عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الأربعاء، ندوة هامة بعنوان: 'التحولات الاقتصادية الكبرى في 2024'، حيث تطرقت الندوة إلى أبرز التحديات والتحولات التي شهدتها الأسواق المالية العالمية على مدار العام الماضي، وانعكاساتها على الأسواق الناشئة والاقتصاد المصري، ومناقشة أهم التغيرات الاقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي، بمشاركة مجموعة من الخبراء والمتخصصين.
واستعرض عمر الشنيطي الشريك التنفيذي في زيلا كابيتال واستشاري المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أهم التطورات في أسواق المال العالمية لعام 2024، معبرًا عن نظرة شاملة للأحداث الاقتصادية التي شكلت ملامح العام وتحدياته، وتطرق الشنيطي إلى العديد من القضايا التي أثرت في الأسواق المالية العالمية وتأثيراتها على الأسواق الناشئة، والاقتصاد المصري.
الاقتصاد المصري
أكد 'الشنيطي'، أن التضخم لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا على مستوى العالم، خاصة في الأسواق الناشئة ومازال هناك ترقب في خفض الفائدة رغم بدء التخفيض في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث أن الدول الناشئة التي لديها ضغوط على سعر الصرف حافظت على سعر الفائدة دون تخفيض، ولا يزال التضخم في مصر عند مستويات مرتفعة وعدم اتجاه البنك المركزي لتخفيض الفائدة خوفًا من خروج الأموال الساخنة، والحفاظ على سعر الصرف.
البنك المركزي المصري
وأشاد 'الشنيطي' بسياسة البنك المركزي المصري في التعامل مع التضخم من خلال سياسة مختلفة هى امتصاص السيولة النقدية من السوق، حيث شهت معدلات السيولة النقدية تراجعًا من مستوى 30% إلى 18% سنويًا.
واستعرض 'الشنيطي' حالة 3 دول بشكل خاص خلال الندوة وهى الصين، والسعودية، ومصر، حيث كان للاقتصاد الصيني تأثير بالغ على السوق العالمي في 2024. فالصين، التي تعد أكبر دولة صناعية في العالم، تواجه تحديات ضخمة بسبب سياسة الطفل الواحد وتأثيراتها على النمو الاقتصادي، مما انعكس سلبًا على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد، على الرغم من ذلك، يظل الاقتصاد الصيني يلعب دورًا رئيسيًا في أسواق المال العالمية.
استثمارات الذكاء الاصطناعي
وتوقع 'الشنيطي' أن تصل معدلات النمو في الصين لنحو 24% وهى ليست مرتفعة بشكل كبير، بالرغم من التحديات التي تواجهها في مجالات التجارة والنمو السكاني، وهناك طفرة كبيرة وواضحة في الاستثمارات التكنولوجية حيث تقود أسهم هذا اقطاع السوق الصيني، ومع ظهور الـ Deep seek تسبب في خطورة على استثمارات الذكاء الاصطناعي في أمريكا.
وأشار 'الشنيطي' أيضًا إلى الدور البارز للمملكة العربية السعودية في استقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي، لافتًا إلى أنه في فترات الأزمات، كان من المعتاد أن تلعب السعودية دورًا حاسمًا في ضخ المزيد من النفط للأسواق العالمية، ما ساعد في استقرار أسعار الطاقة.
أسواق النفط والاقتصاد العالمي
وأضاف أن الاقتصاد السعودي شهد تطورًا ملحوظًا في مجال السياحة والإنفاق الحكومي، ما جعله في مقدمة الاقتصاديات التي استطاعت التكيف مع المتغيرات العالمية، ولكنها تواجه تحديات كبيرة جدًا نتيجة الإنفاق الحكومي الهائل مما تسبب في ارتفاع عجز الموازنة وحجم ضخم من الاقتراض، حث تعد السعودية أكبر دولة اقترضت دوليًا في صورة سندات وصكوك لتنفيذ الرؤية الجديدة المتفائلة، ولكن هذا يطرح تساؤلًا هامًا ما إذا كانت هذه الرؤية قابلة للتحقيق أم لا.
وحول مصر أوضح 'الشنيطي'، أن مستوى الدين العام الداخلي والخارجي وصل إلى 96 – 97% ولكن الجانب الإيجابي يتمثل في انخفاض خدمة الدين من 10% إلى 6%، ولكنها عادت للارتفاع مرة أخرى إلى قرب 10% وهو مستوى مرتفع جدًا، لافتًا إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد واتفاق مشروع رأس الحكومة قلص من خدمة الدين قصير الأجل وهذا جانب إيجابي، كما أن الدولار لم يرتفع بأكثر من 10% خلال العام، وأشار إلى أن الميزان التجاري مع الخارج بالسالب ومازالنا غير قادرين على الاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه في زيادة الصادرات، ومن ناحية أخرى عادت تحويلات المصريين بالخارج لمستوياتها السابقة المرتفعة مع توحيد سعر الصرف.
من جانبها قالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن العام الماضي شهد توقعات متباينة وكيف أن أسواق المال تتجاوب مع كافة التطورات، لافتة إلى أن تجارب الدول الثلاث التي شملها التقرير مهمة جدًا للنظر إليها، حيث أن هناك تحركات ضخمة في الصين بمجال الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وهو ما يعني أن الحرب مع الولايات المتحدة ستتواصل، مشيرة إلى أن المؤشرات الخاصة بالاقتصاد السعودي تُظهر أن السمعة التي روجتها السعودية عن نفسها أعلى من الحقيقة، وفيم يتعلق بعدم الصادرات المصرية على الاستجابة لانخفاض سعر صرف الجنيه، أوضحت أن التصدير هو آخر مرحلة في هيكل الإنتاج ويجب الاهتمام بالاستثمار حتى تتحقق هذه الاستفادة وتبني إصلاحات هيكلية في الاقتصاد المصري.
واختتم 'الشنيطي' تقريره بالتأكيد أن العالم يعيش في مرحلة من الاضطراب الاقتصادي الذي يستدعي اليقظة والابتكار في استراتيجيات التعامل مع الأزمات المالية، خصوصًا في ظل الظروف الراهنة.
ولفت إلى أن الصين والسعودية في مقدمة اللاعبين الذين يجب مراقبتهم نظرًا لآثارهما الكبيرة على الاقتصاد العالمي.
من جانبه عقب شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية سابقًا، داعيًا إلى دراسة تجارب الهند والمغرب اللتان تستحقان اهتمامًا كبيرًا، لافتًا إلى أن تجربة الاستثمار في السعودية ليست كما يروج لها والصورة ليست وردية كما ينبغي.
وأشار 'سامى' إلى عدم تحرك أسعار البترول بشكل كبير رغم كافة الأحداث التي شهدها العالم هو مؤشر جيد على عدم حدوث طفرات متوقعة، وجيد أيضًا بالنسبة إلى مصر كمستهلك.
وعلى الجانب الآخر تحدث 'سامي' عن وجود نوايا حكومية لتصدير العقار وهو أمر جيد ولكنه لن يحدث بدون تطوير منظومة التسجيل العقاري.
وفيما يتعلق بسوق المال المصري، أوضح 'سامي' أنه لا يرى كيانات جديدة في البورصة المصرية، وما يهم هنا هو القطاع الخاص أكثر من العام، منتقدًا الحديث المتكرر للحكومة عن طروحات مستقبلية لشركات عامة دون حدوث شئ وهذا مؤشر سلبي، مؤكدًا أن ما يحيي البورصة ليس الطروحات العامة ولكن دخول الكيانات الكبرى الخاصة.
من جهته تناول الدكتور مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد ومساعد وزير التموين السابق، في حديثة عن التحولات الكبرى التي شهدتها الاقتصادات العالمية في 2024، وخاصة في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وأوضح 'نافع' أن التحديات التي تواجهها هذه الاقتصادات، مثل التضخم المرتفع وأسعار الفائدة، كانت لها تأثيرات كبيرة على الاقتصادات الناشئة.
كما تناول 'نافع' تأثير هذه التحديات على مصر، مشيرًا إلى أهمية التركيز على تحسين الإنتاج المحلي وتحقيق توازن بين العجز في الميزان التجاري وزيادة الاستثمار المحلي والدولي.
وأشار إلى أنه ليس من المتوقع تراجع التضخم خلال الشهرين المقبلين في ظل توجه المستهلكين لشراء وتخزين السلع مع قرب حلول شهر رمضان.
من جانبه أكد هاني توفيق، رئيس مجلس إدارة المستثمرون الدوليون، أن التضخم في مصر ناتج بالأساس عن ارتفاع التكلفة، والفوائد تعد جزءًا من التكلفة وبالتالي لا يعد رفع الفائدة هو الحل في مواجهة التضخم، مؤكدًا أن التضخم في مصر جزء كبير منه بسبب طباعة النقود وأذون الخزانة، والحل يتمثل في زيادة الاستثمار والتشغيل وتوطين الصناعة، مقترحًا تحويل هيئة البريد إلى بنك وهو ما يعني وجود 3500 فرع في جميع مناطق الجمهورية يمكنها توفير الإقراض والاستثمار.
وتوقع 'توفيق' استمرار ارتفاع أسعار الذهب خلال عام 2025 مع وجود ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، موصيًا بالتحوط بشراء الذهب وعدم مناسبة التوقيت الحالي للتوسعات بسبب عدم وضوح الرؤية.
واختتمت الندوة بتأكيد المتحدثين على ضرورة استمرار الحوار حول التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، وأن مصر بحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لتعزيز قدراتها الاقتصادية وتوسيع فرص الاستثمار.
وأجمعوا على أهمية التحول التكنولوجي والابتكار كأدوات رئيسية لتحقيق الاستقرار والنمو في السنوات المقبلة.