصر والسودان يضر بالحصص المقررة لهما ويخلق نزاعا على مياه نهر دولى وهذا النزاع فى حقيقته أكثر خطرا من النزاعات المسلحة وتأثيره يتسم بالخطورة على السلم والأمن والاستقرار الدولى، خاصة أن السد على النحو الذى نشأ به دون موافقة أو تفاوض سيؤثر على مصالح مصر التى يلعب نهر النيل فى حياتها دورا رئيسيا كأهم مورد مائى منذ اَلاف السنين بسبب موقعها ومناخها ودرجة اعتمادها على المجرى المائي.
وشدد على أن نهر النيل قامت عليه الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ ، ويعد من الحقوق التاريخية المكتسبة التى لا يجوز المساس بها وفقا لقواعد القانون الدولى.
ورأى أن مصر داعية سلام بقيادتها الحكيمة، والدبلوماسية المصرية تتمتع بالخبرة والحنكة والكفاءة والأناة والصبر المتدبر , وأنها حينما اعتمدت فى تاريخها الطويل كليةً على نهر النيل فى بناء حضارتها فذلك يعنى أنها دولة قوية عبر اَلاف السنين, وتاريخها العسكرى نحو السلام يشهد بتفوقها وقوتها فى منطقة الشرق الأوسط.
وتساءل خفاجى: هل التاريخ سوف يعيد نفسه؟ ذلك أن ذاكرة التاريخ شهدت بأن الصراع العسكرى المائى بين بريطانيا وفرنسا عام 1898 للسيطرة على منابع النيل الأبيض أجبر الأطراف إلى التفاوض لتسوية النزاع , حيث شهدت الساحة الدولة الصراع العسكري بين بريطانيا وفرنسا عام 1898، والذى وصفته الدوائر الدولية والفقهاء الآباء للقانون الدولى منذ 123 سنة بأنه شبه نزاع مائي، عندما حاولت بعثة فرنسية السيطرة على منابع النيل الأبيض، وكان على إثره أن اهتدى أطراف النزاع فرنسا وبريطانيا في نهاية الأمر إلى التفاوض بشأن تسوية هذا النزاع .
ويضيف: ينبغى علينا أن ننظر إلى الماضى على أنه كان ذات يوم مستقبلاً , ونفكر فيما طرأ على الجذور الأولى لنزاعات الأنهار الدولية الضارة بالدول المتشاطئة وما طرأ عليها من تغيرات وتطورات كما لو كانت تتحرك أمام أعيننا لا كشئ ذهب وانقضى , وإذا التفتنا إلى الوراء منذ نشأة القانون الدولى فإنما نفعل ذلك لنستنتج منه التجربة ونستخلص النتيجة كى نتجه بأبصارنا إلى الأمام , ذلك أن التاريخ بالنسبة للعلوم الإنسانية يقوم بدور المختبر فى العلوم التجريبية ويبين الوسيلة التى تمكن الدول من أن تجعل من الحاضر مستقبلاً أفضل بفهم الطريقة التى أصبح بها الماضى حاضراً.
وأكد أن إخلال أبى أحمد باتفاق المبادئ يجعله المانح والمانع بالمخالفة الصارخة لقواعد الأنهار الدولية لتحقيق أهداف سياسية تحت ستار أهداف اقتصادية تنموية، لافتا إلى أن إثيوبيا لديها رغبة جامحة من خلال مشروعها عن سد النهضة بإصرار أبى أحمد على رئيس وزرائها على الملء الثانى للسد دون اتفاق أو تفاوض فى سابقة خطيرة على المجتمع الدولى، لأنه يهدف به إلى السيطرة على أكبر كمية من مياه نهر النيل كأنه يحتكر حق الملكية للنهر الأعظم رغم الدول الشركاء , ويقصد منه التحكم في مياه النيل الخالد على نحو يجعل من دولته الدولة المانحة والمانعة لدول المصب فإن شاء منع وإن شاء منح , ما يعد تصرفاً مخالفاً مخالفة صارخة لكل قواعد القانون الدولى المتعلقة بالأنهار الدولية , وتصوراً باغياً منفردا على كوكب الأرض لا يعترف بحق الحياة المشتركة للدول المتشاطئة بل وفى غيبة من الاتفاق أو التفاوض مع مصر والسودان , هادفاً تحقيق أهداف سياسية تحت ستار أهداف اقتصادية تنموية.