يسلط مرصد الأزهر في تقرير جديد الضوء على الانتهاكات التي تعرضت لها ساحات الأقصى المبارك طوال شهر أكتوبر المنصرم، والتي جاء على رأسها اقتحام نحو 7,000 مستوطن، تحت قيادة عدد كبير من الحاخامات ورؤساء المدارس المتطرفين الصهاينة، ووسط حراسة مشددة من قبل شرطة الكيان الصهيوني.
ويسلط تقرير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الضوء على أبرز محطات الاقتحامات والانتهاكات، والتي تزامنت مع موسم الأعياد الصهيونية، بداية من 25 من سبتمبر 2022م، وحتى 19 أكتوبر، والذي اعتادت منظمات الهيكل المزعوم اعتبارها مناسبة لاستعراض القوى داخل ساحات الأقصى المبارك؛ من خلال الحشد الواسع للمستوطنين لاقتحام ساحاته المباركة، وتنفيذ المزيد من الطقوس الصهيونية الاستفزازية المحظورة.
ومن خلال الاطلاع على الإحصائيات الصادرة عن مواقع تلك المنظمات المتطرفة، نجد أن الأعياد الصهيونية هذا العام سجلت زيادة في أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى لم تحدث منذ احتلال شرقي القدس عام 1967م، علاوة على التجرؤ على تدنيس الأقصى بطقوس استفزازية شكلت هي الأخرى سوابق من حيث تنفيذها بهذا القدر.
ويوضح التقرير أبرز الانتهاكات في عدة نقاط على النحو الآتي:
1. الشهر الأول من السنة العبرية "تشري" اقتحم فيه 7,795 مستوطنًا في سابقة لم تحدث من قبل في شهر واحد، وربما يتجلى لنا خطورة هذا الرقم عندما نعلم أنه تجاوز أعداد المقتحمين لساحات الأقصى طوال عام 2012 بأكمله؛ والذي اقتحم فيه نحو 5,981 مستوطنًا فقط.
2. "يوم كيبوريم- عيد الغفران": وافق هذا العيد يوم 5 أكتوبر، واقتحم فيه 432 مستوطنًا، بنسبة زادت عن مثيلتها من العام المنصرم بنحو 60%. كما سجل هذا العدد سابقة من نوعها كأكبر عدد من المستوطنين يقتحم الأقصى في هذه المناسبة، متجاوزًا الرقم القياسي المسجل في العام السابق لكورونا بنحو 20%.
3. "حاج هسوكوت- عيد العرش أو المظال": استمرت أيام هذا العيد من 9 إلى 16 أكتوبر، ودنس فيه ساحات الأقصى المبارك 4,673 مستوطنًا، وهو رقم يزيد عن نظيره من العام المنصرم بنحو 25%. كما أنه سجل رقمًا قياسيًا في أعداد المقتحمين في الأعياد الصهيونية منذ احتلال القدس عام 1976م.
4. بلغت الأعداد الإجمالية للمقتحمين منذ بداية السنة العبرية، في 25 سبتمبر، وحتى انتهاء موسم الأعياد الصهيونية، في 19 أكتوبر، نحو 7,130 مستوطنًا؛ بنسبة تزيد عن العام المنصرم بنحو 33%، حيث كانت الأعداد 5,373 مستوطنًا العام الماضي.
ويلفت مرصد الأزهر إلى أن هذه السوابق والأرقام التي تتضمنها تعكس لنا تغير الموقف داخل الأقصى المبارك وخطورته، وتبرز لنا تأثير الدور الذي تلعبه منظمات الهيكل، وقدرتها على الحشد والترويج لاقتحام الأقصى، وكيف أن مستقبل الصراع داخل باحات الأقصى قد يأخذ منحى أكثر خطورة في الفترة الحالية؛ إذ تهدف تلك المنظمات المتطرفة، من خلال زيادة أعداد المُقتحمين وتواجدهم الدائم داخل الأقصى، إلى المطالبة بموضع قدم ثابت داخل الأقصى؛ وتتجه الأنظار الصهيونية إلى مصلى باب الرحمة وتستهدف تحويله إلى معبد يهودي.
كما ظهرت تحذيرات مقدسية من مخططات الاحتلال لتحويل سوق القطانين –الملاصق للمسجد الأقصى- لكنيس يهودي، بعدما وضع مستوطنون طاولات ومقاعد وكتب دينية فيه، وأقاموا طقوسًا تلمودية لعدة ساعات احتفالًا بعيد ما يطلقون عليه "حج سوكوت –عيد المظال او العرش"، في الوقت الذي قامت فيه قوات الاحتلال بإخلاء أصحاب المحال التجارية طوال أيام العيد، للتمكن من تأمين المستوطنين أثناء تنفيذهم تلك الطقوس الخاصة بهم، والتي كان من بينها استباحة مئات المستوطنين للسوق حاملين القرابين النباتية، ومؤدين لبعض الرقصات بين أزقة السوق.
ورصد التقرير ازدواجية الكيان الصهيوني عند التعامل مع رواد الأقصى المبارك؛ فنجده مستمر في سياسة الإبعاد والإقصاء المعهودة تجاه المُصلين والمرابطين في الأقصى المُبارك، والتي كان آخرها قرار محكمة الاحتلال في القدس، 6 أكتوبر، بإبعاد 5 مرابطين عن الأقصى، بزعم أن المُبعدين شاركوا في صلاة الضحى بالمسجد الأقصى المُبارك. إضافة إلى تنفيذ العديد من الاعتقالات في صفوف المُصلين والمرابطين داخل الأقصى، ومنع الكثير من الفلسطينيين من الوصول إليه، وتقييد الوصول بأعمار سنية مختلفة، وقصر الأمر على كبار السن؛ كل ذلك من أجل إخلاء الأقصى وإبعاد الشباب الذين يتصدون لهذه الاقتحامات.
وقد تابع مرصد الأزهر أراء المستوطنين المتطرفين حول الإجراءات التي تتبعها سلطات الاحتلال داخل الأقصى المبارك، والتي أوردتها صفحات المواقع الصادرة عن تلك المنظمات المتطرفة، حيث جاءت أغلبها معجبة وراضية تمامًا عن التسهيلات التي توفرها لهم شرطة الاحتلال أثناء اقتحامهم، خاصة في فترة الأعياد المعروفة بتكدس المُقتحمين وكثرة أعدادهم؛ إذ تمت الاقتحامات –على عكس العام الماضي- بشكل سهل وأيسر من ذي قبل.
كما أبدى المستوطنون رضاهم عن القوة المُفرطة التي تعاملت بها شرطة الاحتلال مع المصلين المسلمين والمرابطين داخل الأقصى، وطردهم من ساحاته وإخلائها أمام اقتحاماتهم، خاصة وأن المرابطين والمصلين كانوا يتصدون لهذه الاقتحامات، ويتصدون كذلك للمستوطنين، ويمنعونهم من أداء بعض الطقوس التي تستفز مشاعرهم، وتتنافي مع قدسية الأقصى المبارك، وهو الأمر الذي يؤرق المستوطنين ويدفعهم إلى مغادرة الأقصى بشكل أسرع.
مستوطِنة متطرفة ترقص وتغني داخل المسجد الأقصى
وكان أبرز نتائج تفريغ ساحات الأقصى من المرابطين أمام تدنيس الصهاينة، إقدام مستوطِنة متطرفة على المساس بحرمة المسجد الأقصى المبارك بالرقص والغناء خلال اقتحام باحاته، حيث نشرت المستوطنة مقطعًا مصورًا عبر حساباتها وهي ترقص على أصوات الموسيقى والغناء أثناء اقتحامها للمسجد.
كما نفخ عضو كنيست الاحتلال "سمحا روتمان" بالبوق عند السور الشرقي للمسجد الأقصى. فيما تعمّد المستوطنون النفخ بالبوق في مقبرة باب الرحمة عدة مرات، ونُشرت دعوات لاصطحاب الأبواق والنفخ بها جماعيًّا في المسجد الأقصى خلال رأس السنة العبرية.
وفي سياق متصل، يلفت المرصد بدوره إلى خطورة الحفريات التي ينفذها الاحتلال الصهيوني والجمعيات الاستيطانية في محيط الأقصى المبارك، والتي بلغت نحو 60 حفرية في أكتوبر الماضي، حيث يحاول الاحتلال –من خلالها- التوصل إلى أي دليل يفيد بوجود هيكلهم المزعوم، وهو ما لم –ولن- يتحقق لهم رغم مجهوداتهم الجبارة في هذا المضمار. وتكمن خطورة هذه الحفريات كونها تمثل خطرًا مباشرًا على الأقصى المبارك، يهدد بتصدع جدرانه وانهيارها، وهو الهدف الثاني الذي يسعى الاحتلال إلى تحقيقه.
ويُذَكِّر المرصد أن آخر توابع تلك الحفريات كان سقوط حجر من الحجارة الداخلية للسور الجنوبي للأقصى المبارك داخل التسوية المعروفة بالمصلى القديم، في الوقت الذي تجري فيه سلطة الآثار الصهيونية وجمعية "إلعاد" الاستيطانية حفريات غامضة في محيط الأقصى؛ وخاصة في منطقتي حائط البراق والقصور الأموية.
وفي ختام التقرير، يؤكد المرصد أن الأقصى المبارك في خطر، مكررًا تحذيره من مخططات الاحتلال وجماعاته المتطرفة التي تُحاك ضد الأقصى، والتي تستهدف بشكل علني ومباشر التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وبناء معبد يهودي داخل ساحاته المباركة، وتحقيق المزيد من الأطماع التوسعية، دون أدنى شعور بالمسئولية لمآلات مثل هذه المخططات الخبيثة، ونتائجها الكارثية على الأوضاع داخل فلسطين المحتلة، والمنطقة بأثرها.
ويشدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الأقصى المبارك وقفٌ خالصٌ للمسلمين، رافضًا أي تغيير للوضع التاريخي والقانوني القائم داخله، مستمرًا في فضح جرائم الاحتلال ومخططاته؛ للمساعدة في إعادة تشكيل الوعي لدى النشء والشباب العربي والمسلم حول الأقصى المبارك خاصة، والقضية الفلسطينية بشكل عام.