تتأرجح الأسواق العالمية على إيقاع التوترات الجيوسياسية والتصريحات السياسية التي تطلقها شخصيات مؤثرة كدونالد ترامب. فمع كل تصعيد أو تهديد بفرض رسوم جمركية جديدة، تلوح في الأفق موجة من عدم اليقين تدفع المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة.
في هذه الأجواء، لم يعد الذهب مجرد معدن ثمين، بل أصبح مقياساً حقيقياً لمخاوف السوق، تتبعه الفضة والنحاس التي تتأثر بدورها بمسارات مختلفة لكنها تصب جميعاً في بحر التقلبات العالمية. إن صعود هذه المعادن إلى مستويات قياسية لم يكن صدفة، بل هو نتاج مباشر لتفاعل معقد بين التوترات السياسية، وتوجهات البنوك المركزية، وديناميكيات العرض والطلب.
مستويات قياسية ومحفزات الصعود
شهدت أسواق المعادن ارتفاعات غير مسبوقة، لكل منها أسبابه الخاصة التي دفعتها لتحقيق هذه المستويات:
الذهب
وصل سعر العقود الآجلة للذهب إلى مستوى قياسي عند 3552.40 دولارًا للأوقية، بينما بلغ سعر التسليم الفوري 3476.99 دولارًا للأوقية.
هذا الارتفاع ليس مجرد ارتفاع عابر، بل هو انعكاس مباشر لتزايد المخاوف من عدم الاستقرار الجيوسياسي والاقتصادي.
السبب الرئيسي لهذا الصعود يكمن في إشارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لاحتمالية خفض أسعار الفائدة، وهو ما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر فائدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ومعه التهديدات السياسية التي يطلقها ترامب، دفعت المستثمرين للبحث عن أصل يحميهم من التقلبات.
الفضة
تجاوز سعر الفضة 40 دولارًا للأوقية لأول مرة منذ عام 2011، حيث قفزت العقود الآجلة إلى 41.37 دولارًا للأوقية.
وتقتفي الفضة أثر الذهب كملاذ آمن، حيث تستفيد من نفس عوامل عدم اليقين والتوترات الجيوسياسية.
وتُستخدم الفضة بشكل مكثف في تقنيات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية. تزايد الاستثمار في هذا القطاع، إلى جانب نقص المعروض في السوق، دعم أسعارها بشكل كبير.
مقياس صحة الاقتصاد
اقترب سعر النحاس من عتبة 10 آلاف دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، حيث وصل إلى 9,928 دولارًا للطن.
النحاس، المعروف بـ'مقياس صحة الاقتصاد'، لم يتأثر بشكل مباشر بالتوترات الجيوسياسية مثل الذهب، بل كان صعوده مدفوعًا بعوامل اقتصادية بحتة.
أهمها تراجع مؤشر الدولار، مما يجعل النحاس أرخص للمشترين من خارج الولايات المتحدة. كما أن قوة الطلب النسبية من الصين، أكبر مستهلك للنحاس، لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على صلابة أسعاره.
تحليل وتوقعات
بتحليل هذه الارتفاعات، يرى محمود جمال سعيد، الباحث الاقتصادي ومتخصص أسواق المال، أن الارتفاعات الأخيرة تعود بشكل أساسي إلى إشارة الاحتياطي الفيدرالي لاحتمال خفض أسعار الفائدة.
ويؤكد سعيد في تصريحات خاصة لـ أهل مصر أن القفزة الأخيرة في الأسعار العالمية جاءت نتيجة حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي والاقتصادي عالميًا. ويشير إلى أن 'توقعات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، شكّلا دعمًا رئيسيًا لارتفاع الطلب العالمي على الذهب كملاذ آمن'.
ويضيف سعيد، مؤكداً على أن الذهب 'يجب النظر إليه باعتباره استثمارًا طويل الأجل، بعيدًا عن تقلباته اليومية أو الأحداث اللحظية'. ويختتم تحليله بأن الذهب سيظل مرشحًا لتحقيق مكاسب خلال الفترة المقبلة، باعتباره ملاذًا آمنًا يلجأ إليه المستثمرون في أوقات الأزمات.