تعد زيادة أسعار المحروقات في مصر قرارًا اقتصاديًا بالغ الأهمية، يحمل في طياته تداعيات اجتماعية واقتصادية متعددة، فمن جهة، يسهم في تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، ومن جهة أخرى، يزيد من الأعباء على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.
وفي هذا السياق، نستعرض في هذه القراءة أبعاد دعم الموازنة بعد هذه الزيادة، وآثارها المحتملة على مختلف الفئات الاجتماعية.
أسباب زيادة أسعار المحروقات:
ضغوط صندوق النقد الدولي: غالبًا ما ترتبط مثل هذه الزيادات بشروط القروض التي تحصل عليها الدول من المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والتي تهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية وتقليل العجز في الموازنة.
ارتفاع أسعار النفط العالمية: تتأثر أسعار المحروقات المحلية بشكل كبير بتغيرات أسعار النفط في الأسواق العالمية.
تخفيف العبء على الموازنة: تسعى الحكومات من خلال هذه الزيادات إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة، وتوجيه الإنفاق نحو قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
آثار زيادة أسعار المحروقات على الموازنة:
زيادة الإيرادات: تسهم زيادة أسعار المحروقات في زيادة الإيرادات العامة للدولة، مما يمكنها من تمويل مشروعات التنمية المختلفة.
تقليل العجز: تساعد هذه الزيادات في تقليل العجز في الموازنة، وتحقيق الاستدامة المالية.
تحقيق التوازن المالي: تسهم في تحقيق التوازن المالي بين الإيرادات والنفقات.
آثار زيادة أسعار المحروقات على المواطنين:
ارتفاع التضخم: تؤدي زيادة أسعار المحروقات إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى، مما يؤدي إلى زيادة التضخم وتآكل قيمة الدخل.
زيادة الأعباء على ذوي الدخل المحدود: يتأثر ذوو الدخل المحدود بشكل أكبر بزيادة أسعار المحروقات، حيث تشكل نسبة كبيرة من دخلهم.
تراجع القدرة الشرائية: تؤدي زيادة الأسعار إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، مما يؤثر على مستوى المعيشة.
آليات دعم الموازنة:
- توجيه الدعم للمستحقين: بدلاً من الدعم العام لجميع فئات المجتمع، يمكن توجيه الدعم للمستحقين فقط، مثل الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا.
- تقديم حوافز للإنتاج: يمكن تقديم حوافز للإنتاج في القطاعات المختلفة، مما يسهم في زيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة.
- تطوير وسائل النقل العام: يمكن تطوير وسائل النقل العام وتوفير بدائل أرخص للوقود، مثل المترو والحافلات.
- توفير الطاقة: يمكن تشجيع المواطنين على ترشيد استهلاك الطاقة من خلال توفير الأجهزة الموفرة للطاقة وتوعية المجتمع بأهمية ترشيد الاستهلاك.
و زيادة أسعار المحروقات قرار اقتصادي معقد يحمل في طياته تحديات كبيرة، وعلى الرغم من الآثار السلبية لهذه الزيادة على المواطنين، إلا أنها ضرورية لتحقيق الاستدامة المالية للدولة، ويجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات موازية لتعويض المواطنين عن هذه الزيادة، وأن تعمل على توجيه الدعم للمستحقين، وتوفير فرص عمل جديدة، وتشجيع الاستثمار والإنتاج.
زيادة أسعار المحروقات
أظهرت الجريدة الرسمية أن مصر رفعت اليوم الخميس أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، قبل أربعة أيام من إجراء صندوق النقد الدولي مراجعة لبرنامج قروض موسع للبلاد بقيمة ثمانية مليارات دولار.
ووفقا لما نقلته الجريدة الرسمية عن وزارة البترول فقد جرت زيادة أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 15%، ليصبح سعر لتر بنزين 80 هو 12.25 جنيه (0.25 دولار)، وسعر بنزين 92 هو 13.75 جنيه، وبنزين 95 هو 15 جنيها.
أما السولار، وهو أحد أكثر أنواع الوقود استخداما، فشهد زيادة أكبر إذ تقرر رفعه إلى 11.50 جنيه (0.24 دولار) من عشرة جنيهات.
قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الأربعاء إن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجيا حتى ديسمبر 2025.
وتنفق مصر حاليا مليارات الدولارات على دعم أسعار الوقود والطاقة لملايين المستهلكين، وهو ما انتقده مسؤولون حكوميون وخبراء اقتصاديون عدة مرات، بمن فيهم خبراء صندوق النقد الدولي الذي رفع قرضه لمصر في الآونة الأخيرة.
دعم الوقود في مصر
وقدّر صندوق النقد في أبريل أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه مصري (6.8 مليار دولار) في العام المالي 2023-2024 إلى 245 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) في 2024-2025.
وقال مدبولي إن مصر لا يمكنها تحمل الاستهلاك المتزايد وارتفاع الأسعار العالمية.
وأضاف أن استهلاك الكهرباء يتزايد بسرعة، إذ وصل إلى نحو 38.5 جيجاوات يوميا، وهو ما يضطر مصر إلى استيراد الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء ووقف سياسة تخفيف الأحمال التي تبنتها منذ العام الماضي.
وفيما يتعلق بالمستقبل قال مدبولي إن العجز في الكهرباء المولدة يقدر بنحو أربعة جيجاوات، ومن المتوقع تغطية نحو 2.65 جيجاوات منها من خلال مشروعات جديدة للطاقة المتجددة من المقرر تسليمها قبل صيف العام المقبل بالتعاون مع القطاع الخاص.
مخصصات الدعم في الموازنة العامة للدولة
تشير إلى أن مخصصات دعم الوقود في مصر للعام المالي الحالي 2023-2024 تتضمن نحو 119.4 مليار جنيه، فيما وصل دعم الوقود فقط إلى 58 مليار جنيه خلال العام المالي 2022-2023، في حساب الموازنة الختامي المبدئي، بزيادة بلغت نحو 28 مليار جنيه عن المستهدف.
بينما وصلت مخصصات دعم أسعار البنزين والسولار وبقية المواد البترولية الأخرى إلى نحو 119 مليارا و419 مليون جنيه، بالموازنة العامة الحالية التي بدأ تطبيقها أول يوليو الماضي، بزيادة وصلت إلى نحو 61 مليارا و325 مليون جنيه.
استهلاك المصريين للسولار
ويستهلك المصريون نحو 18 مليار لتر سولار سنويًا، وفي الوقت الحالي فإن كل لتر سولار يستهلكه المواطن تدعمه الدولة بنحو 5 جنيهات، وهو ما يعني أن قيمة دعم السولار تساوي 90 مليار جنيه.
توقعات صندوق النقد الدولي
وكان تقرير صندوق النقد الدولي عن المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج التسهيل الائتماني الممدد مع مصر، قد كشف عن تقديرات مرتفعة لدعم الوقود خلال العامين المالي الحالي والمقبل، تزيد عن ضعف تقديرات الحكومة.
وتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع فاتورة دعم الوقود في مصر إلى 254 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي مقابل 125.4 مليار جنيه توقعات الحكومة.
وقدر الصندوق أن يصل دعم الوقود إلى 334 مليار جنيه العام المالي المقبل وهو ما يعادل 216% من تقديرات الحكومة البالغة 154.5 مليار جنيه في مشروع الموازنة الحالية.
وبلغت تقديراته للعام المالي 2025-2026 نحو 248 مليار جنيه، و245 مليار جنيه في العام المالي 2026-2027، و239 مليار جنيه في العام المالي 2027-2028 على أن تصل إلى 135 مليار جنيه في العام المالي 2028-2029.