سلط أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي، بعنوان: 'مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي'، الضوء على التداعيات المستمرة لارتفاع معدلات التضخم، وما نتج عن ذلك من رفع أسعار الفائدة، هذا إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على النمو الاقتصادي خلال العام 2023. كما قد يؤثر ظهور حالات إصابة جديدة بفيروس كوفيد-19 في الصين على مسيرة التعافي في البلاد، إلا أن صندوق النقد الدولي أكد أن المخاطر المعاكسة قد تراجعت مقارنة بالتوقعات السابقة، خاصة في ظل الطلب المكبوت الذي تشهده عدد من الاقتصادات، في حين أن الهبوط الأسرع لوتيرة التضخم قد يكون من العوامل الإيجابية أيضاً.
نمو الناتج المحلي
ونتيجة لذلك، رفع صندوق النقد الدولي هامشياً توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام 2023 بمقدار 20 نقطة أساس إلى 2.9%، إلا انه خفض توقعات العام 2024 بمقدار 10 نقاط أساس إلى 3.1%.
وتم خفض توقعات النمو لكل من الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
وشهدت توقعات نمو الاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية مراجعة تصاعدية بمقدار 30 نقطة أساس للعام 2023، ليصل بذلك معدل النمو المتوقع إلى 4.0%، إلا أنه تم خفض توقعات النمو للعام 2024 إلى 4.2% العام المقبل.
من جهة أخرى، شهدت توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة مراجعة تصاعدية بمقدار 10 نقاط أساس لتصل إلى 1.2% للعام 2023 وخفضها بمقدار 20 نقطة أساس للعام 2024 لتصل إلى 1.4%.
توقعات النمو
وراجع صندوق النقد الدولي توقعات النمو العالمي لاقتصادين كبيرين هما الولايات المتحدة والصين للعام 2023 بما يعكس توقعات النمو بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في أكتوبر من العام الماضي. إذ رفع صندوق النقد الدولي توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي بمقدار 40 نقطة أساس إلى 1.4 في المائة في العام 2023، واتبع ذلك مراجعة هبوطية بمقدار 20 نقطة أساس للنمو في العام 2024 ليسجل نموا بنسبة 1.0 في المائة.
وتشير المراجعة التصاعدية للعام 2023 إلى الآثار غير المباشرة لمرونة الطلب المحلي في العام 2022.
من جهة أخرى، تعزى المراجعة الهبوطية للعام 2024 إلى ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية، والتي من المتوقع أن تصل إلى ذروتها عند نحو 5.1% في العام 2023.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل النمو في منطقة اليورو إلى 1.6% في العام 2024 بعد تراجعه إلى 0.7% في العام 2023.
وتعكس المراجعة التصاعدية لتوقعات النمو بمقدار 20 نقطة أساس هذا العام إلى انخفاض أسعار بيع الطاقة بالجملة، وصدور مزيد من التصريحات حول دعم المالية العامة للقوة الشرائية في صورة فرض ضوابط على أسعار الطاقة وتحويلات نقدية، إلا أنه من المتوقع أن يؤدي رفع البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة وتآكل الدخول الحقيقية إلى موازنة معدل النمو الكلي بصفة عامة.
في المقابل، يتوقع ان يتراجع نمو اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.6% في العام 2023، وهو ما يعني خفض التوقعات بمقدار 90 نقطة أساس مقارنة بتوقعات أكتوبر، انعكاسا لتشديد السياسة المالية العامة والسياسة النقدية وضيق الأوضاع المالية واستمرار ارتفاع أسعار بيع الطاقة بالتجزئة الذي يشكل عبئا على ميزانيات الأسر المعيشية.
وبالنسبة لمنطقة آسيا، رفع صندوق النقد الدولي توقعات الصين بمقدار 80 نقطة أساس إلى 5.2% في العام 2023 بعد تسجيلها لنمو بنسبة 3.0% في العام 2022، مما يعكس تحسن مستوى التنقل في البلاد، إلا أنه من المتوقع أن يتراجع معدل النمو في العام 2024 إلى 4.5% بسبب تباطؤ وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
من جهة أخرى، تم الإبقاء على توقعات نمو اقتصاد الهند عند مستوى 6.1 في المائة في العام 2023، قبل أن يرتفع بوتيرة أسرع ليصل إلى 6.8% في العام 2024، في ظل صلابة الطلب المحلي على الرغم من الضغوط الخارجية.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى انخفاض معدل التضخم العالمي من 8.8% في العام 2022 إلى 6.6 في المائة في العام 2023 و4.3% في العام 2024، وإن كان أعلى قليلاً من مستويات ما قبل الجائحة عند 3.5% (2017-2019).
وفي ظل زيادة التباين بين الأسواق الناشئة والدول النامية، كانت صدمات ارتفاع معدلات التضخم أكثر شيوعاً في الاقتصادات المتقدمة، وفقاً لصندوق النقد الدولي، إلا أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن الربع الثالث من العام 2022 شهد توازن الاستهلاك على مستوى الأسر بصورة غير متوقعة، وزيادة الاستثمارات في أنشطة الأعمال، وتحسن وتيرة النمو الاقتصادي، مما أدى إلى تعزيز مستويات المرونة أكثر مما كان متوقعاً في مواجهة أزمة الطاقة الأوروبية.
هذا ويرى صندوق النقد الدولي أن التضخم الأساسي، الذي يتضمن المزيد من تقلبات تكاليف الطاقة والمواد الغذائية، على الرغم من أنه لم يبلغ ذروته في العديد من الدول بعد إلا أنه أظهر تحسناً مع انخفاض مقاييس التضخم الإجمالية في معظم الدول في الوقت الحالي.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تم خفض توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار 40 نقطة أساس إلى 3.2% للعام 2023 ورفعها بمقدار 20 نقطة أساس إلى 3.5% للعام 2024.
ويعزى خفض توقعات النمو للعام 2023 بصفة رئيسية إلى خفض إنتاج النفط وفقاً لاتفاقية الأوبك وحلفائها، إلا أن النمو غير النفطي قد يظل مرناً على الأرجح.
وانعكست المراجعة النزولية للعام 2023 أيضاً في توقعات النمو الخاصة بالسعودية والتي من المتوقع الآن أن تنمو بنسبة 2.6% هذا العام، وخفض التوقعات بمقدار 110 نقطة أساس، ثم إلى 3.4% في العام 2024 بمراجعة تصاعدية قدرها 50 نقطة أساس.
حجم التجارة العالمية
من المتوقع أن ينمو حجم التجارة العالمية بنسبة 2.4 في المائة في العام 2023، أي بتراجع قدره 10 نقاط أساس، على الرغم من تخفيف اختناقات العرض. ويعكس خفض التوقعات المراجعة النزولية لتوقعات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية والتي من المتوقع أن تتباطأ بمقدار 30 نقطة أساس لتصل إلى 2.6% في العام 2023، بينما ظل نمو الاقتصادات المتقدمة دون تغيير.
وفي العام المقبل، من المتوقع أن تتراجع توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة بمقدار 40 نقطة أساس إلى 2.7%، بينما ظلت توقعات نمو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية دون تغيير.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، انخفض نمو حجم التجارة العالمية وأسعار السلع الأساسية نتيجة تباطؤ الاقتصاد الصيني.
النمو العالمي
يعزى ضعف توقعات النمو الاقتصادي في العام 2023 بصفة رئيسية إلى الصراع بين أوكرانيا وروسيا ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، خاصة في الاقتصادات المتقدمة.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يبلغ النمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية قد بلغ ذروته في العام 2022.
ومن المتوقع أيضاً أن يساهم إعادة فتح الاقتصاد الصيني بالكامل هذا العام في تعزيز النمو في الصين.
ومن المتوقع أن تشهد الاقتصادات نمواً أسرع في العام 2024 نتيجة لتباطؤ وتيرة التضخم والانتعاش التدريجي من آثار الصراع بين أوكرانيا وروسيا، إلا أنه على الرغم من انفراج اختناقات العرض، فمن المتوقع أن يتبع نمو التجارة العالمية اتجاه الطلب العالمي وينخفض إلى 2.4% في العام 2023 قبل أن يرتفع إلى 3.4% في العام 2024.
انحسار التضخم
وفقاً لصندوق النقد الدولي، تشير التوقعات إلى تراجع التضخم في نحو 84 في المائة من الدول في العام 2023 مقارنة بمستويات العام 2022. ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم العالمي من 8.8 في المائة في العام 2022 إلى 6.6% في العام 2023 و4.3% في العام 2024، وهو ما يتجاوز مستويات ما قبل الجائحة البالغة نحو 3.5% تقريباً.
ويعكس التراجع المتوقع لمعدلات التضخم انخفاض أسعار البنزين والسلع الأولية غير الوقود في كافة أنحاء العالم نتيجة لانخفاض الطلب العالمي. كذلك يعزى إلى تشديد السياسات النقدية مما كان له من آثار لتهدئة التضخم الأساسي، والذي من المتوقع أن ينخفض عالمياً من 6.9% في الربع الرابع من العام 2022 إلى 4.5% في الربع الرابع من العام 2023.
وفي الاقتصادات المتقدمة، تشير التوقعات إلى انخفاض المتوسط السنوي للتضخم من 7.3% في العام 2022 إلى 4.6% في العام 2023 و2.6 في المائة في العام 2024.
في حين أنه في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، من المتوقع أن يتراجع التضخم من 9.9% في العام 2022 إلى 8.1% في العام 2023 و5.5 في المائة في العام 2024، متجاوزاً بذلك مستويات ما قبل الجائحة البالغة 4.9%.
أما على صعيد الدول النامية منخفضة الدخل، من المتوقع تراجع التضخم من 14.2% في العام 2022 إلى 8.6% في العام 2024 ليظل مرتفعا رغم اقترابه من مستويات ما قبل الجائحة.
وقد يؤدي تسارع وتيرة تعافي الاقتصاد الصيني أو ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والغاز والنفط التي فاقت التوقعات نتيجة للصراع في أوكرانيا إلى ارتفاع التضخم الكلي، مما يمكن أن يوثر أيضاً على التضخم الأساسي.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإنه من شأن هذه التطورات أن تؤدي إلى انفلات ركيزة التوقعات التضخمية، مما قد يتطلب زيادة تشديد السياسة النقدية.