أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً حول رأس المال والمُخاطر على المستوى العالمي وتأثره بركود اقتصادي عالمي محتمل.
وتمت الإشارة إلى أن استثمارات رأس المال المُخاطر تشهد عالمياً حالةً من التباطؤ هذا العام بعد الطفرة الكبيرة التي حققتها عام 2021؛ حيث ابتعد المستثمرون عن تمويل الشركات الناشئة بسبب ظروف الاقتصاد الكلي غير المؤكدة، واضطراب سوق الأوراق المالية.
ويُعد رأس المال المُخاطر شكلًا من أشكال تمويل الشركات الناشئة ذات فرص النمو الكبيرة لبدء نشاطها التجاري، ويختلف اختلافًا جوهريًّا عن القروض البنكية، حيث تقوم فكرة رأس المال المخاطر على المشاركة في الأرباح والخسائر، أي أن عوائد المستثمرين المخاطرين تعتمد كليةً على نمو الشركة، وقدرتها على تحقيق أرباح أو خسائر، وهو ما يلائم طبيعة الشركات الصغيرة والمتوسطة، بينما في حالة القروض البنكية، فإن من حق الدائن المطالبة بماله بغض النظر عن نمو الشركة أو مركزها المالي.
وأفاد تحليل المركز بأن هناك طفرة في استثمارات رأس المال المُخاطر عام 2021، حيث بلغ حجم الأموال التي تم ضخها في الشركات التكنولوجية الناشئة على مستوى العالم نحو 620.8 مليار دولار أمريكي عام 2021، مقارنة بنحو 171.4 مليار دولار أمريكي عام 2015.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ حجم الأموال التي تم ضخها في الشركات التكنولوجية الأمريكية الناشئة العام الماضي نحو 330 مليار دولار أمريكي، أي ضعف ما تم ضخه في عام 2020، وهو في حد ذاته ضعف المستوى الذي كان عليه قبل ثلاثة أعوام.
وأضاف أن صحيفة "فايننشال تايمز" تناولت تأثير تراجُع استثمارات رأس المال المُخاطر في النصف الأول من عام 2022، مشيرة إلى أن سوق رأس المال المُخاطر يواجه حالة من الانهيار الصامت؛ الأمر الذي سيكون له تأثير عميق في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
كما أشارت وكالة "رويترز" إلى انخفاض استثمارات رأس المال المُخاطر في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من عام 2022 إلى نحو 144.2 مليار دولار أمريكي؛ ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، مقارنة بنحو 158.2 مليار دولار أمريكي خلال الفترة نفسها من عام 2021.
على الصعيد ذاته، أشارت وكالة "بلومبرج" إلى أن أصحاب رأس المال المُخاطر يشهدون أسوأ أداء لهم منذ ما يقرب من عقد من الزمان؛ حيث دفعت حالة عدم اليقين الاقتصادي والعوائد الهشة المستثمرين إلى التراجع بعد طفرة تمويل الشركات الناشئة في عام 2021؛ فقد انخفض إجمالي التمويل العالمي للشركات الناشئة بنسبة 23% في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من عام 2022، حيث وصل إلى 108.5 مليارات دولار أمريكي.
وأشار المركز إلى تظاهر الكثير من المستثمرين ورواد الأعمال - الذين حققوا ازدهارًا تاريخيًّا في استثمارات رأس المال المُخاطر - بعدم وجود انهيار على الإطلاق، إلا أن هناك دلائل على حدوث هذا الانهيار، منها ما حدث لشركة "كلارنا السويدية" التي تقدم خدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا، والتي أرسلت موجات من الصدمة عبر السوق لشركات التكنولوجيا المالية الخاصة في شهر يوليو الماضي؛ حيث جمعت نحو 5.9 مليارات دولار أمريكي، وهو أقل بنسبة 87% من رأس المال المُخاطر الذي اعتقد داعموها أنها تستحقه قبل عام.
وأكد التحليل أن حجم صناديق الاستثمار المُخاطر قد ارتفع؛ وذلك نظرًا لقيام المستثمرين المُخاطرين بنشر رهاناتهم على نطاق واسع عبر قطاعات بأكملها بدلًا من تحديد عدد من القطاعات التقليدية التي حظيت بالنصيب الأكبر من أرباح استثمارات رأس المال المخاطر، ومن بين هؤلاء المستثمرين الجدد صندوق "Softbank’s Vision fund" الذي استثمر 100 مليار دولار أمريكي في هذه السوق، وصندوق "Tiger Global" الذي بلغت حصته أكبر من حصة أي مستثمر آخر في شركات ناشئة بقيمة مليار دولار أمريكي؛ وقد سجَّل الصندوقان خسارة لعام واحد قدرها 27 مليار دولار أمريكي، و17 مليار دولار أمريكي على الترتيب في شهر مايو 2022.
كما تمت الإشارة إلى نمو المشروعات عالية المخاطر بوتيرة سريعة، حيث دفعت وفرة رأس المال المخاطر إلى نمو سريع في المشروعات عالية المخاطر في مجالات التقنيات، مثل: الحوسبة الكمومية، والسيارات ذاتية القيادة، ومشروعات «إطلاق القمر»، والتي عادة ما تستغرق من سبع إلى ثماني سنوات، كما تضاعف حجم استثمارات رأس المال المخاطر للشركات الناشئة في مجال الفضاء التجاري عام 2021، لتسجل أكثر من 15 مليار دولار أمريكي، وفي منتصف العقد الماضي، بلغت الاستثمارات السنوية حوالي 3 مليارات دولار في السنة، وفقًا لشركة "BryceTech".
وتكمن أهمية عامل "الوقت" بالنسبة لاستثمارات رأس المال المُخاطر؛ فصندوق الاستثمار المُخاطر الذي تم جمعه في عام 1996، والذي تزامن مع انتشار الإنترنت، بلغ عائده السنوي نحو 41%، وفقًا لـ "Greenwich Associates"، التي تتعقب أداء الصناديق، أما الصندوق الذي تم جمعه في عام 1999، فقد عانى من خسارة بنسبة 3% في العام، ومن المتوقع في حال تكرار خسارة صناديق رأس المال المُخاطر، أن يدفع كبار المستثمرين المُخاطرين للبحث عن أدوات أخرى للاستثمار؛ الأمر الذي يعني استمرار المنافسة على الاستثمارات على نطاق واسع.
وأشار التحليل إلى وجود حاجة ماسة لإعادة ضبط توقعات نمو رأس المال المُخاطر، وذلك مع استمرار اضطراب الاقتصاد العالمي نتيجة لجائحة "كوفيد- 19" والأزمة الروسية الأوكرانية، فقد تتمكن فقط الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا التي لديها أعمال مستقرة وغير معرضة مباشرة لمخاطر الاقتصاد الهش، من الاستمرار في الحصول على التمويل من رأس المال المُخاطر؛ فقد جمعت شركة الفضاء "SpaceX" نحو 125 مليار دولار أمريكي في يونيو 2022، مقابل نحو 74 مليار دولار أمريكي في أبريل عام 2021.
وأفاد المركز في نهاية التحليل بأن هناك وجهة نظر تفاؤلية للكثير من المستثمرين المخاطرين، مفادها بأن إعادة ضبط توقعات نمو استثمار رأس المال المُخاطر قد تجلب فرصة لدعم الشركات الناشئة الأكثر انضباطًا من الناحية المالية، ومواجهة منافسة أقل من الشركات الناشئة المنافسة الممولة من قبل المستثمرين الأثرياء مثل "SoftBank"، ولكن ما زال من غير الواضح كم ستستغرق عملية إعادة ضبط التوقعات، أو عدد المستثمرين والشركات الناشئة حاليًّا الذين سيظلون صامدين.