في إطار محاولاته لتدعيم الصناعة الأمريكية وحمايتها من المنافسة الأجنبية، فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسومًا جمركية على واردات المعادن مثل الصلب والألومنيوم خلال فترة ولايته، وتعتبر هذه الرسوم من بين أكثر القرارات المثيرة للجدل، إذ تثير تساؤلات حول تأثيراتها الاقتصادية على الأسواق المحلية والعالمية، إضافة إلى تأثيرها على الصناعات الأمريكية التي تعتمد بشكل كبير على هذه المعادن المستوردة.
تاريخ فرض الرسوم:
كانت المعادن مثل الألومنيوم والصلب من بين أولى المنتجات التي تعرضت للرسوم الجمركية في بداية ولاية ترامب في عام 2018. وقام الرئيس ترامب بتطبيق هذه الرسوم بدعوى حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية التي كانت تؤثر على أرباح الشركات الأمريكية.
الهدف من الرسوم:
الهدف الرئيسي من فرض الرسوم الجمركية كان تعزيز إنتاج المعادن محليًا وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، وذلك في إطار سياسة 'أمريكا أولاً' التي دافع عنها ترامب، كما كان يأمل في أن تساهم هذه الرسوم في رفع قدرة المصانع الأمريكية على التنافس وتوسيع طاقتها الإنتاجية.
تأثير الرسوم الجمركية على الأسواق:
الصلب:
وفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، بلغ استهلاك الولايات المتحدة من الصلب حوالي 93 مليون طن في عام 2023، وكانت 13% من هذا الطلب تعتمد على الواردات.
تعتبر كندا والبرازيل والمكسيك من أكبر ثلاثة مصادر للصلب المستورد إلى الولايات المتحدة، حيث شكلت هذه الدول جزءًا كبيرًا من واردات الصلب الأمريكي.
تشير التقارير إلى أن الرسوم الجمركية قد أدت إلى زيادة الأسعار المحلية للصلب، مما أثر على الشركات المحلية التي تستخدمه في التصنيع. بينما قد تستفيد مصانع الصلب الأمريكية من تقليل المنافسة، فإن المصانع التي تعتمد على الواردات تأثرت بارتفاع التكلفة.
الألومنيوم:
الألومنيوم معدن أكثر قيمة من الصلب، وبلغ استهلاك الولايات المتحدة منه حوالي 4 ملايين طن في عام 2023. من هذا العدد، كانت الواردات تمثل 44% من احتياجات السوق.
كانت كندا المصدر الرئيسي للألومنيوم المستورد إلى الولايات المتحدة، حيث شكلت نحو 56% من إجمالي الواردات.
تسببت الرسوم الجمركية في زيادة تكاليف الألومنيوم المستورد، مما أثر على الصناعات التي تستخدم الألومنيوم في تصنيع المنتجات التكنولوجية والآلات، كما أدى إلى تزايد الأسعار المحلية، وهو ما حمل المستهلكين تكاليف إضافية.
النحاس:
على الرغم من أن رسوم ترامب بدأت في الصلب والألومنيوم، إلا أنه كان قد أشار إلى فرض رسوم جمركية محتملة على النحاس أيضًا، وهو معدن آخر تستخدمه الولايات المتحدة بكثافة.
تمثل الواردات الأجنبية نحو 36% من الطلب المحلي على النحاس في 2023، ويُستورد أكثر من ثلث هذه الكميات من كندا والمكسيك.
التأثير على الصناعة الأمريكية:
بينما يعتقد البعض أن الرسوم الجمركية قد تدعم الصناعة المحلية، يواجه العديد من الصناعيين الأمريكيين تحديات كبيرة، خاصة في مصانع المنتجات التي تعتمد على الصلب والألومنيوم المستورد.
من الناحية الأخرى، تؤكد المصانع المحلية للصلب أن زيادة الرسوم الجمركية ساهمت في تحسين مبيعاتها وأرباحها بعد تقليل تدفق الواردات.
مع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن الزيادة في الأسعار المحلية بسبب الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما قد يؤثر على تنافسية المنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية.
التحديات في بناء طاقة إنتاجية جديدة:
أحد التحديات الكبرى التي يواجهها قطاع المعادن هو بناء طاقة إنتاجية جديدة، وبناء مصانع جديدة لإنتاج الصلب أو الألومنيوم يتطلب استثمارات ضخمة ولا يتم بسرعة.
وفقًا لتقرير من 'مورجان ستانلي'، فإن هذه المصانع قد تستغرق سنوات لإتمام إنشائها والتكثيف في إنتاجها، وهذا يعني أن أي ارتفاع في الرسوم الجمركية قد يظل يؤدي إلى زيادة الأسعار لفترة طويلة قبل أن يحقق أي نتائج إيجابية على المدى القصير.
وفي النهاية، يظهر أن فرض الرسوم الجمركية على المعادن مثل الصلب والألومنيوم له تأثير مزدوج، من جهة، يهدف إلى حماية الصناعات الأمريكية ودعم الإنتاج المحلي، ومن جهة أخرى، يسبب زيادات في تكاليف المواد التي تعتمد عليها العديد من الصناعات. يظل هذا الموضوع موضوعًا مثيرًا للجدل، خاصة في ضوء التحديات الاقتصادية الحالية.