تعيدنا حالة الفوضى والحرب الأهلية التي تشهدها إثيوبيا، بين الجيش الفيدرالي وجبهة تحرير إقليم تقراي، وما يترتب عليها من توجيه الإنفاق القومي لتمويل الحرب، إلى حالة الفوضى التي شهدتها مصر، في أعقاب ثورة 25 يناير2011، وواكبت ميلاد أعمال إنشاء سد النهضة الأثيوبي بإرادة منفردة دون النظر لاعتراضات وتحفظات دولتي المصب "مصر والسودان".
ولعلِّي أتفق مع الدكتور نصر الدين علام وزير الري المصري الأسبق، الذي يقول إن: "هناك العديد من المناشدات والنداءات الغربية لمصر لعدم استغلال أحداث إثيوبيا للتخلص من صداع السد، ولا أتذكر نداءاً واحداً تم توجيهه لإثيوبيا بعدم استغلال أحداث مصر الداخلية عام ٢٠١١ للبدء فى بناء السد"، حقا ما أشبه الليلة بالبارحة.
على مر عقد من الزمان لم يدخلوا في مفاوضات جادة، بل ظلوا يتلاعبون بآلة الوقت، هكذا تعاملت إسرائيل مع القضية الفلسطينية منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام 1948 حتى يومنا هذا، هكذا سُقيت مصر كأس المماطلة إلى أن أصبح السد الإثيوبي-النهضة- واقعا لا تخطئه عين، يتسابق البناؤون والممولون والداعمون لإقرار واقع يمثل تهديدا وجوديا لمصر والسودان، فهل يعيد التاريخ نفسه دون أن نتعلم؟
ويواصل الدكتور علام تساؤلاته "هل تم منح أبي أحمد جائزة نوبل كرجل الغرب القوي لحفظ الأمن في القرن الأفريقي، أم تم اختياره لإنجاز مشروع السدود الأثيوبية والتضييق على مصر؟ وهل سيؤدي خطأ الاختيار إلى تفكك وتحلل الدولة الإثيوبية؟ سنرى كيف يتحرك الغرب ومن وراءه لوقف هذه التداعيات الخطيرة !"
يبدو أن المتغيرات باتت أسرع من وتيرة المفاوضات المتعثرة، فلم تمض أيام على تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذي لوح فيها بحق مصر في تفجير سد النهضة، إذا ما استمر التعنت الإثيوبي، حتى أطاحت به الانتخابات الأمريكية خارج المنافسة، وتحولت الأنظار لغريمه الجمهوري "جو بادين"، الذي لم يفصح بعد عن طريقة تعامل الوساطة الأمريكية مع هذا الملف الشائك، لا سيما بعد أن رفضت إثيوبيا استكمال المفاوضات التي تمت برعاية وزارة الخزانة الأمريكية.
ولا أتفق مع ما ساقه محللون أن رحيل ترامب لن يكون في صالح المفاوضات، فلم يحرك الأخير ساكناً، ولم يمنحنا إلا ضجيج قد يضر بمصالحنا مع القارة الإفريقية، ويتفق معي في هذا الشأن اللواء محمد الشهاوي مستشار أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، الذي لا يرى في التلويح الأمريكى بتفجير سد النهضة انحيازا لمصالح مصر، لأن استخدام القوة العسكرية سيعقبة استهجان عالمي للنهج المصري، كما حدث مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما أقنعه الأمريكان بمباركتهم احتلال الكويت ثم انقلبوا عليه، الأمر نفسه أكدت عليه ثوابت السياسة المصرية التي لجأت إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحسم النزاع، استناداً لقواعد القانون الدولي، و يُعتقد أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، سيكون له دور إيجابي بهذا الشأن.
هذا ولم تحرز جولة المفاضات الأخيرة، التي انتهت مطلع سبتمبر الجاري، أي تقدم بشأن إلزام إثيوبيا ألا تتخذ أي إجراء أحادي بشأن ملء سد النهضة، لحين إنهاء المفاوضات والتوصل لاتفاق، لا سيما أن السودان وإثيوبيا ترغبان في إعطاء دور لخبراء الاتحاد الأفريقي، دون المراقبين من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضته مصر.
كل هذه المتغيرات تجعلنا أكثر إيماناً بأن الأيام القادمة ستبقى حُبلى بالمفاجآت، وأن أضرار ومخاطر السد الإثيوبي، لم تعد بعد أمراً واقعاً لا يقبل التفاوض، خاصةً أن الجانبين؛ المصري والسوداني بات لديهما كثيراً من أوراق الضغط.