تنادي القيادة السياسية بالاهتمام بالقطاع الصناعي خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض القيادات داخل الحكومة المصرية من التقصير في أداء واجبهم تجاه القطاع الصناعي، وهو الأمر الذي شكل عبأ كبيرًا على الصناعة الوطنية، وأغلق العديد من المصانع، خاصة مع رفع الدعم الجرئي والقرارات المتلاحقة برفع أسعار الكهرباء والغاز المقدم للقطاع الصناعي، وهو ما استنكره الخبراء والمحللين الاقتصادين، بجانب عدد من المصنعين والمستثمرين.
وقال الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والأحصاء والتشريع، إن تكلفة الوقود اللازمة للصناعة، تمثل قيم مالية باهظة، التي تحددت بها سعر السلع الصناعية النهائية، حيث تشكل أحد أهم التحديات التي تواجه الشركات الصناعة، في تحديد هامش ربح مناسب، بهدف تغطية نفقات الإنتاج، فكلما ارتفعت تكلفة الوقود، كأحد بنود التكاليف المتغيرة، كلما ارتفع سعر السلعة في الأسواق المحلية والخارجية، موضحا أنه في ظل المنافسة الشرسة، فلا يمكن لأي شركة أن ترفع اسعار منتجاتها ولكنها سوف تتحكم فيها، أسعار سلع المنتجين الآخرين، حيث يعتبر المُحدد رئيسي لعدم الارتفاع المتواصل، نتيجة زيادة تكلفة الإنتاج، وبصفة خاصة تكلفة الوقود، سواء كانت أسعار الغاز الطبيعي أو بنزين أو كهرباء.
وأضاف الجرم في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن الدولة تتبني برنامج الاصلاح الاقتصادي والهيكلي للاقتصاد المصري، الأمر الذي ساهم في رفع الدعم على الوقود وزيادة تكلفته بالنسبة للشركات الصناعية، التي تستخدم الوقود بشكل أساسي في عملية الإنتاج، فضلاً عن أنها تكلفة متغيرة، أي أنها كلما ارتفع حجم الإنتاج كلما ارتفعت تكلفة الوقود، مما أدى إلى عدم قدرة الكثير من الشركات، على مواجهة الأسعار المُنافسة من قِبل الشركات الأخرى، أو عدم قدرتها على رفع الأسعار بشكل متواصل بشكل غير واقعي، وبما لا يتناسب مع السعر الطبيعي المُتداول لتلك السلع.
وتابع،" أن هذا الأمر، يؤدي إلى إفلاس الكثير من الشركات، أو على الأقل كان أحد أهم الاسباب التي ادت إلى ذلك، والمثل الصارخ لذلك، ما حدث لشركة حلوان للحديد والصلب، والتي كانت أكبر مديوناتها مُتمثلة في الكهرباء والغاز وبعض المرافق العامة الأخرى".
وأوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والأحصاء والتشريع، أنه ينبغي على الدولة أن تراعي التوازن فيما بين تحرير أسعار الوقود، والخسارة الاقتصادية الناتجة عن إفلاس الشركات العملاقة، التي لها تاريخ مُشرف على مَر العصور، فضلاً عن التداعيات السلبية على العمالة، والمُتمثلة في تسريح عدد كبير من العمال، وتأثير ذلك على زيادة حدة البطالة، وما تُفرزه من زيادة معدل الجريمة والإرهاب الأسود، وخلق توترات سياسية، بما يستدعي ضرورة دعم الطاقة المُستخدمة للمصانع بأسعار مناسبة، مما يؤهل تلك الشركات على توفير مخاطر الإفلاس أو التصفية.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد راشد، الخبير الاقتصادي، المدرس بكلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، إن ارتفاع أسعار الطاقة من الكهرباء والغاز على المصانع جراء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي كان لها انعكاسها سلبية علي حركة الاستثمارات داخل السوق المصري، مما تسبب في ارتفاع تكاليف التشغيل والنقل علي حد سواء.
وأضاف "راشد" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أنه علي الرغم من قيام الحكومة بتخفيض أسعار الغاز والكهرباء للصناعة العام الماضي 2020، من أجل دعم هذا القطاع الحيوي إلا أن هذا الخفض لم يكن كافيًا للنهوض بالصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة فى ظل وجود منافسة قوية من شركات أجنبية التي تحصل علي الطاقة من بلادها بأسعار أقل ولا سيما بعد تراجع أسعار الغاز والبترول جراء تفشي فيروس كورونا ساهم في صعوبة المنافسة علي هذه الشركات محليًا ودوليًا.
وأكد المدرس بكلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، على ضرورة مراجعة الأسعار الحالية للكهرباء والغاز، بالإضافة إلى دراسة تأثيرها علي القطاع الصناعي علي وجه التحديد ومدي قدرة الصادرات المصرية علي المنافسة، فى ظل الأسعار الحالية للطاقة ومقارنتها بالاسعار العالمية حتى يمكن التوصل إلي قرار سريع ورشيد لصالح الصناعة المصرية، والتى تحظي باهتمام بالغ من القيادة السياسية فى ظل حصول المنافسين الأجانب علي تسهيلات ائتمانية في بلادهم بأسعار فائدة منخفضة، نظرًا لانخفاض أسعار الفائدة فى الدول المتقدمة مقارنة بالفائدة علي الجنيه المصري وهو ما يجعل المنتج المحلي إجمالًا أقل قدرة على المنافسة في السوق المحلي والدولي تحت وطأة الارتفاع النسبي لأسعار الطاقة وأسعار الفائدة.
وفي السياق ذاته، قال محمد محمود عبد الرحيم، الخبير الاقتصادي، إن أسعار الغاز في مصر غير تنافسية بالمقارنة مع الدول الأخرى، مما يساهم في تراجع الفرص التصديرية لبعض المنتجات التي تعتمد بشكل رئيسي على الغاز لإعتبارها أحد المكونات الهامة في العديد من الصناعات المختلفة، وهام فى الصناعات، خصوصاً الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والصلب والمسبوكات و بعض صناعات صناعات الأسمدة والسيراميك، ويعد الغاز كمصدر للطاقة في كثير من المصانع بشكل عام .
وأضاف "عبد الرحيم»" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر»، أن أسعار الطاقة تعد أحد العوامل المؤثرة في تسعير وتكلفة المنتج النهائي للمصانع، موضحا أن تسعير الطاقة يلعب دورًا بارزًا في القدرة التنافسية للصادرات المصرية في بعض القطاعات، حيث تأثرت القدرة التصديرية للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، ويظهر ذلك من خلال هبوط صادرات مصر من الحديد والصلب بنسبة 37 % لتسجل الصادرات 252 مليون دولار بالنصف الأول من 2020مقارنة بـ 402 مليون دولار بالعام السابق 2019 .
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن قطاع الصناعي يحتاج إلى تدعيم لزيادة مساهمتة في الاقتصاد الوطني خلال الفترة الحالية، في ظل أزمة كورونا وتوقف الطاقة الانتاجية في بعض الصناعات، مشيرا إلى أن توجيهات الرئاسية بتقديم الحلول المناسبة للوصول بصادرات مصر إلى رقم 100 مليار دولار لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مجموعة من الحوافز التصديرية لمستثمرين ومنها ضبط اسعار الطاقة .
وأوضح، أنه بالفعل خفض أسعار الغاز للصناعة إلي 4.5 دولار بعدما كان يقدر بنحو 5.5 دولار سابقًا، و لكن يمكن القول أن هذا السعر لا يزال مرتفع نسبياً خلال الفترة الحالية الجاري، على الرغم أن متوسط السعر العالمي للغاز حاليًا يصل إلى 2.5 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية، في حين أن أرض الواقع يصل سعر الغاز بقيمة 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وهو أمر يقلل من فرص تنافسية المنتج المصري في سواء في التصدير أو منافسة المنتجات المستورة .
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن خفض سعر الغاز للمصانع هو مطلب جماعي من المستثمرين ورجال الأعمال، في ظل ارتفاع التكاليف بشكل عام ، كما يتوقع أن الحكومة لن تتأخر في الإعلان عن خفض اسعار الغاز الطبيعي للمصانع قريبًا، ولكن لابد من وجود نقطة توازن تسعيرية بين الحكومة والمصانع بحيث يكون التخفيض مدروس وله عوائد إيجابية للطرفين .
وأكد، أن تخفيض سعر الطاقة من أهم محفزات الاستثمار في كافة أنحاء العالم، ويتعبر ذلك نوع من أنواع الدعم الحكومي الغير مباشر للصناعة الوطنية وخصوصاً في وجود بعض التوجيهات الحكومية نحو ترشيد الاستيراد وإحلال المنتجات الوطنية محل المنتجات المستوردة، موضحًا أن هناك جهود علي أرض الواقع ودراسات مستمرة لأسعار الطاقة، حيث تم تثبيت أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي 5 سنوات، في حين يرى البعض أن تكلفة الكهرباء ببعض الصناعات كثيفة استخدام الكهرباء لاتزال مرتفعة وتحتاج إلى مراجعة أيضاً، حيث لابد من وضع آليات مستقرة وثابتة لضمان تسعير عادل بمحتلف أنواع الطاقة للمصانع في مصر، بهدف تشجيع أصحاب المصانع والمستثمرين من أجل تحقيق اقصى طاقة انتاجية بأقل تكاليف مع ضبط الاسعار في السوق المحلي و اختراق الاسواق الدولية في التصدير.