بعد انخفاضها لثلاثة أسابيع متتالية، استقرت أسعار النفط الخام الأسبوع الماضي وتم تداولها عند المستويات التي سجلتها في نهاية العام الماضي، قبل الإعلان عن العقوبات على روسيا.
تراجع أسعار النفط
ويعكس هذا التراجع تصاعد المخاوف بشأن حالة عدم اليقين المتعلقة بالسياسات التجارية الأمريكية، وإمكانية بدء محادثات سلام بين واشنطن وموسكو قد تفضي إلى التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، بما قد يمهد لاستئناف إمدادات النفط الروسية، كما ساهمت عدة عوامل أخرى في الضغط على الأسعار، من ضمنها ارتفاع المخزونات الأمريكية، وزيادة مشتريات الخام الروسي من قبل المشترين الآسيويين قبل سريان العقوبات، وقوة الدولار الأمريكي.
في المقابل، وجدت الأسعار دعماً مؤقتاً بفعل تشديد العقوبات على إيران والهجمات الأخيرة التي استهدفت منشآت نفطية في روسيا وأوكرانيا.
اتجاه أسعار النفط منذ بداية العام
أما على جانب الطلب، واجه النفط تحديات متزايدة في ظل تصاعد المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية للحروب التجارية وفرض الرسوم الجمركية والتدابير المضادة من قبل الشركاء التجاريين.استمرار معدلات التضخم المرتفعة، وفقاً للبيان الصادر الأسبوع الماضي من الولايات المتحدة، إلى جانب توقعات بإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، قد يضغط على الطلب العالمي على النفط.
وتشير التقديرات إلى أن النزاعات التجارية الناتجة عن فرض الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1% في المقابل، عاد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى الواجهة، مما أعاد النقاش حول إمكانية زيادة استخدام النفط في توليد الكهرباء.
وأدت موجة الطقس البارد ونقص المخزونات السريع في أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الأسبوع الماضي لأعلى مستوياتها المسجلة في عامين.
العقوبات الأمريكية على النفط الروسي والإيراني
من جهة أخرى، تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الخام الروسي والإيراني في زيادة حادة لكميات النفط المخزنة على ناقلات خاضعة للعقوبات، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة استخدام الناقلات غير المشمولة بالعقوبات، ونتيجة لذلك، قفزت التكاليف التي تتحملها المصافي بين 2 إلى 3 دولار أمريكي للبرميل، فيما تضاعفت تكاليف النقل البحري ثلاثة اضعاف مقارنة بمعدلات ما قبل العقوبات، ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة رويترز، استناداً إلى بيانات 'كبلر'، بلغ النفط الإيراني المخزن على الناقلات أعلى مستوياته منذ أكثر من عام، متجاوزاً 25 مليون برميل، في حين سجل الخام الروسي أعلى مستوياته في شهرين عند 88 مليون برميل بنهاية يناير 2025. وعلى الرغم من تفريغ بعض هذه الشحنات مؤخراً، مما خفف جزئياً من اختناق الإمدادات المنقولة بحراً، إلا أن انخفاض الصادرات الروسية لعب دوراً إضافياً في تقليص التخمة النفطية.
وفي هذا السياق، سارعت المصافي الآسيوية، خاصة في الهند والصين، إلى تكثيف مشترياتها من النفط الخام الروسي خلال أول شهرين من العام، قبيل دخول العقوبات حيز التنفيذ، وتشهد أسواق النفط العالمية تحولات هيكلية مع قيام المشترين بإعادة ترتيب سلاسل التوريد للامتثال للعقوبات المفروضة على بعض المنتجين الرئيسيين، ومن المتوقع أن تعزز الصين مشترياتها من النفط الخام الأمريكي والغاز الطبيعي المسال خلال الأشهر المقبلة في إطار جهودها لمعالجة اختلال التوازن التجاري، بينما قد تعوض الهند أي انخفاض في وارداتها بسبب الرسوم الجمركية. وفي سياق أوسع، تشير التوقعات إلى ارتفاع حاد في واردات النفط الخام الآسيوية من أنجولا والبرازيل في فبراير 2025.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
وصلت أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ بداية العام وتم تداولها في نطاق 74 دولار أمريكي للبرميل الأسبوع الماضي مدفوعة بالانخفاضات المستمرة التي شهدتها، وانعكست الانخفاضات أيضا في الفروقات الزمنية بين أسعار العقود الآجلة للنفط لفترات الاستحقاق المختلفة، مما يشير إلى ضعف السوق، ووفقاً لوكالة بلومبرج، تقلص فارق سعر مزيج خام برنت إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ أواخر ديسمبر 2024 الأسبوع الماضي، في حين مال سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى التراجع بنحو 11 سنت فقط للبرميل مقارنة بفارق يزيد عن دولار أمريكي واحد للبرميل خلال الشهر السابق.
وتعكس الانخفاضات حالة عدم اليقين المتعلقة بالسياسات التجارية الأمريكية في ظل فرض الرسوم الجمركية والتعريفات المضادة من الشركاء التجاريين بالإضافة إلى الأخبار التي تفيد بتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق حول المحادثات المتعلقة بإنهاء الحرب مع أوكرانيا مما قد يؤدي إلى زيادة إمدادات النفط الروسية، وجاء انخفاض الأسبوع الماضي أيضا بعد أن كشفت البيانات عن ارتفاع المخزونات الأمريكية للأسبوع الثالث على التوالي بعد انخفاضها على مدار الأسابيع التسعة السابقة.
وجاءت تلك الزيادة بعد أن قامت شركات النفط الخام الكندية والمكسيكية بتسريع وتيرة الصادرات إلى الولايات المتحدة قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، وفيما يتعلق بالاتجاهات الشهرية للأسعار، سجلت أسعار كافة درجات النفط الخام تقريبا مكاسب ملحوظة خلال شهر يناير2025 مقارنة بمتوسط الأسعار في ديسمبر 2024.
وشهد الشهر الماضي أيضا اختراق أسعار النفط الخام حاجز 75.0 دولار أمريكي للبرميل للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر وتم تداوله فوق مستوى 75 دولار أمريكي للبرميل خلال معظم فترات الشهر، وشهد متوسط سعر العقود الفورية لمزيج خام برنت أعلى معدل نمو شهري منذ 16 شهراً بارتفاع بلغت نسبته 7.5% ليصل إلى 79.3 دولار أمريكي للبرميل في يناير 2025 مقابل 73.8 دولار أمريكي للبرميل في المتوسط خلال شهر ديسمبر 2024.
من جهة أخرى، ارتفع متوسط سعر السلة المرجعية للأوبك بنسبة 8.6 في المائة، مما يعد أعلى معدل نمو شهري يتم تسجيله في 34 شهراً منذ مارس 2022 ليصل إلى 79.4 دولار أمريكي للبرميل، في حين زاد سعر خام التصدير الكويتي ووصل إلى أعلى مستوياته المسجلة في عدة سنوات بنمو بلغت نسبته 9.1% ليصل في المتوسط إلى 80.4 دولار أمريكي للبرميل خلال شهر يناير 2025.
في ذات الوقت، كشفت تقديرات الإجماع لسعر مزيج خام برنت مراجعة صعودية للأسعار خلال الستة فترات ربع سنوية المقبلة. وارتفعت توقعات الإجماع للربع الأول من العام 2025 بمقدار 1.0 دولار أمريكي للبرميل، ليصل السعر إلى 75.0 دولار أمريكي للبرميل، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، في حين ارتفعت توقعات الربع الرابع من العام 2025 هامشياً إلى 73.0 دولار أمريكي للبرميل.
الطلب العالمي على النفط
تم الإبقاء على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2025 دون تغيير وفقاً لأحدث تقرير شهري صادر عن الأوبك. وكشف التقرير عن نمو الطلب بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا هذا العام، إلى جانب توقع أن يبلغ متوسط الطلب 105.2 مليون برميل خلال العام، إلا انه تم تعديل توقعات الطلب على الصعيد الإقليمي، وفيما يتعلق بالدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تم خفض توقعات نمو الطلب في الدول الواقعة في الأمريكتين بمقدار 0.03 مليون برميل يوميا ليصل متوسط الطلب إلى 25.08 مليون برميل يومياً، مع توقع انخفاض الطلب في الولايات المتحدة بمقدار 0.01 مليون برميل يوميا مقارنة بالتوقعات السابقة ليصل إلى 20.51 مليون برميل يوميا في العام 2025، مما يشير إلى مزيد من المراجعات الهبوطية للطلب من الدول غير الأمريكية في المنطقة.
وقابل ذلك مراجعة تصاعدية للطلب من قبل الدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ونظيراتها في آسيا والمحيط الهادئ، أما على صعيد الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أظهرت المراجعات في معظمها تراجع نمو الطلب خلال العام على خلفية نمو الطلب من الصين بوتيرة أقل من المتوقع، وهو الأمر الذي قابله جزئياً رفع توقعات نمو الطلب من دول آسيا الأخرى، في ذات الوقت، أظهرت أحدث توقعات نمو الطلب العالمي على النفط الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية زيادة توقعات نمو الطلب بنحو 0.1 مليون برميل يومياً بمعدل نمو قدره 1.1 مليون برميل يوميا في العام 2025 ليصل متوسط الطلب إلى 104 مليون برميل يومياً، وأكدت وكالة الطاقة الدولية أن الصين ستظل المحرك الرئيسي لنمو الطلب هذا العام بينما من المتوقع أيضا أن تشهد الهند ودول آسيوية أخرى تزايد الاستهلاك خلال العام.
كما أبقت الأوبك على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط للعام 2026 دون تغيير عند 1.43 مليون برميل يوميا مع توقع أن يبلغ متوسط الطلب 106.63 مليون برميل يومياً خلال العام. أما على أساس كل دولة على حدة، تم خفض توقعات الطلب للدول الأمريكية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى جانب الصين وأمريكا اللاتينية، وفي المقابل، تم رفع توقعات الطلب للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ونظيراتها في آسيا والمحيط الهادئ ومناطق آسيا الأخرى.
العرض من خارج الأوبك
انخفضت إمدادات النفط العالمية بنحو مليون برميل يوميا لتصل إلى 102.7 مليون برميل يومياً في يناير 2025، وفقاً لأحدث تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية، ويعزى الانخفاض إلى برودة الطقس بمعدلات أكثر من تلك المعتادة موسمياً، الأمر الذي أثر على إمدادات أمريكا الشمالية إلى جانب انخفاض الإنتاج في نيجيريا وليبيا، كما أثر الطقس البارد على عمليات التكرير العالمية التي انخفضت بمقدار مليون برميل يوميا إلى 82.9 مليون برميل يوميا في يناير 2025، متأثرة أيضاً بأعمال الصيانة المخطط لها التي قللت من عمليات التشغيل في الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالمخزونات، كشف تقرير وكالة الطاقة الدولية عن انخفاض مخزونات النفط العالمية بمقدار 49.3 مليون برميل يومياً في يناير 2025، وفقاً للبيانات الأولية التي تأثرت بسحب كميات هائلة من مخزونات النفط الخام في الصين خلال الشهر، بعد انخفاضها بمقدار 17.1 مليون برميل يوميا في ديسمبر 2025.
من جهة أخرى، خفضت الأوبك توقعاتها لإمدادات السوائل النفطية للدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك خلال العام 2025 بمقدار 0.07 مليون برميل يومياً، وتتوقع الآن نمو الإمدادات من الدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك بمقدار 1.01 مليون برميل يومياً خلال العام، لتصل في المتوسط إلى 54.21 مليون برميل يومياً، كما تم خفض توقعات الإمدادات من كل من الدول الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. إذ تم خفض توقعات نمو العرض لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 0.02 مليون برميل يوميا إلى 32.4 مليون برميل يومياً مقارنة بالشهر السابق، في حين كانت المراجعة الهبوطية للتوقعات الخاصة بالدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر حدة بمقدار 0.05 مليون برميل يومياً لتصل إلى 19.23 مليون برميل يومياً. وأظهرت توقعات وكالة الطاقة الدولية أنه من المتوقع أن ترتفع إمدادات النفط العالمية بمقدار 1.6 مليون برميل يوميا هذا العام لتصل إلى 106.5 مليون برميل يومياً، في ظل تركيز الزيادة بصفة رئيسية من الدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك. وتتوقع الوكالة أن ينخفض إنتاج النفط في روسيا إلى ما دون مستوى 9 مليون برميل يومياً خلال الأشهر المقبلة، وذكرت أن التخفيضات قد تزداد إذا استمر نقص الناقلات والانقطاع المتكرر لعمليات التكرير، كما جاء هذا الانخفاض أيضاً بعد الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها المنشآت النفطية، في الوقت الذي تظهر فيه بيانات صادرات النفط الخام مؤشرات دالة على الضعف.
كما خفضت الأوبك توقعات نمو العرض للعام 2026 للدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك بمقدار 0.17 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع الآن أن يبلغ في المتوسط 55.21 مليون برميل يومياً خلال العام. وكان التنقيح واسع النطاق وأجرى على المنتجين الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على حد سواء.
إنتاج الأوبك من النفط الخام
انخفض إنتاج الأوبك من النفط الخام للشهر الثاني على التوالي في يناير 2025 ليصل في المتوسط إلى أدنى المستويات المسجلة في ثلاثة أشهر، مرتفعاً قليلاً عن مستوى 27.0 مليون برميل يومياً، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج.
ويعزى الانخفاض الشهري البالغ 70 ألف برميل يومياً للشهر الثاني على التوالي بصفة رئيسية إلى الانخفاض الحاد لإنتاج العراق إلى جانب انخفاض الإنتاج في نيجيريا وليبيا، وقد قابلت هذه الانخفاضات جزئياً زيادة الإنتاج في كل من الكويت وفنزويلا والإمارات، وكشف البيانات الصادرة عن مصادر الأوبك الثانوية انخفاض الإنتاج هامشياً إلى 121 ألف برميل يومياً، ليصل بذلك متوسط الإنتاج خلال الشهر إلى 26.7 مليون برميل يومياً مدفوعاً بانخفاض واسع النطاق في الإنتاج عبر مجموعة الأوبك.
وكان التغيير في الإنتاج لمجموعة الدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك بصفة عامة متطابقاً تقريباً مع بيانات الأوبك بانخفاض قدره 118 ألف برميل يومياً. إلا انه على مستوى كل دولة على حدة، أظهرت بيانات الدول غير المشاركة في ميثاق التعاون المشترك زيادة إنتاج كازاخستان، الأمر الذي قابله بالكامل تقريبا انخفاض إنتاج كلا من المكسيك وروسيا.