قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن مصر انخرطت في مسار عقد المياه للأمم المتحدة 2018 – 2028 انطلاقا من يقينها الثابت بحتمية التعاون الدولي.
نص كلمة الرئيس السيسي اليوم الأحد في الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه 2021
السيدات والسادة ضيوف مصر الكرام
يسعدني الترحيب بكم في الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه 2021, من على ضفاف نهر النيل، واهب الحياة لملايين المصريين، وباعث الخير والنماء منذ فجر التاريخ لحضارات شعوب وادي النيل، والتي أسهمت ولا تزال بدور رئيسي في صياغة التراث الإنساني وصناعة الفكر البشرى على مر العصور.
السيدات والسادة،
يأتي اختيار موضوع أسبوع القاهرة للمياه في دورته الرابعة، وهو 'المياه والسكان والتغيرات العالمية – الفرص والتحديات' في وقت يشهد فيه العالم تغيرات سريعة تؤثر على الموارد المائية وتجعل الإدارة المثلى لها عملية غاية في التعقيد.
وغنى عن البيان أن أزمة المياه من أبرز التحديات الدولية الملحة بسبب الزيادة المطردة في عدد سكان العالم مع ثبات مصادر المياه العذبة، فضلاً عن التدهور البيئي، وتغير المناخ، والسلوك البشرى غير الرشيد من خلال إنشاء مشروعات مائية غير مدروسة بدون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية الدولية.
إن كل تلك العوامل إنما تسهم في تفاقم الأزمة وتوثر على قدرة الدول في الوفاء باحتياجات شعوبها من المياه، مما يحول مسألة إدارة الموارد المائية إلى تحدٍ يمس أمن وسلامة الدول والشعوب، وقد يكون من شأنه التأثير على استقرار أقاليم بأسرها.
وفي ظل هذه الأزمة الدولية الحرجة، وانطلاقاً من يقين ثابت لدى مصر بحتمية التعاون الدولي والعمل متعدد الأطراف وفى القلب منه منظومة الأمم المتحدة، انخرطت مصر بصورة بناءة في 'مسار عقد المياه للأمم المتحدة 2018 – 2028'، حيث شاركنا بفاعلية في مختلف مراحله، بل وبادرنا بالتنسيق مع عدد من الدول الصديقة لإطلاق بيان مسار عقد المياه ومؤتمر الأمم المتحدة المرتقب لمراجعة منتصف المدة الشاملة لعقد المياه في مارس 2023.
من ذات المنطلق، رحبت مصر بوضع أسبوع القاهرة للمياه في دورتيه الرابعة الحالية والمقبلة في أكتوبر 2022 على مسار عقد المياه الأممي، لفتح نقاش موسع شامل بين مختلف أصحاب المصلحة من الحكومات والمجتمع المدني والخبراء والأكاديميين والمرأة والشباب, وذلك بهدف دفع الجهود الدولية الرامية لمواجهة التحديات المائية, خاصة ما يتعلق بندرة المياه, وتأمين وصول الإنسان إليها، وتعزيز التعاون العابر للحدود بغرض بناء أطر تكاملية ترسخ الاستقرار الإقليمي على أسس المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة.
السيدات والسادة
علي الصعيد الوطني، تؤمن مصر إيماناً راسخاً بأن دفع جهود التنمية يُعد شرطاً أساسياً لتعزيز السلم والأمن الدوليين وإقامة نظام عالمي مستقر، ولقد تبنينا الرؤية الشاملة 'مصر 2030' في برنامج وطني طموح يخاطب كافة مناحي الحياة، وأولينا فيه أولوية قصوي للهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المعني بالمياه، كما وضعت مصر الخطة الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية حتي عام 2037 بتكلفة تقديرية مبدئية 50 مليار دولار، وقد تتضاعف هذه التكلفة نتيجة لمعدلات التنفيذ الحالية، حيث ترتكز الخطة على أربعة محاور رئيسية:
1. تحسين نوعية المياه، ومنها إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية.
2- تنمية موارد مائية جديدة، حيث شهدت الفترة الماضية اتجاهاً وطنياً متنامياً لتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر.
3. ترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة ورفع كفاءة منظومة الري المصرية، حيث تبنت الدولة مشروعاً قومياً لتبطين الترع والتحول لنظم الري الحديثة بغرض تحقيق أقصي استفادة ممكنة من مواردنا المائية المحدودة.
4. تهيئة البيئة المناسبة بما يتماشي مع برامج العمل والمشروعات المائية، وذلك من خلال التطوير التشريعى والمؤسسى وزيادة وعى المواطنين بأهمية ترشيد المياه والحفاظ عليها من كافة أشكال الهدر والتلوث.
وتخطو مصر هذه الخطوات في مواجهة تحديات جمة ومركبة، فنصيب الفرد من المياه في مصر لا يتجاوز 560 متر مكعب سنوياً في الوقت الذي عَرفت الأمم المتحدة الفقر المائي على أنه 1000 متر مكعب من المياه للفرد في السنة، كما أن مصر هي أكثر الدول جفافاً في العالم بأقل معدل لهطول الأمطار بين سائر الدول، مما يؤدي للاعتماد بشكل شبه حصري علي مياه نهر النيل التي تأتي من خارج الحدود، لذا تضع هذه المعادلة المائية الصعبة حالة مصر كنموذج مبكر لما يمكن أن يُصبح عليه الوضع في العديد من بلدان العالم خلال المستقبل القريب، مع استمرار تحديات الندرة المائية، وعدم التمكن من تكريس التنسيق والتعاون العابر للحدود علي نحو يتسم بالفعالية وفقاً لقواعد القانون الدولي ذات الصلة .
وفي هذا الصدد .. يتابع الشعب المصري عن كثب تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي، وأود أن أؤكد تطلعنا للتوصل في أقرب وقت وبلا مزيد من الإبطاء لاتفاقية متوازنة وملزمة قانوناً في هذا الشأن اتساقاً مع البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن في سبتمبر 2021، بما من شأنه تحقيق أهداف إثيوبيا التنموية، وهي الأهداف التي نتفهمها بل وندعمها، وبما يحد في الوقت ذاته من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لهذا السد علي مصر والسودان، وذلك علي أساس من احترام قواعد القانون الدولي، وعلي النحو الذي يكرس التعاون والتنسيق لا السياسات الأحادية بين دول المنطقة.
السيدات والسادة
ختاماً أود أن أوُكد علي أهمية إعلاء مبادئ التعاون والتضامن الدولي، بما من شأنه تمكين شعوبنا من مواجهة التحديات العالمية الراهنة اتصالاً بموضوعات المياه، حتى ننجح في مواجهتها بالتعاون سوياً، ونتفادى أن نقع في براثن التناحر حولها، فلا يخرج منا أحد فائز في صراع متهور حول مصدر الحياة الواجب توفيره لكل إنسان دون تفرقة.
لذا أدعوكم جميعاً إلي الانخراط علي نحو بناء يتسم بالموضوعية والشفافية في فعاليات الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه، وإطلاق حوارات معمقة تتناول مختلف أبعاد قضايا المياه، بما في ذلك جوانبها الفنية والسياسية والقانونية والبيئية والتنموية والإقتصادية.
كما أرجو أيضاً أن تتيح نقاشاتكم مزيداً من تطوير المفاهيم والمبادئ ذات الصلة بتعزيز الإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد المائية، وحث الدول التي تشاطئ الأنهار الدولية على إعلاء قيم التكامل والمشاركة، وتفعيل قواعد العدالة والإنصاف وعدم الإضرار بمصالح جيرانها.
وأؤكد لكم أن مصر لن تدخر جهداً في دفع أجندة المياه في الأمم المتحدة والمحافل متعددة الأطراف، وتأمين حصولها علي الاهتمام اللازم الذي يتسق مع قيمة المياه التي لا تقدر بثمن، والتي ترتبط ببقاء الإنسان وحياة الشعوب بأسرها .
وشكراً.