مازالت قضية سد النهضة تشغل الرأي العام المحلي والدولي، خاصة أن هذه الأيام بدأت إثيوبيا تعلن عن اقتراب موعد الملء الثالث خلال الشهور القليلة المقبلة بداية من يوليو حتى موسم الأمطار المقبل في أغسطس وسبتمبر، الأمر الذي يثير قلق المصريين خوفا على حقوقهم المائية، وللاطمئنان على وضع مفاوضات سد النهضة، وما تم التواصل إليه في تلك القضية، لذا يفتح 'أهل مصر' ملف سد النهضة ويعرض آراء المتخصصين والخبراء السياسيين والمائيين حول مستجدات الأوضاع، ودور مصر في حقها تجاه التصرفات الإحادية من قبل الجانب الإثيوبي.
طارق فهمي: الملء الثالث يدخلنا في متاهات.. وإثيوبيا لم تكشف الحقائق
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن الملء الثالث لم يتقرر من حيث التوقيت بشكل دقيق، لا سيما في ظل ما يتردد من أن هناك صعوبات فنية في هذا الإطار، سواء كانت الصعوبات المتعلقة بالموقف الإثيوبي أو المرواغات التى يتم الإعلام عنها.
وأضاف في تصريحات لـ 'أهل مصر': 'نحن أمام تطورين الأول مرتبط بالملء الثالث وما يمكن أن يحدث بعده لأننا سندخل في متاهات الملء سواء الثالث أو الرابع وفق الخريطة الزمنية المحددة من قبل الجانب الإثيوبي، والأمر الآخر المتعلق بـ ردود الفعل، فيما لاتزال مصر داعية لاستمرار العمل من داخل مجلس الاتحاد الأفريقي، وما يخص مجلس الأمن مؤجل لاعتبار عدم اسيتفائها في هذا الإطار'.
وأشار إلى إنه لايوجد مفاوضات أو اتصالات حتى الآن لكن المشكلة الرئيسية ترويج الجانب الإثيوبي ادعاءات لا أساس لها من الصحة لإلهاء شعبها'.
مساعد وزير الخارجية الأسبق: الحكومة الإثيوبية لديها مشاكل داخلية وتستخدم سد النهضة
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لـ 'أهل مصر': 'لا أستبشر خيرا بموقف الحكومة الإثيوبية الراهنة لكونها لديها مشاكل داخلية تجعلها تستخدم سد النهضة لخلق النزاعات ولتهدئة الجبهة الداخلية'.
وتابع: 'سد النهضة ليس لحجز المياه، وإذا كان لذلك فإثيوبيا لاتستخدم نظم الري المعروفة لدينا، والسد لديها في الشمال والمياه في الجنوب، ولكى تنشئ نظاما للري لا يمكنها الاستفادة من مياه السد، وهي ليست طامعة في مياه النيل الأزرق بل ترغب فب إنتاج الكهرباء ولا مانع في الوقت الحالي أن 'تنكد' على مصر والسودان.
وفيما يخص الملء الثالث وحجز المياه، قال: 'لا أعتقد ذلك لأن المياه تكون أكبر من قدرة السد الاستيعابية، وبالتالى تضطر إثيوبيا لفتحه حتى لا ينهار'، مضيفًا: 'إنه لكى يولد كهرباء لابد أن يمرر المياه في التوربينات لتشغيلها، وفي حالة حجز المياه أين يتم تصريفها خاصة أنها لا ترجع للجنوب'.
وقال: 'هناك مشكلتان في الملء أولهما في تعثر التوربينات والسد لا يستطيع تحمل المياه، وهيضطر يصرف المياه على تجاه مصر والسودان، فاقترحنا عليهم عمل فتحات لمنع الضرر، والمشكلة الثانية أنهم قرروا فجأة بدون قرار سياسي مضاعفة حجم السد من 42 متر إلى 70 متر، مما يؤدي إلى وجود ضغط مياه على التربة في هذه المنطقة مما يخلق زلازلا قد لا تتحمله على الإطلاق وإذا أدت إلى انهيار السد نتعرض لكارثة بيئة وإين يتم تصريف المياه'.
واستكمل: 'مصر بذلت جهودا كبيرة في توشكي ووادي النطرون وغيرهما، وفي حالة خروج المياه بشدة نستطيع استيعابها في الصحراء الغربية، فالحكومة المصرية تتعامل بهدوء شديد لحفظ حقوقها ومعالجة الأمر، ووزير الخارجية سامح شكري، بتصريحاته مع نظيره بجنوب أفريقيا طالب بشدة بوجود نظام تعاقدي وإلزامي للجانب الإثيوبي بشأن كيفة استخدام سد النهضة'.
وقال: في حالة قلة المياه في مصر وتقليل الزراعة قدر الإمكان، فالسعودية والدول الخليجية تفعل ذلك وتستورد ولديها دخل من النفط يجعلها تقضى حاجاتها، فلابد من عمل دخل من الصناعة والخدمات، من أجل توسيع الدخل القومي من البلاد، ومش هنموت بسبب سد النهضة وقلة المياه'.
وأثنى على دور مصر في ترشيد استهلاك المياه والمشروعات القومية لتبطين الترع والتحول للري بالرش والتنقيط وتحلية مياه البحر، وزراعة محاصيل على المياه المالحة ومعالجة التربة مما يوفر 8 مليارات متر مكعب من المياه'.
عدلي سعداوي: مصر قادرة على التعامل مع التهديد المائي
وقال 'سعداوي' في تصريحاته لـ 'أهل مصر': 'سد النهضة حاليا يحتوي على 7 أو 8 مليارات متر مكعب كحد أقصى، ويحتاجون إلى تخزين 10.5 مليار متر مكعب، في ظل تعثر حركة البناء، لافتا إلى أن ما يتم حجزه سيخرج من احتياطي السد العالي المصري.
وأشار إلى أنه ابتداء من شهر مايو المقبل، يزداد الوارد عند سد النهضة، وبالتالي التخزين يبدأ مع بداية سقوط أمطار خفيفة على الهضبة الإثيوبية.
وأختتم أنه بالرغم من التجاوزات التي تقوم بها إثيوبيا، إلا أن مصر قادرة على التعامل مع التهديد المائي، والاستمرار في الملء الأحادي لن يصل إلى شيء.
"شراقي": أتمنى الوصول لاتفاق قبل يوليو.. والتخزين مرفوض من مصر والسودان بأي كمية
قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، وجولوجيا الأرض في جامعة، القاهرة، عن الملء الثالث التى تعلن أثيوبيا اقتراب موعده، إن إثيوبيا حاولت إنهاء المرحلة الأولى بتخزين 18.5 مليار م3 عام 2020، والتى كان مقررا لها نهاية 2014، ولم تستطع تخزين سوى أقل من 5 مليار متر مكعب خلال 3 أسابيع من 1-21 يوليو 2020.
وأوضح، في تصريحات لـ'أهل مصر': فى العام التالى حاولت إكمال ما لم تستطع عمله سابقاً، إلا أنها خزنت حوالى 3 مليار م3 فقط خلال أسبوعين من 4-18 يوليو 2021 قبل هجوم الفيضان فى التاسع عشر من نفس الشهر، ومازالت تدعى أن التخزين كان كاملاً 13.5 مليار م3 عند مستوى 595 م، رغم أن إيراد شهر يوليو بالكامل 7 مليار م3'.
وأضاف: 'تأمل إثيوبيا حالياً رفع مستوى الممر الأوسط بمقدار 20 م إلى المستوى الحقيقى 595م، والذى يعادل قدرة تخزينية 13.5 مليار م3 وليس 18.5 مليار م3 طبقا للجدول الهندسى الذى تم بواسطة الشركة الإيطالية المنفذة، وبالتالى فان التخزين القادم سوف يتراوح بين 3 إلى 5.5 مليار م3 فى أحسن الأحوال، ومازال التخزين مرفوض من مصر والسودان بأى كمية'.
وأكد أن الصور الفضائية الحديثة تظهر استمرار تدفق المياه من خلال أحدى فتحتى التصريف، والتوربين رقم 10، وجارى رمى الخرسانة على الممر الأوسط.
وأفاد أتمنى أن نصل إلى اتفاق فبل الأول من يوليو موعد التخزين الثالث (حتى وان كان قليلاً) لأنه سوف يترك أثرا معنويًا سلبيًا على المواطن المصرى رغم عدم تأثره مائيًا'.
قضية وجودية
وفيما يخص مستجدات سد النهضة وعلى الساحة الدولية، شدد وزير الخارجية سامح شكري على أن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل يرتبط بـ'قضية وجودية' لمصر وشعبها.
وصرح وزير الخارجية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي 'دافوس 2022'، 'إن الجهود لم تسفر حتى الآن عن اتفاق حول تشغيل السد'، مشيرًا إلى أن مصر تعمل بكل جد لدفع الأمور للأمام من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يتيح لإثيوبيا التنمية ويحافظ على حق البلاد.
وحول مصير المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، قال شكري: 'نراقب ونتابع من خلال اتصالاتنا مع الشركاء الدوليين كيفية تحريك المفاوضات والتوصل لاتفاق'.
وكان مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، قد دعا في منتصف سبتمبر الماضي، مصر وإثيوبيا والسودان لإنجاز اتفاق ملزم ومقبول بشأن سد النهضة وبأسرع وقت ممكن.
ورحبت مصر بالبيان الرئاسي الصادر، عن مجلس الأمن، في إطار مسئولياته عن حفظ السلم والأمن الدوليين، والذي شجع مصر والسودان وإثيوبيا على استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة في إطار المسار التفاوضي الذي يقوده رئيس الاتحاد الأفريقي.
وذلك بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في إطار زمني معقول.
كما شجع البيان الرئاسي المراقبين الذين سبقت مشاركتهم في الاجتماعات التفاوضية التي عُقِدَت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وأي مراقبين آخرين تتوافق عليهم الدول الثلاث، على مواصلة دعم مسار المفاوضات بشكل نشط بغرض تيسير تسوية المسائل الفنية والقانونية أو أية مسائل أخرى عالقة.
ويأتي صدور هذا البيان الرئاسي عن مجلس الأمن تأكيداً للأهمية الخاصة التي يوليها أعضاء مجلس الأمن لقضية سد النهضة.
وإدراكاً لأهمية احتواء تداعياتها السلبية على الأمن والسلم الدوليين، ولمسؤوليتهم عن تدارك أي تدهور في الأوضاع ناجم عن عدم إيلاء العناية اللازمة لها.
وأكدت مصر أن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن حول سد النهضة، وعلى ضوء طبيعته الإلزامية، إنما يمثل دفعة هامة للجهود المبذولة من أجل إنجاح المسار الأفريقي التفاوضي، وهو ما يفرض على أثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزِم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة على النحو الوارد في البيان الرئاسي لمجلس الأمن.
وأعلنت إثيوبيا، خلال الأيام الماضية ، أن الملء الثالث لسد النهضة سيكون في أغسطس وسبتمبر المقبلين، وأقرت في الوقت ذاته باحتمال تأثر مصر والسودان بعمليات ملء السد، مشيرة إلى عدم وقف الملء باعتزام إنه عملية تلقائية.
تصرفات إثيوبيا الإحادية
تتجمد المفاوضات الثلاثية منذ نحو عام، تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك وتؤكد أن سدها الذي بدأت تشييده قبل نحو عقد لا يستهدف الإضرار بأحد.
وبدأت إثيوبيا، في فبراير الماضي، إنتاج الكهرباء من سد النهضة، فيما اتهمتها مصر والسودان بانتهاك جديد للاتفاق الأولي الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، ويحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر.
وقامت إثيوبيا بالملء الثاني في يوليو 2021، بعد عام من آخر مماثل، وسط رفض مصري سوداني باعتبار ذلك 'إجراءات أحادية'.