سيطرت تقنية «الميتافيرس»، خلال العامين الماضيين، على رؤوس الأموال بأسواق العالم؛ بل على مشهد الصناعة عامة حتى أصبحت الشركات التي تتعامل مع «الميتافيرس» هي المهيمنة على قائمة أقوى الشركات على مستوى العالم؛ من حيث القيمة السوقية.
ولا يمكن التغاضي عن أن «اقتصاد الميتافيرس» (Metaverse Economy) قد يصل إلى ما بين 8 تريليونات و13 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقاً لأحدث تقارير «سيتي بنك».
وبحسب دراسة بحثية نشرتها (Facts and Factors)، فإن قيمة سوق تكنولوجيا «الميتافيرس» بلغت نحو 33 مليار دولار عام 2021.
ويتوقع أن يصل حجم سوق «ميتافيرس» عالمياً إلى 800 مليار دولار عام 2024، فيما ستسهم تقنياته في ظهور مشروعات وصناعات إبداعية وفقاً لديناميكيات السوق، وتقرير وحدة المعلومات التابعة لـ«بلومبيرج إنتيليجنس».
«الميتافيرس هو مستقبل أعمال الشركات» هذا هو المفهوم الذي روجت له صحيفة «نيويورك تايمز» في يناير من العام الجاري، وأن «ميتافيرس» هو مستقبل التكنولوجيا الرقمية الذي يعيشه العالم الآن، مدللة على ذلك بأن الشركات العملاقة؛ من حيث قيمتها السوقية في عام 2022، هي الشركات الأكثر استثماراً في «الميتافيرس»؛ مثل «مايكروسوفت وميتا وجوجل وإنفيديا»، وهي الشركات التي تحقق معدلات نمو هائلة ومن دون توقف، ما جعلها الأكثر نمواً على مستوى العالم.
وعلى الرغم من أن العديد من المحللين والمهتمين والعاملين بمجال تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم إلى جانب محرري هذا القطاع في الصحف، قد احتاروا في مفهوم «ميتافيرس» منذ إطلاقه وحتى الآن، لكونه يحمل دلالات واسعة، لكنه يشير في الأغلب إلى تطور الإنترنت، وعادة ما يوصف بأنه مساحات عبر الإنترنت، تتيح للأشخاص التواصل الاجتماعي، والعمل واللعب كـ«أفاتار».
وتسببت عمليات الإغلاق الناتجة عن وباء «كورونا» في اتجاه الشركات إلى بناء مجتمعات افتراضية عبر الإنترنت، والتوسع في استخدام تقنيات الواقع المختلط، ومن ثم يمكن القول.. إن وباء «كوفيد-19» كان له تأثيره الإيجابي في زيادة حجم سوق تكنولوجيا «الميتافيرس»، وتزداد شعبية تلك التكنولوجيا يوماً بعد يوم، خاصة في ظل تزايد الاستثمارات الرقمية، والبلوك تشين، وأخيراً الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTS).
تجربة ثلاثية الأبعاد
وتوفر تقنية «الميتافيرس» للمستخدمين تجربة ثلاثية الأبعاد، بزاوية 360 درجة؛ حيث يمكن ممارسة الألعاب عبر الإنترنت بطرق تمكن اللاعبين من التفاعل بين الأشخاص، وبعضهم، وحضور الاجتماعات الافتراضية، وكسب المال، وحتى حضور الحفلات الموسيقية، فيما اعتبر البعض أن فيروس «كورونا» كان وراء تسريع السعي إلى هذه التكنولوجيا، لتحقيق واقع افتراضي، يتجاوز الأزمات التي يمر بها العالم.
ويتيح استخدام تقنية «الميتافيرس» من خلال نظارات الواقع الافتراضي، وبمجرد ارتداء النظارة وإمساك وحدات التحكم، وخلال ثوانٍ قليلة، يمكن تفقد العالم من الغرفة أو الذهاب لممارسة الهوايات المفضلة، فهو مكان واحد يجمع كل ما نريد وأكثر؛ حيث الانتتقال إلى عالم آخر؛ عالم رقمي تبدو فيه الأشياء مشابهة لأشكالها الحقيقيّة التي نعرفها، نمسك ونلمس الأشياء من حولنا، فنشعر بها وكأنها حقيقية. اصمم شكلي ومنزلي بنفسي، واشتري ما أريد وأنتقل من مكان لآخر، لاكتشف عوالم أخرى، فأنا الآن في عالم «الميتافيرس».
بدأت المغامرة بتصميم «أفتار» أو جسم رقمي سيكون هو أنت في هذا العالم الافتراضي، باستخدام ال«work room»، الذي توفره «فيسبوك» داخل التقنية الجديدة؛ حيث تستطيع بعدها القيام بجميع الأنشطة المختلفة، من العمل إلى ممارسة الرياضة والترفيه، قمنا بممارسة لعبة تنس الطاولة ليضرب صديقي عماد الكرة من القاهرة، لتصل إليَّ في دبي في لحظة كما لو أنها حقيقية، ففي «الميتافيرس» يمكنك القيام بكل أعمالك اليومية في الحاضر أو اختيارك الذهاب للمستقبل لرؤية ما هو جديد في العالم.
وبالنسبة لـ«ميتافيرس» الأعمال، يجب توفير مساحة خالية داخل الغرفة حتى يمكن التحرك والاندماج الكامل؛ حيث يتم تصميم المكتب الخاص بك، وقاعة الاجتماعات من خلال ال«work room»، كما يمكنك أيضاً اختيار كمبيوتر خاص، وعقد اجتماع من خلال تطبيق «زووم» مع أشخاص بالخارج، فأنت تستطيع استخدام يديك كبديل لقبضة النظارة لإجراء كل الاختيارات المتعددة.
كما يمكن استخدام القبضة كقلم للكتابة على اللوحات المناسبة، وفي الترفيه تتيح التقنية محاكاة شبه حقيقية لممارسة الألعاب المختلفة؛ حيث لا يمكن التمييز بين الخيال والحقيقة أثناء اللعب، ففي كرة القدم يتم ركل بالقدم وفي كرة اليد تمسك باليد، ولا حاجة إلى شراء شاشة تليفزيون أو الذهاب للسينما؛ حيث تتيح نظارة الواقع الافتراضي جودة المشاهدة للفيديوهات على المنصات المختلفة.
الاستثمارات
وبمطالعة حجم استثمارات الشركات العالمية في «الميتافيرس» نجد أن شركة «مايكروسوفت» (Microsoft) أعلنت في ينايرالماضي، أنها ستستحوذ على شركة «أكتيفجن بليزارد» (Activision Blizzard) مطور وناشر ألعاب الفيديو الهائل، لتكون قطاعاً لتأمين مكان رئيسي لها في الميتافيرس، وتعد الصفقة التي تبلغ 70 مليار دولار، أكبر صفقة لشركة مايكروسوفت على الإطلاق، وستسمح للشركة بتطوير الألعاب والبرامج المدعومة من الشركة ضمن الميتافيرس في السنوات القادمة؛ وذلك حسب ما ذكرت منصة «ميك يوز أوف» (makeuseof)، وغيّرت شركة «فيسبوك» (Facebook) اسمها إلى «ميتا» (Meta) في إشارة واضحة إلى رهانها المستقبلي الكبير على «الميتافيرس».
وفي هذا الإطار استثمرت «ميتا» ما مجموعه 10 مليارات دولار في تطوير كل من الأجهزة والبرامج التي سيتم استخدامها، لتوفير إمكانات «الواقع الافتراضي» (VR) داخل «الميتافيرس»، وتخطط الشركة أيضاً للاستثمار في «الواقع المعزز» (AR)، وهي تقنية أخرى ناشئة ذات مستقبل واعد؛ وذلك حسب ما ذكر التقرير السابق، بعد أن استثمرت عدة شركات منافسة في«الميتافيرس»، وقررت «جوجلل» (Google) أخيراً أن تحذو حذوها في يناير/كانون الثاني الماضي.
وأعلنت الشركة استثمار 39.5 مليون دولار في صندوق الأسهم الخاصة بها لجميع مشاريع «الميتافيرس»، وفق التقرير السابق، وبفضل ريادتها في «وحدات معالجة الرسومات» (GPUs)؛ إذ حققت أرباحاً تصل إلى نحو 3 مليارات دولار في الربع الثالث من العام الماضي فقط، فإن «إنفيديا» (Nvidia) في وضع مثالي؛ للاستفادة من الميتافيرس، وستكون لاعباً رئيسياً في هذا المجال في المستقبل، وهي بالفعل تملك حالياً منصتها الخاصة بها من «الميتافيرس»؛ «إنفيديا أومني فيرس» (Nvidia Omniverse).
أكبر المستفيدين
وبدأت حركات البحث الحقيقية في عالم «الميتافيرس» بدأت في عام 2003، ف«الميتافيرس» هو الجيل الثالث من محتوى الإنترنت؛ حيث يتمثل الجيل الأول في ظهور ال«ويب سايت» عام 1989، بعدها ظهر الجيل الثاني في الإنترنت التفاعلي بشكل متماثل في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن «الميتافيرس» ليس مجرد ظاهرة عابرة، لكنه سوف يستمر لفترة طويلة لا تقل عن 15 عاماً مثل الأجيال السابقة للإنترنت.
وتباينت استثمارات الدول العربية في «الميتافيرس»، خاصة أن البنية التحتية التكنولوجية للدول العربية تختلف كثيراً عن ما كانت عليه منذ 20 عاماً، مما يجعلها شريكاً أساسياً وفاعلاً في العالم الافتراضي الجديد، خاصة الإمارات والسعودية ومصر، لأنها بدأت بالفعل في مبادرات وعقد مؤتمرات وشراكات عالمية باستثمارات بمليارات الدولارات.
وتعتبر شركات تطوير الألعاب، هي المستفيد الأول من العالم الافتراضي الجديد، مثل شركة «أكتيفجن بليزارد» مطور وناشر ألعاب الفيديو الهائل، وغيرها من شركات تطوير الألعاب العالمية؛ حيث إن الأدوات المستخدمة في تقنية «الميتافيرس» جميعها أدوات لتطوير الألعاب، تليها في الاستفادة والمشاركة شركات تطوير أفلام الكرتون والأنيميشن، تأتي بعدها شركات السوشيال ميديا، فإنشاء عالم للميتافيرس أصعب كثيراً من موقع للسوشيال ميديا.
«الميتافيرس» يحكم العالم
ويرى خبراء التكنولوجيا إن تقنية «الميتافيرس» ستحكم العالم خلال السنوات المقبلة، فالافتار سوف يتحكم في كل شيء بمن في ذلك الإنسان مع التوقعات بأن تحل الأجهزة الذكية في عالم «الميتافيرس» محل البشر، والبداية كانت بالمطارات التي بدأت بالاستغناء عن العمالة في معظم المهام اليومية، فالكول سنتر سوف تتحول إلى «أفتار»، كما سيتم الاستغناء عن الأطباء والمحامين والمحاسبين، فالافتار سوف يقوم بذلك في عالم بلا أوراق نقدية.
وفرضت جائحة كورونا التحول إلى العمل من المنزل ونجح ذلك، والمتاجر الإلكترونية نجحت أيضاً مقابل التقليدية في الوقت الذي تظهر فيه إشكاليات المستقبل؛ من حيث أنشطة الافتار، وهل سوف تخضع للضرائب أم لا، ونحن بحاجة إلى تغيير القوانين من أجل التقنية الجديدة، فالأمور مبهرة والتطبيقات العملية في حالة تقدم، ولكن التقاء ووجود البشر سوف يندر جداً، وهي كارثة كبيرة.
ومن المتوقع أن يظهر جيل جديد من البشر بسبب «الميتافيرس»مع إقصاء بشر لمصلحة بشر آخرين، وسوف يتم نسخ أنفسنا من خلال التقنية، ومع الوقت «الافتار» سيعرف كل شيء عني ومع الوقت نفسه يمكن أن يتحكم بالبشر ويحكمهم، من خلال «القرين المعلوماتي» بمجرد ارتداء النظارة الافتراضية والقفاز سيتم عمل نسخة من كل مستخدم.
استقطاب المستهلكين
يؤكد الخبراء أن «ميتافيرس» هو مستقبل الأعمال للمؤسسات والشركات في السنوات القليلة المقبلة؛ حيث يوفر فرصاً متنوعة للترويج والتسويق للخدمات والمنتجات من خلال نقل التجارة الإلكترونية، لإنشاء مجموعة جديدة من وجهات التسوق عبر الإنترنت.
استثمارات بنكية آمنة
فالبنوك تفضل ضخ القروض الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا،خاصة تقنية «الميتافيرس»، التي تعتد استثمارات مستقبلية آمنة، ذات عوائد مرتفعة، مقارنة بمعظم القطاعات الأخرى.
وتتجه أنظار البنوك العالمية الآن، وتستعد باستثمارات ضخمة لدعم العالم الافتراضي الجديد، الذي يمثل مستقبل البيزنس العالمي، نظراً لضخامة هذه الصناعة إذا ما قورنت بصناعات أخرى في الوقت الراهن؛ حيث تمثل الولايات المتحدة الأمريكية نحو 41.2% من السوق العالمية (58 مليار دولار)، ومن المتوقع أن تصل حصة الصين في سوق «الميتافيرس» إلى 103 مليارات دولار.
إنجاز الأعمال
وسيكون تأثير «الميتافيرس» قوي في كيفية إنجاز الأعمال؛ حيث ستوفر الشركات مشاركة ومستويات تعاون وتواصل أفضل بموظفيها، من خلال مساحات عمل منتجة في مكاتب افتراضية.
فعدم وجود مالك واحد لعالم «الميتافيرس»، فإنه من المتوقع أن يوجد اقتصاد افتراضي مُتاح بالعملات الرقمية والرموز غير القابلة للاستبدال ولن تحتاج المؤسسات إلى إنشاء بنية تحتية خاصة بها للقيام بأعمالها، نظراً لتوفير الفضاء الرقمي لإمكانية العمل في مكاتب افتراضية.