حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة الأخيرة في رمضان والتي توافق اليوم 14 أبريل 2023م ، 23 رمضان 1444 هجرية، حيث أعلنت الوزارة أن موضوع الخطبة الأخيرة في رمضان، ستكون تحت عنوان: 'كيف نستقبل ليلة القدر؟'.
موضوع خطبة الجمعة الأخيرة في رمضان.. كيف نستقبلُ ليلةَ القدرِ؟
«الحمدُ للهِ الذي رضيَ مِن عبادهِ باليسيرِ مِن العملِ، وتجاوزَ لهُم عن الكثيرِ مِن الذللِ، وأتمَّ عليهمُ النعمةَ، وكتبَ على نفسهِ الرحمةَ، سبحانَهُ إنَّ رحمتَهُ سبقتْ غضبَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ .. وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامُ الأتقياءِ الأنقياءِ الأوفياءِ .. فاللهُمّ صلّ وسلمْ وزدْ وباركْ عليهِ وعلى آلِ بيتهِ وصحبهِ أجمعين.
وبعــــــدُ،،،،،
فإنّ خطبتنَا بعــونِ اللهِ ومــددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حـــولَ هــذه العناصــرِ، أولًا: ليلةُ القدرِ فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيلٌ ومنحةٌ ربانيةٌ، ثانيًا: تحرُّوهَا في العشرِ الأواخرِ مِن شهرِ رمضانَ، ثالثًا: اللهُمّ إنّك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي!
ليلةُ القدرِ فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيلٌ ومنحةٌ ربانيةٌ.
كثرَ خيرُ اللهِ وطابَ، وتعددتْ فضائلُهُ ومنحُهُ لخلقهِ وهيّءَ لهُم الأسبابَ، ليتضرعُوا إليهِ متى شاءُوا ولم يضعْ بينَهُ وبينهُم الحجابَ، وبسطَ يدَهُ ليتوبَ المسيءُ ولم يُغلقْ دونَهُ الأبوابَ، وامتنَّ على عبادهِ بليلةٍ هي خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ؛ ليرتقُوا بفضلِهَا إلى منزلةِ الأصحابِ السابقينَ الأولينَ الذين حملُوا رايةَ الإسلامِ ونزلَ في زمنِهم الكتابُ.. سبحانَك مِن إلهٍ حليمٍ عظيمٍ عفوّ عدلٍ رحيمٍ تقبلُ توبةَ العاصي وتمحُو عنهُ الذنوبَ وترفعُ عنهُ العقابَ.
جُدْتَ سبحانَكَ ربِّي على عبادِكَ بهذه الليلةِ المباركةِ، لترفعَ لهُم الأجرَ؛ عوضًا عن قصرِ العمرِ، وبيّنتَ فضلَهَا في كتابِكَ العزيزِ، فقلتَ سبحانَكَ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾. [ سورة القدر].
وقلتَ سبحانَكَ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾. [ الدخان، 3 ].
فقولهُ تعالى: ﴿ وما أدراكَ﴾. أي: ما أعلمَكَ يا أشرفَ الخلقِ ﴿ما ليلةُ القدرِ﴾. وذلك تعظيمًا لشأنِهَا، ومِن غايةِ تعظيمِهَا أنّ اللهَ أنزلَ فيها القرآنَ الكريمَ جملةً واحدةً مِن اللوحِ المحفوظِ إلى السماءِ الدنيَا، وأملاهُ جبريلُ ـــ عليه السلام ـــــ على السفرةِ، ثُم كان ينزلهُ على رسولِ اللهِ ﷺ منجمًا في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً بحسبِ الوقائعِ والحاجةِ إليهِ. [ السراج المنير، للخطيب الشربيني]
واختلفُوا في تسميتِهَا بلَيْلَةَ الْقَدْرِ، فقيل: لأنهَا لَيْلَةُ تَقْدِيرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامُ، يُقَدِّرُ اللَّهُ فِيهَا أَمْرَ السَّنَةِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ. قِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ: أَلَيْسَ قَدْ قَدَرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ والأرض؟ قال: نعم، قِيلَ: فَمَا مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قال: سوقُ المقاديرِ التي خلقَهَا إلى المواقيتِ، وتنفيذُ القضاءِ المقدورِ. [ تفسير البغوي ].
وقيلَ: سُميتْ بذلك؛ لأنّ مَن أتَى بفعلِ الطاعاتِ فيها صارَ ذا قدرٍ وشرفٍ عندَ اللهِ ــــ عزَّ وجلَّ ــــ أو لأنَّ الطاعاتِ فيها لهَا قدرٌ عظيمٌ. وقِيلَ: لأنّهُ نزلَ فيها كتابٌ ذو قدرٍ بواسطةِ ملكٍ ذي قدرٍ على رسولِ اللهِ ذي قدرٍ لأمةٍ ذاتِ قدرٍ .. وخيريتُهَا مِن ألفِ شهرٍ، على معنَى أنّ العبادةَ فيها خيرٌ مِن العبادةِ في ألفِ شهرٍ، ولا يعلمُ مقدار خيريتِهَا منها إلّا هو سبحانَهُ وتعالى وهذا تفضلٌ منهُ تعالى، ولهُ عزَّ وجلَّ أنْ يخصَّ ما شاءَ بما شاء، ورُبَّ عملٍ قليلٍ خيرٌ مِن عملٍ كثيرٍ، ولا ينافِي هذا قاعدةَ أنَّ كلَّ ما كثرَ وشقَّ كان أفضلَ. [ تفسير الألوسي].
وعند البيهقِي في السننِ الكبرى، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾. الَّتِي لَبِسَ فِيهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ.
وفي أوجزِ المسالكِ إلى موطأِ مالكٍ، ذكرَ رسولُ اللهِ ﷺ يومًا أربعةً مِن بني إسرائيل عبدوا اللهَ تعالى ثمانينَ عامًا لم يعصوهُ طرفةَ عينٍ، فذكرَ أيوبَ، وزكريا، وحزقيلَ بنَ العجوزِ، ويوشعَ بنَ نون، فعجبَ أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ مِن ذلك، فأتاهُ جبريلُ عليه السلامُ فقالَ: يا محمدٌ عجبتْ أمتُكَ مِن عبادةِ هؤلاءِ النفرِ ثمانينَ سنةً، فقد أنزلَ اللهُ ـــــ تعالى ـــــ عليك خيرًا مِن ذلك، فقرأَ عليهِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ إلى آخرِهَا، ثُم قالَ: هذا أفضلُ مِمّا عجبت أنتَ وأمتكَ منهُ فسرَّ بذلك رسولُ اللهِ ﷺ. [ أوجز المسالك، للكاندهلوي ].
ومِن عظمِ هذه الليلةِ أنّه يكثرُ تنزلُ الملائكةِ فيهَا لكثرةِ بركتِهَا، والملائكةُ يتنزلونَ مع تنزلِ البركةِ والرحمةِ، كما يتنزلونَ عندَ تلاوةِ القرآنِ ويحيطونَ بحلقِ الذكرِ، ويضعونَ أجنحتَهُم لطالبِ العلمِ بصدقٍ تعظيمًا له. وأنَّهُم يسلّمُونَ على أهلِ المساجدِ، حتّى يطلعَ الفجرُ، ثُمّ بشرَ رسولُ اللهِ ﷺ أهلَ هذه الليلةِ بالمغفرةِ، فقالَ كما في البخاري: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »
وَلَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا بَلْ لَوْ قَامَهَا غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَامَ بِقَصْدِ ابْتِغَائِهَا. [ طرح التثريب ].
تحرُّوهَا في العشرِ الأواخرِ مِن شهرِ رمضانَ
مِن كمالِ الفضلِ، وتحصيلِ الأجرِ، وتمامِ النعمِ على العبادِ، أنّ اللهَ ــــ عزّ وجلّ ـــ وهبَهُم هذا الشهرَ الفضيلَ، وجعلَ صيامَ نهارِهِ فريضةً، وقيامَ ليلهِ تطوعًا، مَن صامَهُ وقامَهُ إيمانًا واحتسابًا، أي: مُوقنًا بفرضيتهِ، مُحتسبًا الأجرَ مِن خالقهِ غفرَ لهُ ما تقدّمَ مِن ذنبهِ، ثُمّ جعلَ في النهاياتِ جوائزَ، قد يفوزُ بها مَن كان في أولِ الشهرِ مِن العجائزِ، فكثرَ خيرُ اللهِ على الخلقِ، ومنحَهُم أعظمَ الدرجاتِ على قليلِ مِن العملِ في نهايةِ هذه الأيامِ المباركاتِ، فقد هيءَ الكونَ للخلقِ، وأنزلَ لهم الملائكةَ في هذه الليلةِ المباركةِ، وجعلَهَا ليلةَ سلامٍ حتى يبزغَ فجرُهَا، فمَن قامَهَا فقد حصلَ الأجرَ وفازَ بغفرانِ الذنبِ، ومَن تكاسلَ فقد حرمَ أجرَهَا، ولم ينلْ شيئًا مِن خيرِهَا.
ولمّا كانتْ الهممُ متفاوتةً، والناسُ بينَ نائمٍ وقائمٍ، ومحسنٍ لنفسهِ وظالمٍ، غيّبَ اللهُ ـــ عزَّ وجلَّ ــــ علمَهَا عن خلقهِ ليتحفَهُم المزيدَ في الاجتهادِ، ويتفاضلَ فيها العبادُ، ويغترفُوا مِن العشرِ فضائلَ يرونَ مكانتَهَا يومَ الميعادِ، ففي الصحيحينِ، مِن حديث أُمّنَا عائشةَ ـــ رضي اللهُ عنها ـــ قالتْ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: « تَحَــــرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْـــرِ الأَوَاخِـرِ مِنْ رَمَضَانَ».
وعندَ مسلمٍ، مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: « أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي، فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَـــوَابر»، وفي الصحيحينِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: « تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»؟
وعند مسلمٍ، أنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، قال: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي، أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ؟ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، قَالَ: بِالْعَلَامَةِ، أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي «أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ، لَا شُعَاعَ لَهَا».
وقد رجّحَ بعضُ العلماءِ أنَّها في السابعِ والعشرين، وهو قولُ ابنِ عباسٍ، فالسورةُ ثلاثونَ كلمةً وفاقاً، وقولُهُ تعالَى: {هي} السابعُ والعشرون، وهي كنايةٌ عن هذه الليلةِ، فبانَ أنَّها ليلةُ السابعِ والعشرين، وهو استنباطٌ لطيفٌ وليس بدليلٍ. وقِيلَ: لأنّ ليلةَ القدرِ تسعةَ أحرفٍ مضروبةٌ في ثلاثةٍ فمجموعُ الحروفِ سبعٌ وعشرونَ حرفًا
وأخفاهَا اللهُ ــــ تعالى ــــ ليعظمُوا جميعَ العشرِ، كمَا أخفَى رضاهُ في الطاعاتِ ليرغبُوا في كلِّهَا، وأخفَى غضبَهُ في المعاصِي ليحذرُوهَا كلَّهَا، وأخفَى وليهُ مِن المسلمين ليعظموهُم كلّهُم، وأخفَى الإجابةَ في الدعاءِ ليبالغُوا في الدعواتِ، وأخفَى ساعةَ الإجابةِ في يومِ الجمعةِ ليجتهدُوا في العبادةِ في جميعِ الأوقاتِ، وأخفَى الاسمَ الأعظمَ ليعظمُوا كلَّ أسمائهِ تعالى، وأخفَى الصلاةَ الوسطَى ليحافظُوا على الكلِّ، وأخفَى التوبةَ ليواظبَ المكلفُ على جميعِ أقسامِهَا، وأخفَى قيامَ الساعةِ ليكونُوا على وجلٍ مِن قيامِهَا بغتةً. [ السراج المنير، للخطيب الشربيني ].
قالَ الإمامُ النوويُّ: سُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِعِظَمِ قَدْرِهَا وَشَرَفِهَا، وَأَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى وُجُودِهَا وَدَوَامِهَا إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.. وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ وَفِي سَنَةٍ أُخْرَى فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَيُقَالُ كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَ بِأَحَدِ أَوْقَاتِهَا وَلَا تَعَارُضَ فِيهَا. [ شرح النووي على مسلم ].
اللهُمّ إنّك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي
وبعدَ بيانِ فضلِهَا ووقتِهَا لم يبقَ إلَّا الاقتداءُ بسيدِ المرسلينَ في قيامِهَا، وإحياءِ العشرِ بالعبادةِ طمعًا في حصولِ ثوابِهَا، كما كان يفعلُ ﷺ، وكان الدعاءُ المأثورِ عنهُ ﷺ كما تقولُ أمُّنَا عَائِشَةُ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: إِنْ وَافَقَنِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَقَالَ: « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ».[ النسائي، الترمذي وغيرهما ].
وعند الترمذِي وأحمدَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: « سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ وَالمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ »، ثُمَّ أَتَاهُ فِي اليَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: « فَإِذَا أُعْطِيتَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا فِي الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ».
العَفْوُ: هُوَ التَّجاوزُ عَنِ الذَّنْب وتركُ العِقَابِ عَلَيْهِ، وأصلُه المَحْوُ والطَّمْسُ، والعَافِيَةُ: أَنْ تَسْلَم مِنَ الأسْقَام والبَلاَيا. والمُعَافَاةُ: هِيَ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ مِنَ النَّاسِ ويُعَافِيَهُم مِنْكَ: أَيْ يُغْنِيكَ عَنْهُمْ ويُغْنيَهُم عَنْكَ، ويَصْرفَ أذاهُم عَنْكَ وأذَاكَ عَنْهُمْ. [ النهاية، لابن الأثير]. وإنَّما خصَّ هذه الليلةَ بالعفوِ دونَ العافيةِ والمعافاةِ حتّى لا تتعلقُ القلوبُ بشيءٍ مِن حظوظِ الدنيَا، فاغتنمُوهَا عبادَ اللهِ وأحيوا ليلَهَا بالعبادةِ حتّى تكونُوا مِن العتقاءِ الفائزين، المغفورِ لهم مِن ربِّ العالمين.. اللهُمّ اجعلنَا مِن أهلِ ليلةِ القدرِ الفائزين بما أعدَّهُ اللهُ لعبادهِ المتقين».