كشف باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، عن تاريخ منطقة سقارة الأثرية، موضحا أنها الجبانة الوحيدة فى مصر كلها التى تضم مقابر منذ بداية التاريخ المصرى وحتى نهايته، كما تضم آثارا من العصرين اليونانى والرومانى.
وقال عباس، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم، بمناسبة إعلان الكشف الأثري الجديد بسقارة، إن جبانة سقارة اشتق اسمها من إله الجبانة 'سكر/ سوكر'، وهو واحدا من آلهة الموتى والعالم الآخر فى العقائد المصرية القديمة، وهو غير مرتبط بأسرة محددة لكنه موجود في العقائد المصرية منذ وقت مبكر.
وعن وصف جبانة سقارة، أشار باحث المصريات إلى أنها مقسمة إلى 6 قطاعات، القطاع الشمالي منها يضم مجموعة من المقابر أهمها مقبرة 'كا عبر' (شيخ البلد)، ومقبرة 'حسى رع' (من الأسرة الثالثة والتى خرجت منها الألواح الخشبية المنقوش عليها مناظر وكتابات هيروغليفية والمعروضة بالمتحف المصرى بالقاهرة).
وأضاف أن هذا القطاع يضم سراديب في باطن الأرض خاصة بدفن الطائر أبو منجل (رمز الإله جحوتى)، كما يضم مصاطب ملوك الأسرتين الأولى والثانية، وعثر فيه على مقابر صخرية ترجع لعصر الدولة الحديثة.
وأوضح أن القطاع الأوسط من جبانة سقارة يضم المجموعة الهرمية للملك «زوسر» وهرم الملك 'أوسركاف' أول ملوك الأسرة الخامسة، لافتا إلى أن مجموعة الملك 'زوسر' تتكون من سور يحيط به مدخل فعلي فى الناحية الشرقية و13 مدخلا رمزيا، يتضمن السور المدخل الفعلى للمجموعة ثم ردهة صغيرة وصالة طويلة وفناء مكشوف والمقبرة الجنوبية والمصطبة المدرجة (هرم زوسر المدرج) وفناء الحب سد والمعبد الشمالى وملحقاته وبيت الشمال وبيت الجنوب.
وقال الدكتور محمد رأفت عباس: 'لا يوجد شك في أن المجموعة تمثل طفرة معمارية أحدثها 'ايمحتب' مهندس الملك زوسر، والتى تمثلت فى استخدام الحجر على نطاق واسع، وفى تغيير تصميم المقبرة من مصطبة إلى مصطبة مدرجة'.
وبالنسبة لهرم 'أوسركاف'، أوضح أنه هو يعرف بالهرم 'المخربش' لكثرة ما أصابه من تدمير، فبدا مشوها إلى حد كبير، وقد عثر فى معبده الجنائزي على رأس ضخم من الجرانيت الوردي للملك 'أوسركاف' معروض حاليا فى المتحف المصرى بالقاهرة.
واشار إلى قطاع هرم (تتى) بجبانة سقارة، والذي يتضمن هرم الملك 'تتى' أول ملوك الأسرة السادسة، وهرم زوجتيه الملكة 'إبوت' والملكة 'خوبت'، وبه مجموعة المقابر الشهيرة منها مقبرة «مروركا» الذى كان وزيرا فى عهد الملك 'تتى' والتى تزخر جدرانها بالعديد من المناظر والنصوص المهمة، ومقبرة 'كاجمنى' الذى كان هو الآخر وزيرا فى عهد الملك 'تتى'، والتى تعتبر مقبرته بمثابة سجل للكثير من المناظر الدنيوية والدينية، ومقبرة الطبيب 'عنخ ما خور' الذى كان وزيرا هو الآخر والذى تضم جدران مقبرته المنظر الشهير لختان أحد الصبية.
وعن القطاع الغربى بسقارة، كشف باحث المصريات عن ضمه مقبرة «تى»، وهى من أشهر مقابر سقارة لضخامتها وتخطيطها المعمارى المتميز وثراء مناظرها ونصوصها ووصول الفن فيها إلى درجة راقية، موضحا أن «تى» كان مشرفا على أهرامات ومعابد الشمس للملكين 'نفر إير كا رع' و'نى وسر رع' من ملوك الأسرة الخامسة.
وتابع أن القطاع يضم كذلك مقبرتى 'بتاح حتب' و'آخت حتب' اللذين شغلا مناصب مهمة منها وزير وقاضى، وقد عاشا فى عهد أواخر ملوك الأسرة الخامسة 'جد كا رع إسسى' و'أوناس'، وتركا مقبرتين من أجمل وأهم مقابر سقارة.
واضاف أن القطاع الغربي يضم كذلك السيرابيوم وهو اسم يعنى (مقر أو ضريح الإله سيرابيس)، وهو مسمى يونانى للإله المصرى القديم «حب» أى (الثور أبيس)، وكلمة «سيرابيس» هى كلمة مركبة تجمع بين الإله «أوزير» والإله «حب».
وأوضح أن سيرابيوم سقارة عبارة عن مجموعة من التوابيت المنقورة تحت سطح الأرض، والتى خصصت لدفن مومياوات العجل أبيس فى توابيت ضخمة من الجرانيت، وتختلف عن سيرابيوم الإسكندرية الذى كان معبدا للإله «سيرابيس» رأس ثالوث الإسكندرية.
وقال إن قطاع هرم (أوناس) بسقارة، يضم هرم أوناس الذى يتميز بأنه أول هرم سجلت على جدرانه الداخلية نصوص الأهرامات، ولا تزال أطلال معبده الجنازى قائمة، وكذلك الحفر التى كانت مخصصة لسفن الملك، ثم الطريق الصاعد الذى لا يزال يحتفظ بجزء من سقفه ثم أطلال معبد الوادى.
وأضاف أنه يتضمن كذلك المجموعة الهرمية للملك 'سخم خت'، وهى مجموعة تماثل فى معظم أجزائها مجموعة الملك «زوسر» من حيث التخطيط، وإن لم ينته العمل فيها بعد.
وتابع أن هذا القطاع يضم كذلك مجموعة من المقابر المهمة لبعض أفراد الأسرة المالكة ولكبار رجال الدولة، يقع بعضها إلى الشمال من الطريق الصاعد لهرم 'أوناس'، والبعض الآخر إلى الجنوب من هذا الطريق، أما المقابر الواقعة إلى الشمال فمنها مقبرة الأميرة 'إدوت'، وهى من أهم مقابر 'سقارة'، فصاحبتها أميرة من البيت المالك عاشت فى نهاية الأسرة الخامسة وبداية الأسرة السادسة، وتتميز المقبرة بثراء مناظرها وجمال ألوانها. ولفت إلى مقبرة 'خنو' الذى كان مشرفا على هرم أوناس، وتتميز مقبرته بوصول فن النقش فيها إلى درجة عالية من الاتقان، ومصطبة الوزير 'محو' الذى عاش فى بداية الأسرة السادسة، وهى تعتبر من أهم مقابر سقارة.
وعن المقابر الواقعة إلى الجنوب من الطريق الصاعد، نوه بأن منهم مقبرة «نفر حر إن بتاح» والتى تعرف بمقبرة الطيور، وقد عاش صاحبها فى عصر الأسرة الخامسة وكان مصففا للشعر فى القصر الملكى، لهذا تتضمن جدران هذه المقبرة ما يتعلق بهذه المهنة، كما تشتهر بما سجل على جدرانها من أنواع كثيرة من الطيور.
ولفت إلى مقبرة «نفر» التى تتميز بثراء مناظرها ومهارة الفنان الذى نقش ألوان هذه المناظر، ومقبرة «إبركوى بتاح» المعروفة بمقبرة الجزارين، حيث كان صاحبها رئيس الجزارين فى القصر الملكى فى الأسرة الخامسة، وتزخر جدران هذه المقبرة بمجموعة من التماثيل المنقوشة فى الصخر لصاحب المقبرة، بالإضافة إلى عدد كبير من المناظر التى تمثل المراحل التى تمر بها عملية ذبح الأضاحى.
وأضاف أن المقبرة الأخيرة تخص شخصين هما «نى عنخ خنوم» و«خنوم حتب» عاشا فى الأسرة الخامسة، وكانا يشغلان وظائف كهنة «رع» فى معبد الشمس للملك «نى وسر رع»، وتعتبر هذه المقبرة المزدوجة من أكبر وأجمل مقابر سقارة.
وأكد باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، أنه منذ أوائل الثمانينات عثر فى هذا القطاع فى التلال الرملية الواقعة إلى الجنوب من الطريق الصاعد على مجموعة من المقابر التى ترجع إلى عصر الدولة الحديثة، وذلك من خلال بعثة جامعة القاهرة (كلية الآثار) وبعثة إنجليزية هولندية مشتركة، وتخـص المقابر مجموعة من كبار رجال الدولة الذين تحملوا مسئولية الدلتا وأقاموا فى «منف».
وكشف عن أشهر هذه المقابر ومنها مقبرة «حور محب» عندما كان قائدا عسكريا فى 'منف' والذى أصبح فيما بعد ملكا على مصر فى نهاية الأسرة الثامنة عشرة، ودفن فى المقبرة التى أعدت له فى وادى الملوك بالأقصر.
وحول القطاع السادس والأخير بجبانة سقارة وهو القطاع الجنوبى، قال الدكتور عباس إنه يضم مصطبة 'شبسكاف' المعروفة باسم مصطبة فرعون والتى جاءت تعبيرا كما يعتقد عن رفض هذا الملك لعقيدة الشمس ولمظاهرها والتى من بينها الشكل الهرمى للمقبرة.
وأوضح أنه بالنسبة للملك 'جد كا رع إسسى' فهو صاحب الهرم الذى يعرف بالهرم (الشواف)، والذى دمر وبقية المجموعة الهرمية تدميرا شديدا، كما يضم هذا القطاع هرم الملك 'ببى الأول'، والذي يشتهر بما تتضمنه الجدران الداخلية من نصوص الأهرام، ومن المعروف أن اسم هذا الهرم هو 'ببى من نفر' أى 'هرم ببى ثابت وجميل'، و'من نفر' هو الاسم الذى أطلق على العاصمة 'منف'.
ولفت الى أن هرمي 'مرى إن رع' و'ببى الثانى' بالقطاع الجنوبي بسقارة فإنهما لا يختلفان كثيرا عن هرم 'ببى الأول'، كما عثر على ثلاثة أهرامات لزوجات الملك 'ببى الثانى' وهن 'نيت وإبوت ووجبتن'، ورغم صغر حجم هذه الأهرامات إلا أنها تتضمن من الداخل نصوص الأهرامات شأنها فى ذلك شأن أهرامات الملوك.