منذ بداية الحرب المعلنة بين روسيا وأوكرانيا، خسر العديد من بلدان العالم من الناحية الاقتصادية، وما زال العالم في معاناة مستمرة وفي سعي وجهد يومي للحفاظ علي الجانب الاقتصادي ومحاولة تجنب حدوث خسائر أكثر من ذلك، ومن ضمن البلدان التي تأثرت من الحرب هي مصر، وذلك بسبب اعتمادها الجزئي علي المكاسب التي تحصل عليها الدولة من السياحة الروسية والأوكرانية في بناء كيان اقتصادي متين، بالإضافة إلى زيادة الأسعار مما أدى إلى زيادة أسعار فاتورة الواردات وعلي رأسها النفط والذي زادت تكلفته استيراده من 6 مليارات دولار سَنَوِيًّا إلى 12 مليار دولار، كما تدفقت استثمارات أجنبية بقيم كبيرة إلى الخارج.
مما دفع الحكومة المصرية والبنك المركزي الشهر الماضي بشكل منسق، حيث طرح البنك المركزي اقتراح رفع سعر الفائدة إلى 1 % وبالفعل تم رفع الفائدة إلى 1 %، بالإضافة إلى السماح بمزيد من المرونة في سوق الصرف والذي أدى إلى ارتفاع الدولار بنحو 16 %، في حين ذهبت الحكومة إلى صندوق النقد الدولي، وبدأت جمع مليارات الدولارات من دول الخليج العربية في صورة ودائع لدى البنك المركزي واستثمارات مباشرة وكل ذلك كي تحاول الحكومة المصرية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كما كانت النتيجة عن تلك الاضطرابات هي تحول صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي إلى عجز بلغ قدره 53 مليار جنيه مصري وذلك بنهاية فبراير الماضي، بالإضافة إلى تراجع في صافي الاحتياطيات الدولية لمصر 4 مليارات دولار والودائع غير المدرجة في الاحتياطيات الرسمية من 9 مليارات دولار إلى 1.5 مليار دولار، مع إعطاء البنك المركزي الأولوية لتوافر السيولة بالعملة الأجنبية قرر رفع الفائدة 1 %، بجانب انخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 16 %، وهذا ما سوف يؤثر على البنوك المصرية إذا استمرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث توقع قسم البحوث في شركة العربي الإفريقي للأوراق المالية، أن يكون تأثير زيادة أسعار الفائدة على أداء البنوك خلال الربع الثاني من عام 2022 إِيجَابِيًّا على معظم البنوك، بحسب مسح أجرته على البنوك المدرجة في البورصة، مع منهجية تأخذ في الاعتبار حساسية الأصول والخصوم لتحركات أسعار الفائدة لدراسة تأثيرها المحتمل على صافي هامش العائد بحسب الفجوة بين الأصول والخصوم خلال عام.
والفجوة بين الأصول والخصوم، هي الفارق بين الأصول والالتزامات التي يُستحق أجلها أو تتغير عوائدها خلال فترة زمنية معينة وهذه يعني وجود تأثير بحال من الحالين التاليين الأول وإذا كانت الفجوة موجبة ذلك يعني أن الأصول التي ستتم إعادة تسعيرها ستكون أكبر من الالتزامات والثاني إذا كانت سالبة يعني أن الالتزامات التي ستغير فائدتها أكبر من الأصول، وفي حالة رفع الفائدة تستفيد البنوك ذات الفجوة الموجبة، في حين تكون البنوك ذات الفجوة السالبة مُتأثرة بالسلب، وبناءاً مسح أجراه ”بنوك وتمويل ”فإن بنكان من أصل 13 بنكًا محل المسح لديهما فجوة سالبة، أي أن التزاماتهم المستحقة خلال عام أكثر من الأصول، وهما البركة والأهلي الكويتي.
كما أشار رئيس لجنة الأصول والخصوم ونائب رئيس أحد البنوك العامة، إن تغير أسعار الفائدة يصل أسرع للأصول عن الالتزامات في ظل أن قروض الشركات عادة ما تكون مربوطة بالكوريدور حتى تلك التي تدخل في مبادرات البنك المركزي، يتم تعويض البنوك عليها وفق معادلة تشمل هامش إضافة لفائدة الكوري دور، وكذلك ودائع البنوك المربوطة لدى البنك المركزي مربوطة بالكوريدور، كما أن العائد على أذون وسندات الخزانة ارتفع منذ بداية العام.
وبحسب بيانات البنك المركزي، فإن أرصدة عمليات السوق المفتوحة بلغت 956 مليار جنيه بنهاية ديسمبر الماضي، وبحسب بيانات المركز المالي للبنوك بلغت، الأرصدة لدى البنوك 1.63 تريليون جنيه، وأذون وسندات الخزانة نحو 3.32 تريليون جنيه، والقروض نحو 2.476 تريليون جنيه، وتمثل تلك البنود نحو 86 % من أصول البنوك.
كما أوضح أنه في المقابل على جانب الالتزامات فإن معظم الأوعية الادخارية تحتاج قرارا لإعادة التسعير، باستثناء الشهادات ذات العائد المتغير التي ترتفع بشكل تلقائي، لكن في النهاية البنوك ستحتاج لرفع أسعار الفائدة على حسابات التوفير وقد تلجأ لوضع عوائد على الحسابات الجارية للشركات لتضمن القدرة على التوسع، لأن شهادات ال18 % وضعت عبئا عليها عقب موجة كسر الشهادات.
ريدي أجريكول – مصر: تأثير ارتفاع سعر الدولار وجودة محافظ الائتمان وحجم المخصصات اَلْمُحْتَفِظ بها خلال الربع الأول من العام غير مُلاحظ
وأشار أيضاً ولي لطفي، نائب العضو المنتدب لكريدي أجريكول – مصر قائلاً، إن البنك لم يغير أسعار العوائد على أوعيته الادخارية وما زال يبحث ذلك، وإن تأثير الشهادات مرتفعة العائد، التي طرحها بنك مصر والأهلي، طفيفا على البنك في ظل أن الجمهور المستهدف مختلف وآجال الشهادات مختلف، بالإضافة إلى أن تأثير ارتفاع سعر الدولار وجودة محافظ الائتمان وحجم المخصصات اَلْمُحْتَفِظ بها خلال الربع الأول من العام غير مُلاحظ، حتى أن بعض البنوك شهدت تحسنا متوقعًا أداء جيد لمؤشرات البنك الربع الأولى من العام، كما أفاد أيضاً أن الشهادات مرتفعة العائد تسهم في عودة الاستقرار وكبح التضخم وهو ما يكون أثره على البيئة التشغيلية للبنوك إيجابيا.
كما أفاد أيضاً محلل قطاع البنوك في أحد بنوك الاستثمار، إن توجه الحكومة نحو التقشف وإعادة هيكلة خططها سيؤدي إلى تراجع النمو في الإقراض الحكومي الذي نما بشكل كبير خلال الفترات الماضية، كما بلغت قروض القطاع الحكومي، نحو 1.184 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضي وتمثل حوالي 38.2 % من إجمالي قروض البنوك، وخلال العام الماضي قفزت القروض الحكومية نحو 41.6 %، وذلك مقارنة بمستويات 835 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2020، وكان النمو مدعومًا بارتفاع القروض بالعملة المحلية إلى 814.5 مليار جنيه مقابل 560.5 مليار جنيه، بينما بلغت القروض بالعملة الأجنبية 371 مليار جنيه، وذلك بالإضافة إلى أن ارتفاع سعر الدولار وارتفاع قيمة العوائد منه، ستعوض التباطؤ المتوقع في الإقراض الحكومي، لكنها ستضغط على كفاية رأس المال نوعًا ما، لكن سيحد من ذلك إعفاء البنك المركزي للبنوك من نسب التركز الائتماني لأكبر 50 عميلا، لكن البنوك الحكومية خاصة الأهلي ومصر المطلوب منهم أيضًا متطلبات إضافية كونها بنوكا ذات أهمية نظامية، خاصة حالا زادت حصة قروض القطاع الخاص عند تباطؤ قروض الحكومة. بالإضافة إلى أن ضمانة مخاطر الائتمان ضمن برنامج البنك المركزي وتغطيتها لمعظم قروض الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر وهي الفئة الأكثر عرضة للتعثر، سينتج عنها تقليل العبء على كفاية رأس مال البنوك، إذ يتم إعفاء الوزن النسبي للجزء المضمون.
ونوه المحلل قطاع البنوك أيضاً إلى أن البنوك أعلنت في أكثر من مناسبة وكذلك البنك المركزي وجه البنوك بالتواصل مع العملاء وإعادة هيكلة مديونياتهم بما يتناسب مع تدفقاتهم، مشيرًا إلى أن الأزمة جاءت في وقت كانت البنوك تتعامل وفق تدابير أزمة كورونا.
شركة ضمان مخاطر الائتمان: تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا على محفظة الضمانات لن تظهر في الوقت الحالي
وقالت نجلاء بحر، العضو المنتدب لشركة ضمان مخاطر الائتمان، في مؤتمر عقدته الشركة مؤخرًا، إن تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا على محفظة الضمانات لن تظهر في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن البنوك تعطي مساحة للعملاء قبل أن تلجأ للشركة، مع العلم أنه وصلت محفظة الائتمان التي تضمنها الشركة إلى نحو 120 مليار جنيه عن إجمالي تسهيلات بقيمة 178 مليار جنيه، فيما أدى إلى زيادة أعداد المستفيدين من 98 ألفًا في 2020 إلى 147 ألفًا في 2021,60 % منهم في القطاعين الزراعي والصناعي.
كما أفاد قسم البحوث في شركة العربي الإفريقي الدولي للأوراق المالية بتوقعات أن تكون معدلات عائد الأصول وحقوق الملكية على المدى المتوسط بفعل تضخم ميزانيتهم نتيجة فروق تقييم العملات.
وذكرت أنه خلال 2020، نجحت البنوك في زيادة مخصصاتها على خلفية تفشي فيروس كورونا، وخلال 2021، بدأت خفض معدلات الاحتفاظ بالمخصصات، وفي الوقت الحالي توقعت أن تستمر في الاحتفاظ بمخصصاتها.
بالإضافة إلى قول وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني، إن الطلب على الائتمان والنشاط الاقتصادي سيكون تحت ضغط التضخم المرتفع، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما مصدر 85 % من واردات القمح المصرية 2021، خاصة أن أسعار الطعام رفعت معدلات التضخم إلى 8.8 % في فبراير وهو ما حفز البنك المركزي لزيادة سعر الفائدة لأول مرة منذ 2017، مع العلم أن دعم صندوق النقد الدولي قد يقلص عدم اليقين الاقتصادي، إذ إن مصر والصندوق بدء مناقشات حول برنامج جديد لتخفيف تأثير ارتفاع الأسعار العالمية على الاقتصاد المصري.
كما أن التأثير المباشر للحرب محدود، وأن البنوك المصرية التي تصنفها لديها انكشاف محدود على الأصول الروسية والأوكرانية، واستبعدت أن يكون للصراع آثار مباشرة على جودة الأصول.
كما أضافت أنه على الأرجح سيتم احتواء الآثار غير المباشرة للحرب على القطاع المصرفي المصري، إذ إن تراجع الجنيه بنحو 15 % مقابل الدولار الأمريكي، مقارنة بمستوياته نهاية فبراير، سيكون تأثيره محدود في ظل محدودية الإقراض بالعملة الأجنبية التي تمثل نحو 20 % من إجمالي قروض البنوك، كما أن القروض بالعملة الأجنبية عادة ما يتم منحها لشركات قادرة على توليد إيرادات بالعملة نفسها.
ونوهت إلى أن خسائر الائتمان قد تحدث نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي، وارتفاع التضخم، لكنها ستظل تحت السيطرة إلى حد بعيد، وأن صافي هامش العائد قد يتعرض لضغوط خلال العام الحالي، بالإضافة إلى زيادة فائدة البنك المركزي، دفعت البنوك الحكومية التي تسيطر على ما يزيد 50 % من أصول القطاع المصرفي، لطرح شهادات مرتفعة العائد، عند 18 % وهي معدلات ضعف فائدة الكوري دور عند 9.25 %، كما أن الشهادات تدخل ضمن الاحتياطي الإلزامي ما يعني إيداع 14 % من حصيلتها دون فوائد لدى البنك المركزي.
وذكرت أن التأثير على الأرباح قبل المخصصات ستحدده حصيلة الشهادات المربوطة، ومدى اتباع البنوك الخاصة للبنوك العامة في طرح شهادات مرتفعة العائد، مع العلم أن منذ 8 أبريل الماضي، تخطت حصيلة شهادات ال18 % نحو 471 مليار جنيه، بحسب تصريحات مسئولي بنكي الأهلي ومصر.
وقالت وكالة التصنيف الائتماني، إن القاعدة التمويلية للبنوك تتكون بالأساس من ودائع الأفراد والتي أثبتت مرونة في مواقف عدة حتى عندما ضعف الاستقرار الاقتصادي، كما رجحت أن تظل الرافعة المالية منخفضة مع استقرار نسبة القروض للودائع حول 50 % خلال 2022، ونوهت إلى أن اعتماد البنوك على التمويل الخارجي محدود.
وأشارت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني إلى أن البنوك المصرية أكثر مرونة في مواجهة الأزمة مقارنة بالبنوك الأخرى في تونس وتركيا، إذ ستعاني البنوك في البلدين من التأثيرات غير المباشرة للحرب، فيما تظل بنوك السعودية وجنوب أفريقيا في معزل من تأثيرات الحرب.