شهدت أسواق النفط انهيارًا تاريخيًا بعد أن هبطت الأسعار بطريقة «السقوط الحر»، ليهبط خام برنت بأكثر من ثلث قيمته، مسجلاً أكبر تراجع يومي منذ حرب الخليج في 1991، وعكست الخسائر الحادة التحديات التي تواجه أسواق النفط، بعد فشل اتفاق كبار المنتجين في أوبك، حول تعميق وتمديد خفض إنتاج النفط للسيطرة على المعروض، وتحقيق التوازن في الأسواق، والذي يضاف إلى ضعف الطلب العالمي الناجم عن تفشي فيروس كورونا.
وها هي لم تكن الضربة الأولى التي يشهدها الاقتصاد العالمي من خلال انخافض أسعار النفط وعدم توازن أسواقه عالميًا.
حيث قال الدكتور رمضان أبو العلا، الخبير البترولي، أن نكثة إنخفاض أسعار النفط غير عادية، ولكنها تكررت أكثر من مرة، حيث أصيب أسوأق النفط بنكسات وثورات عدة كانت أبرزها أزمة النفط عام 1986، التي واجهت السعودية خلالها أكبر تحدي في تاريخها لمحاولة السيطرة على فوضى إنتاج النفط، وكذلك نكسة 1973 أو صدمة النفط الأولى.
وأضاف «أبو العلا» في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن إنخفاض أسعار النفط سيزداد تدريجيًا إلى أن يصل لدرجة معينة، ثم يبدأ في حيز التوازن إلى أن يعود إلى حالة من الاستقرار التي يتفق عليها المستهلكين والمنتجين، مشيرًا إلى أن الفترة التي يتخذها سعر النفط في السوق العالمي، في الانخفاض والوصول إلى درجة التوازن، لا تزيد عن مدة 6 أشهر.
وذكرت تقارير إعلامية عالمية تعاملات اليوم شهدت عمليات بيع موسعة من قبل المستثمرين بعد الصدمة الناجمة عن فشل (أوبك +) فى التوصل إلى قرار بشأن تعميق خفض الإنتاج بسبب معارضة روسيا، التى اعتبرت أنه من السابق لأوانه تقييم مخاطر (كورونا) على معدلات الطلب العالمية، مما دفع مؤسسات دولية مثل (جولدمان ساكس) إلى التحذير بشأن تهاوى أسعار المعدن الأسود إلى ما دون مستوى 20 دولارا للبرميل.
فيما رأت "وكالة بلومبرج "الأمريكية، أن ما وصفته بالانهيار الكارثى فى أسعار النفط سينعكس على صناعة الطاقة العالمية بشكل عام ويضر باقتصادات عالمية معتمدة على عائداتها النفطية، كما ستتسبب فى إعادة هيكلة شكل السياسات العالمية نظرا لما سيترتب عليه من تداعيات اقتصادية.
وبعد أن خفضت الرياض أسعار خاماتها وأشارت إلى أنها ستزيد الإنتاج، لتهوي أسهم شركتي النفط الوطنيتين أرامكو السعودية وروسنفت، والبلدان هما أكبر مصدرين النفط في العالم ولدي كل منهما حوالي 500 مليار دولار في خزائنه ستقيه الصدمات الاقتصادية بينما يباهي كلا الخصمين بقدرته على الصمود، قالت موسكو اليوم الاثنين إن بوسعها تحمل أسعار نفط بين 25 و30 دولارا للبرميل لفترة تصل من ست سنوات إلى عشر.
وأضافت موسكو، ان في غضون ذلك، تستطيع الرياض تحمل النفط عند 30 دولارا للبرميل، لكن سيكون عليها بيع مزيد من الخام لتخفيف الأثر على إيراداتها، غير أن حرب استنزاف ستكون مدمرة على أي حال وستجبر كلا البلدين على تغييرات اقتصادية صعبة كلما طالت.
وقال حسنين مالك، مدير استراتيجية الأسهم في تليمر: "كما في أي حرب، يتلخص الأمر في حجم الألم الذي يستطيع كل جانب امتصاصه".
كما أعطى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الضوء الأخضر للمملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، للضخ بأقصى سعة بعد أن رفضت روسيا مقترح أوبك لتعميق التخفيضات من أجل التأقلم مع تفشي فيروس كورونا.
واكدت مونيكا مالك، كبير الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، إنه في ظل تراجع أسعار النفط إلى أوائل نطاق الثلاثين دولارا للبرميل، فإن السعودية ستسجل عجزا في خانة العشرات كنسبة من الناتج الإجمالي هذا العام - ارتفاعا من 6.4% متوقعة في الميزانية.
وكدست روسيا احتياطيات بنحو 570 مليار دولار وحررت سعر صرف الروبل، مما يسمح له بالتجاوب السريع مع أوضاع السوق والانخفاض.
ومن جانب أخر يقول المحللون إن روسيا في وضع أفضل بكثير لتحمل صدمة اقتصادية عنها في 2014 عندما فرض الغرب عقوبات بسبب ضمها لمنطقة القرم من أوكرانيا، أو منها في العام 2008 عندما عصفت بها الأزمة المالية العالمية.
وقال وزير المالية أنطون سيلوانوف متحدثا عن الاحتياطيات: "كثيرون انتقدونا، قالوا هذا مثل صندوق كنز، إن وزارة المالية تكنز الذهب لكن الوضع قد يتغير الآن وسنمول جميع النفقات التي تحملناها ونحن ملتزمون باستخدام صندوق الكنز هذا".
تشمل الاحتياطيات البالغة 570 مليار دولار صندوق الثروة الوطني، البالغ حجمه 150.1 مليار دولار بما يعادل 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
في غضون ذلك، قال البنك المركزي إنه سيعلق مشتريات النقد الأجنبي لثلاثين يوما في محاولة لتخفيف الضغوط عن الروبل وإنه سيأخذ أوضاع السوق في الحسبان عند البت في المضي قدما في عطاءات السندات الحكومية المقومة بالروبل الروسي في المستقبل، لكن الروبل تهاوى إلى أضعف مستوياته منذ أوائل 2016 في السوق بين البنوك.
وتراجعت أسهم الشركات الروسية بشدة في لندن مع انخفاض عملاقي النفط روسنفت ولوك أويل 20.4% و18.5% على الترتيب، وقال أوليج فيوجين، مدير مجلس بورصة موسكو، إن روسيا ستواجه تضخما وأسعار فائدة أعلى بسبب حرب الأسعار.
وأشار كريس ويفر، مدير ماكرو-أدفيزوري الاستشارية، الى إنه ما زال من الممكن أن تقرر موسكو استئناف التعاون مع أوبك بحلول الخريف إذا ظلت الأسعار بالغة التدني، وأضاف:"سيتردد بوتين في استنزاف الاحتياطيات المالية أكثر من اللازم لتمويل عجز آخذ بالاتساع".