قال طارق عامر، محافظ البنك المركزي، لقد أصبحت المصارف العربية مفخرة لبلادنا ومجتمعاتنا وشعوبنا، بما تمتلكه من كوادر وقيادات على مستوى عال من الجدارة، إذ مثلت تلك المصارف، على مدار العقود الماضية، صمام الأمان والاستقرار النقدي من خلال دورها المتميز والمتداخل في جميع نواحي الحياة، جعلها الدافع الأكبر والمحرك الرئيسي للتنمية في بلادنا العربية بفضل الاستثمارات الضخمة التي قامت بها، تفوق كل الخطط والتوقعات.
وأكد خلال مؤتمر عقده اتحاد المصارف العربية صباح اليوم، أن قيادات البنوك المركزية العربية نجحت على مدار السنوات الماضية في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، من خلال الحفاظ على مستويات مقبولة من التضخم بما يحمي مقدرات الشعوب العربية،
كما أصبح دور المصارف كبير ومعقد ومتنامي الأطراف، بحيث أصبح يمس حياة الأفراد والمؤسسات والشركات سواء فيما يتعلق بالتمويل أو المعاملات الدولية والتجارة الدولية وإدارة وتوزيع النقد وإدارة أسواق المال الدولية، كما عملت تلك المصارف طوال السنوات الماضية على تطوير البنية التحتية لمواكبة التطورات العصرية الحديثة في نظم الدفع.
وأوضح على تعرض جميع المصارف خلال السنوات الماضية لصعوبات وتحديات اقتصادية غير مسبوقة، مما أتاح لنا الفرصة لإعادة تشكيل سياساتنا للاستجابة لهذه التحديات ومواجهتها، بفضل القيادات المتميزة التي يمتلكها القطاع المصرفي..كما أنه لاشك لدى أننا سنتجاوز الأزمة الحالية المستوردة من الخارج بفضل الخبرات الكبيرة التي تم بناؤها على مدى العقود الماضية.
وأضاف "نحن في مصر لديها الثقة على تجاوز الأزمة الراهنة حيث نتعامل معها بكل قوة وشجاعة وجرأة من خلال إجراءات استباقية، فعلى مدار الفترة الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري في تحقيق العديد من المكتسبات وعلي رأسها رفع كفاءة مؤشرات الاقتصاد الكلي لمصر؛ وهو ما مهد الطريق لمواجهة أيه تحديات واضطرابات اقتصادية قد تطرأ نتيجة لعوامل خارجية بالأساس، حيث كان لمكتسبات برنامج الإصلاح بالغ الأثر في حماية الاقتصاد من التقلبات المفرطة والأزمات".
ولقد ركز البنك المركزي منذ انطلاق الإصلاح الاقتصادي حتى الان على دعم الاستقرار النقدي والمالي خاصة قضية التضخم، حيث يعد التضخم امر هام ووضح جليا في العالم وهو الامر الذي يشغل جميع المجتمعات والشعوب وعندنا في مصر لذلك أعطى المشرع البنك المركزي الصلاحيات لاتخاذ ما يمكن من اجراءات من اجل دعم استقرار الأسعار، فمثلا في عام ٢٠١٦ و٢٠١٧ قام البنك المركزي برفع أسعار العائد ب ١٠ ٪ و فعلا تم السيطرة علي التضخم لينخفض من ٣٣ ٪ إلى ٣،٥ ٪ .
وأشار إلى أنه بالرغم من مخاوف الكثيرين في ذلك الوقت على تأثير ذلك على التنمية وخلق فرص العمل و لكن بتقييم الفترة انطلقت مصر في التنمية باعلي المستويات و انخفضت معدلات البطالة إلى حوالي ٧،٥ ٪،
ونجد أن المراقبين في كثير من الاحيان يكونون غير موفقين في تقدير المفهوم من وراء الإجراءات واعتقد أنه ربما لأن النظرة تكون قصيرة الأجل و لا تأخذ في الاعتبار الدورة النقدية ونتائجها عندما تكتمل.
ولكن آرائهم تبث القلق في المجتمعات وهو الأمر الذي لا يكونن مفيدًا أو عمليًا فالسياسة النقدية أمر معقد يحتاج الكثير من الأدوات والعشرات من الخبراء الممارسين وهذه إمكانيات لا يمتلكها سوى البنوك المركزية، وقد كان هناك أيضًا تحفظات على سياساتنا بالنسبة لأسعار الصرف إبان أزمة كورونا، والتي حققت فيما بعد نتائج طيبة، وعلى أساسها تم انتخاب البنك المركزي المصري كأحد أفضل ١٠ بنوك مركزية في العالم.
وبفضل هذه السياسة نجحنا في جذب السيولة بالنقد الاجنبي والمصري وتحقيق استقرار الأسعار في مصر خلال ثلاثة أشهر فقط، وزادت الثقة في القطاع المصرفي المصري وعلى مدى سنوات، حتى قامت الحرب الأوكرانية وتأثرت سلاسل الإمداد العالمية.
وأكد أنه لمدة ٥ سنوات حققت سياسة الإصلاح الاقتصادي - التي اعتمدها السيد رئيس الجمهورية عام ٢٠١٦ بناء على توصيات البنك المركزي - استقرار جيدًا وتدفقت رؤوس الأموال على الاقتصاد المصري وأصبح لنا مكانة كبيرة في أسواق المال الدولية الضخمة، واستطعنا أن نجذب تمويلًا لمصر لمدد وصلت إلى أربعين عامًا، وهو ما لم يحدث من قبل، ولقد مكنت هذه الأموال الحكومة من توظيفها من أجل تحقيق طموحاتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنفيذ خطط التنمية غير المسبوقة في مصر.
وأضاف الاقتصاد العالمي حاليًا يتعرض وبالأخص الدول الناشئة لصدمات خارجية متزامنة متمثلة في ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وارتفاع تكلفة التمويل في ضوء قيام العديد من البنوك المركزية العالمية بزيادة أسعار الفائدة لديها لكبح جماح التضخم المتزايد
وبشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية السلبية الكبيرة الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية والتي ساهمت في وجود مزيد من الارتفاعات فى أسعار الطاقة والسلع الغذائية والمعادن وكذلك تزايد حالة عدم اليقين والذعر من قبل المستثمرين مما أدى الى تراجع وتخارج استثماراتهم من العديد من الدول الناشئة.
ولم تكن مصر مستثناة من هذه التداعيات، حيث تعرضت السوق المصرية لخروج كبير من المستثمرين الدوليين، وارتفاع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التضخم، مما دفع بالبنك المركزي المصري إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية مثل استخدام جزء من الاحتياطي النقدي لدعم الأسواق، وأصدرنا شهادات بفائدة 18%، واخترنا اتخاذ خطوة للحفاظ على سلامة واستقرار السوق في مواجهة الأحداث المتصاعدة - والتي لم تكن ذات طبيعة أو لأسباب محلية بل كانت ذات طابع خارجي تمامًا - حيث احترمنا كل المستثمرين، ومنحناهم حق الخروج بدون أي عوائق أو تأخير، وبعدها تحركنا سريعًا لدعم الاحتياطيات الدولية، وأثبتنا قدرتنا على جمع التمويل من أجل ضمان كفاية الاحتياطيات لدينا.
وفيما يتعلق بالضغوط التضخمية، اتخذ البنك المركزي المصري خطوة سريعة لتهدئة ارتفاع الأسعار الناجم عن العوامل الخارجية مرة أخرى، وذلك من خلال رفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في مارس 2022، والتأكيد على أهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر، وقد ساعد هذا التصحيح البسيط في سعر الصرف في زيادة إيرادات النقد الأجنبي 30%، فنحن اعتدنا على التعامل مع الأزمات بشجاعة وثقة، واتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهتها.
ونحن حريصين على إصدار تعليمات رقابية من خلال قانون البنوك الجديد، لتحقيق الحوكمة وحماية القطاع المصرفي ودعم نموه وتطوره، ورغم هذه الجهود يحاول بعض المشككين الإدعاء بوجود مشاكل في القطاع المصرفي، في حين أن القطاع المصرفي هو آخر قطاع في مصر يمكن أن تحدث به مشكلة.